بين طهران وكراكاس وواشنطن… بحر وسنّارة صيد
} زهر يوسف*
من ميناء «الشهيد رجائي» الذي تعرّض لهجوم سيبراني إسرائيلي مؤخراً، اختارت إيران أن تعلن للملأ عن وجهة ناقلاتها المحمّلة بالنفط إلى فنزويلا.
والسؤال الذي يتبادر للذهن: كيف يمكن تفسير الجرعة الزائدة في الجرأة الإيرانية إنْ لجهة الميناء والوجهة والمحتوى خلافاً للعادة المتبعة في نقل النفط وأخواته بهدف التشويش على «مقتفي الأثر» سواء واشنطن أو مِن تُبّع الأخيرة؟
فإلى متسمّرين أمام الشاشات حوّلت إيران إدارة ترامب لمتابعة وصول السفن الإيرانية تباعاً إلى فنزويلا، حيث كانت السفن الحربية المستقدمة أميركياً مرابطة على مياه الكاريبي، ليعود إلى العلن الحديث عن معركة الناقلات، بعدما حذرت إيران من الردّ بالمثل على أي تصرف أميركي قد يعرّض الناقلات للخطر، ونقلت الجولة الأولى من المعركة إلى «الملعب الدولي» عبر وضع الأمم المتحدة أمام تحمّل مسؤولياتها.
إذ لا يُخفى على ذي عاقل، أنّ التنافر إنْ لم نقل الصراع بين طهران وواشنطن له تاريخ طويل، يعود إلى أكثر من أربعة عقود، وبصورة أدق منذ أسقطت الثورة الإيرانية حليف واشنطن في المنطقة وهو الشاه الذي كُنّي «بشرطي الخليج» الحال الذي يجعل كلّ من طهران وواشنطن على نقيض تامّ في جلّ القضايا والملفات التي تمور بالعالم.
ومنذ ذاك الوقت، لم توفر واشنطن طريقة ولم تألُ جهداً ولم تعدم أسلوباً، إنْ مباشرة وإنْ عبر تبَّع لها، لمحاصرة إيران إلا وسلكته واعتمدته منهجاً، بالتهديد بعود الثقاب تارة وبفرض عقوبات اقتصادية تارة وبالحصار بغية التركيع والخنوع تارات، خطوات أدركتها إيران وتعاملت معها بصبر، يحاكي البراعة في حياكة سجادها، لتكون اليوم جمهورية الثورة قادرة ليس فقط على تحدّي واشنطن وسياستها بل ومواجهتها بعد امتلاكها قدرات عسكرية هي في القاموس العسكري تصنف بعبارة «لا يُستهان بها».
نقاط القوة تلك، حدت بإيران إلى اتخاذ قرار يبدو في توقيته استراتيجياً حيال كسر الحصار عن فنزويلا، ليطرح سؤال ثانٍ، هل إيران تسير بخطوات ثابتة على طريق نظام عالمي، حتى الآن هو في طور التشكل، وفرض نفسها كدولة فاعلة ومؤثرة على المسرح الدولي لا سيما أنّ نسبة مرتفعة ومرتفعة جداً تقول إن سياسة أميركا في تراجع على المستوى العالمي، وهو ما صرّح به الفيلسوف نعومي تشومسكي، وهنا ما الذي يجعل الأميركي سادراً بصمته ويداه مكبلتان؟ أهو كورونا وتصدّر أميركا لأعداد المصابين والوفيات بفيروس كوفيد 19؟ أم الانتخابات الأميركية المقبلة وخطوات ترامب الثقيلة للفوز بولاية ثانية، السببان وجيهان وربما هناك ما خفي، غير أنّ الواضح، أنّ إيران أثبتت ولأكثر من جولة، قدرتها على «ردع» القوة العسكرية لأميركا، والقصف الإيراني لقاعدة «عين الأسد» في الثامن من كانون الثاني الماضي ما زال في الذاكرة رداً على اغتيال اللواء قاسم سليماني في العراق «البؤرة» الأكثر توتراً بين طهران وواشنطن، لنكون أمام سؤال رابع… أعاجزة أميركا؟
الجيش الأميركي عاجز عن مواجهة القوة الصاروخية الإيرانية الهائلة. هذا التصريح، ليس لمسؤول إيراني سواء أكان سياسياً أم عسكرياً، وليس لشخص أو وكالة أنباء محسوب على محور طهران، كما أنه ليس لعابر سبيل أو مبتدئ في عالم السياسة، ببساطة إنه خلاصة تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأميركية وفسّرته بأن النار اقتربت كثيراً من عود الكبريت.
التقرير الأميركي محبوك بعناية فائقة، ومدروس لجهة أنّ واشنطن تعتمد على إيهام الندّ أو الخصم، أنه قوي ويمكن أن يلحق بها الهزيمة وينتصر ليصرّ على عناده والتشدد فيه، قبل الدخول في أيّ مواجهة عسكرية معه، كما تحرص واشنطن على «إقناع» الجميع أنها لا تقبل المواجهة مع ضعيف ولأجله تحرّك أسطولها، وأنها استنزفت كلّ الوسائل «السلمية» معه.. فهل يُفهَم «اللاتصرف الأميركي» في البحر الكاريبي في هذا السياق؟ الثابت أنّ إيران قبلت النزال الأميركي وتحدّت، رغم الظروف البالغة الحساسية على مساحة العالم، وقدّمت بخطوتها الجريئة الجديدة نموذجاً في عالم عصر الأحادية الأميركية التي تتلعثم واشنطن في الاعتراف بأفول نجمه… فهل تكون الخطوة الإيرانية محفزة لدول أخرى – تحدّد أميركا كمية الأوكسجين التي تستنشقها – أوروبا مثلاً… وتقول لترامب كش ملك؟
*صحافية سورية