هل يعيد COVID-19 المغتربين؟
} لواء العريضي
بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على تفشي فيروس كورونا وتأخّر الطب في إيجاد اللقاح أو الدواء المناسب، وكثرة الأبحاث ونتائجها التي تفرض علينا التعايش مع هذا الفيروس لكسب الوقت بالتذاكي عليه لاحتوائه بأقلّ خسائر ممكنة، فُرِض علينا التطوّر بالإكراه. اختصرنا طريق الوقاية بنجاح، كما الفترة الزمنية لإدراك أهمية التدابير الصحية التي نتخذها اليوم لسلامتنا وسلامة مجتمعنا بوجه كافة أنواع الأمراض ليس فقط كورونا.
برهنت الأشهر القليلة الماضية أنّ معظم الأعمال والوظائف باستثناء الأشغال المتعلّقة بالسياحة كالمطاعم والفنادق والخدمات يمكن ممارستها من المنزل وبالفعالية ذاتها تقريباً. وما نشهده اليوم من تطوّرٌ فعّال قد يأخذ الشركات وقتاً أطول للاعتراف به وتقبّل الحقيقة وبدء الاستفادة منه.
عددٌ كبيرٌ من المغتربين اللبنانيين الذين يمارسون عملهم اليوم من المنزل يقومون بواجباتهم على أكمل وجه. وكان قرار الأغلبية من الذين يسكنون مع عائلاتهم في المغترب إجلاءهم الى لبنان لأنّ وجودهم في الخارج لا سيّما في البلدان الأفريقية قد يكون عبئاً عليهم في حال اهتزاز الوضع الأمني الذي يتلازم مع كلّ أزمة اقتصادية. ولكن هذا الموظّف المغترب قرّر البقاء في الخارج رغم المخاطر، لأنه في هذه الأوقات الحرجة من غير المحبّذ فقدان الوظيفة والمدخول الذي يؤمّن لقمة العيش للعائلة. لكن إدراك الشعور الوطني وقرار إرسال العائلة للبلد الأمّ أتى كردّ فعل عفوي ودليل قاطع على أنّ الوطن هو الأبقى لأبنائه.
من هنا ننطلق لطرح السؤال التالي، طالما أنّ الموظف يقوم بكامل واجباته من المنزل عبر البريد الالكتروني والهاتف، وهو على معرفة مسبقة بكلّ تفاصيل العمل، والفيروس باقٍ وأقلها لبضع سنوات، ماذا يعيق أصحاب الشركات أو المصالح عن تطوير عقود العمل فيصبح الموظّف ذاته يعمل من منزله في وطنه جنب عائلته؟ وتكون العجلة الاقتصادية اللبنانية هي المستفيدة الأكبر إذ أنّ الأموال ستبقى على تدفقها من الخارج مع فارق إيجابي أنها ستصرف بأكملها في الداخل. فهذا المواطن جزء لا يتجزأ من مجتمعه، سيؤمّن غذاء عائلته وكلّ ما تحتاج إليه من ملابس وأمور مختلفة من المتاجر اللبنانية، وسيرتاد أبناؤه المدارس اللبنانية، وكلّ ما يُصرف سيكون ضمن المضمار الاقتصادي الواحد. ناهيك عن الدور المهمّ والصحي لتواجد الأمّ والأب معاً قرب العائلة لتربية الأطفال. فشعور الشوق للعائلة وما يتركه من فراغ لا يفهمه سوى من أجبر على الغربة لتأمين عيش من يحب.
في المقابل أصحاب الشركات سيستفيدون من الأمر سواسية، فلن يدفعوا في المغترب إيجارات البيوت الباهظة ولن يصرفوا أموالاً إضافية على السيارات ومكمّلات حياة الاغتراب التي تأتي مع كلّ عقد عمل، هذا غير الإقامات الباهظة الثمن وتذاكر السفر والتأمين الصحي الخيالي وأمن الموظّف.
في هذا السيناريو، تصبح حياة الموظّف معكوسة إذا صحّ القول، فكلّ بضعة أشهر يسافر لمدّة قصيرة لبلد الاغتراب «السابق» للقيام بالزيارات والاجتماعات الموجبة لضرورات العمل ضمن الإجراءات الصحية المتّبعة في حينه. انّ خطوة كهذه ولو بدت مستحيلة اليوم، ستكون منطقية بعد عدة أشهر، لا سيما أنّ الاقتصاد اللبناني المنهار بحاجة لأيّ دفعة بسيطة نحو الأمام. بتنسيقٍ جادّ بين الحكومة والوزارات المعنية ورجال الأعمال اللبنانيين المنتشرين في أصقاع العالم يمكن الاستفادة من هذه الخطوة جدّيّاً.
من المؤكّد أنّ هذا الاقتراح بحاجة الى تجهيزات كثيرة أهمّها شبكة انترنت تخوّل الموظف العمل من منزله في لبنان دون عوائق لوجستية كما يفعل في الخارج. فعلى الدولة الاستثمار في هذا المجال وفرض خطط على شركات الاتصالات ومزوّدي الانترنت للاستفادة مما تفرضه علينا قواعد العالم الجديد. فلا طالما كنا آخر راكبي القطار بانتظار تجارب دولٍ أخرى بالنجاح، لكن اليوم نحن نرقد في الحضيض، والخطوات المنطقية والمثالية لإنقاذنا ستأخذ سنوات، فكلّ دفعة نحو الأمام مشكورة وكلّ فكرة خارج الأفكار التقليدية مقبولة.