عربيات ودوليات

أخطر حرب في المنطقة… تجدّد النزاع بين الهند والصين!

 

 

شهدت المنطقة الحدودية بين الصين والهند مناوشات جديدة بين حرس حدود البلدين، وذلك في الأسبوع الأول من أيار الماضي، بسبب اعتراض الجيش الصيني على قيام القوات الهندية بدورية في منطقة لاداخ الحدودية.

فيما لا تزال هناك الكثير من المشكلات الخامدة تحت الرماد ما بين العلاقات الصينية الهندية، وفي طليعة هذه المشكلات يقف الخلاف على مناطق حدودية، يدّعي كل من البلدين ملكيتها.

ويبلغ طول الحدود بين الهند والصين أكثر من 3440 كيلومتراً (2100 ميل)، وتتداخل بعض الأراضي التي يطالب البلدان بالسيادة عليها، وكثيراً ما تتصادم الدوريات الحدودية ببعضها، ما يؤدي إلى مصادمات عابرة، غير أن الجانبين يصرّان على أن القوات لم تتبادل طلقة واحدة منذ أربعة عقود.

ويتقابل جيشا البلدين، وهما من أكبر الجيوش في العالم، في نقاطٍ عدة، إذ يفصل «خط السيطرة الفعلية» غير المحدد بوضوح بين الجانبين، وتتسبب الأنهار والبحيرات والقمم الجليدية في تغيير الخط الفاصل بين الجانبين بين الحين والآخر، ما يقرّب الجنود من الدخول في مواجهة مباشرة.

وبدأ التوتر الأخير بمشاجرة بين الجنود، فاعتقل العسكريون الصينيون أفراداً من الجيش الهندي قبل أن يطلق سراحهم في وقت لاحق.

في أعقاب ذلك زار المنطقة القائد العام للقوات البرية الهندية الجنرال مانوج موكوند نارافان، ونقل الجيش كتائب مشاة إلى خط الحدود، في وقت أقام الجيش الصيني خياماً عدة بالقرب من وادي جالفان.

وذكرت الخارجية الصينية في وقت سابق أن «الجنود الهنود يعرقلون تسيير الدوريات والقيام بعمليات لحرس الحدود الصيني في منطقة لاداخ».

وبحسب تقرير لـ«بي.بي.سي» يقول أجاء شوكلا، الخبير العسكري الهندي الذي خدم سابقاً برتبة كولونيل في الجيش: «الوضع خطير. لقد دخل الصينييون منطقة اعترفوا هم أنفسهم بأنها جزء من الصين. إن هذا يغير الوضع القائم تماماً»، لكن للصين وجهة نظر مغايرة، إذ تقول إن «الهند هي مََن غيَّرت الأوضاع على الأرض».

ويقول شوكلا: «إن منطقة وادي الغالوان التي كانت مسالمة في الماضي صارت الآن بؤرة نزاعٍ، لأنها النقطة التي يقترب عندها خط السيطرة الفعلية للغاية من الطريق الجديد الذي بنته الهند بطول نهر الشيوك إلى منطقة دولت بيغ أولدي، وهي المنطقة الأبعد والأضعف بطول خط السيطرة الفعلية في لداخ».

ويبدو أن قرار الهند بتسريع أعمال التشييد قد أغضب بكين، إذ قالت صحيفة «غلوبال تايمز» التي تديرها الحكومة الصينية بصورة قاطعة إن «وادي الغالوان أرض صينية، والوضع المحلي للسيطرة الحدودية واضحٌ للغاية».

ويقول د. لونغ شينغ شون، رئيس معهد شينغدو لشؤون العالم (CIWA): «وفقاً للجيش الصيني، الهند هي من اقتحمت وادي الغالوان. إذن الهند هي التي غيّرت الوضع القائم بطول خط السيطرة الفعلية، وهذا قد أغضب الصينيين».

وقال مايكل كوغلمان، نائب مدير برنامج آسيا في مركز ويلسون البحثي، إن هذه «المواجهة ليست مواجهة روتينية»، وأضاف إن «نشر الصين لعددٍ ضخم من الجنود هو استعراض للقوة».

وقد يعزز الطريق من قدرة دلهي على نقل الرجال والمواد بسرعة في حالة حدوث نزاع، وزادت الخلافات بين الدولتين على مدار العام الماضي في مجالات سياسية أخرى أيضاً، ففي حين اتخذت الهند قراراً مثيراً للجدل بإنهاء الإدارة الذاتية المحدودة لإقليمي جامو وكشمير في آب من العام الماضي، فقد أعادت أيضاً رسم خريطة المنطقة، وتضمّنت منطقة لاداخ الجديدة الخاضعة لإدارة الحكومة الاتحادية منطقة أكساي تشين، التي تُطالب بها الهند وتُسيطر عليها الصين.

ويقول بي ستوبدان، الدبلوماسي الهندي السابق والخبير في لاداخ والعلاقات الهندية الصينية: «كثيراً ما نشهد عبور الجيشين خط السيطرة الفعلية بشكل روتيني، فحدوث ذلك شائع ويتم حله على المستوى العسكري المحلي. لكننا نشهد هذه المرة أكبر حشد للقوات. إن المواجهة تقع في مناطق استراتيجية مهمة للهند، وإن سقطت بحيرة بانغونغ في قبضة الصين فلا يمكن للهند الدفاع عن لاداخ، وإن سمحت الهند للجيش الصيني بالاستقرار في وادي شيوك الاستراتيجي فإن القوات الصينية بإمكانها الوصول لوادي نوبرا بل وسياتشين».

أما من جهة المناطق المتنازع عليها بين البلدين، فتعتبر هضبة أروناشال  براديش من أولى مناطق النزاع، وهي منطقة حدودية، تقع عند مفترق طرق بين الصين ومملكة بوتان وولاية سيكيم التي تقع شمال شرق الهند.

وتطلق بوتان والهند على المنطقة اسم هضبة دوكلام، في حين تطلق عليها الصين «جنوب التبت» وتؤكد أنها جزء من أراضيها، وتدعم الهند مطالب بوتان بالسيادة على المنطقة، وتقول إن الصين تحتل أجزاء كبيرة منها.

وبوتان هي دولة صغيرة تقع في الطرف الشرقي من جبال الهيمالايا، ليس لديها أي علاقات دبلوماسية مع الصين التي تتواصل معها عبر سفارتها بالهند، وتعتبر أن «دوكلام» أراضي متنازع عليها.

على الرغم من أن منطقة «دوكلام» المتنازع عليها ليست جزءاً من الهند ولا تطالب بها، فإنها تؤكد أن «حكومة بوتان طلبت منها التدخل بالنيابة عنها»، وتعتبر المنطقة ذات أهمية استراتيجية للأمن القومي الهندي، فسيطرة بكين عليها من شأنها أن تسهل للقوات الصينية الوصول بيسر إلى ممر سيليغوري الذي يربط بين ولايات الهند الشمالية والشرقية بباقي البلاد، وفقاً لمركز دراسات الصين وآسيا.

كما تعتبر «أكساي تشين» منطقة متنازع عليها بين الطرفين غرب جبال الهيمالايا، تبلغ مساحتها حوالي 38 ألف كيلومتر مربع، وهي خالية من السكان تقريباً، وتحتوي على العديد من البحيرات الملحية.

وتخضع المنطقة لسيطرة الصين التي تعتبرها جزءاً من إقليم شنغ يانغ، وما تزال الهند تطالب بالمنطقة وتعتبرها جزءاً من منطقة لاداخ الواقعة في إقليم جامو وكشمير.

ويعتبر مصير ولاية أروناشال  براديش الهندية أخطر نقاط المواجهة، فقد ضُمت المنطقة إلى الأراضي الهندية خلال حقبة الاستعمار البريطاني، ولكن بعد أن نالت كل من الصين والهند استقلالهما أواخر أربعينيات القرن الماضي طالبت كل منهما بالسيادة على المنطقة.

وتفاقم الصراع عام 1959 عندما لجأ الدلاي لاما القائد الروحي لمنطقة التبت إلى الهند هرباً من السلطات الصينية، وعام 1962 اندلعت الحرب بين الصين والهند ومنيت الأخيرة بهزيمة قاسية، ورغم ذلك احتفظت بولاية أروناشال  براديش بعد انسحاب القوات الصينية وسط ضغوط دولية.

واندلعت مواجهة أخرى بين البلدين عام 1987، عندما أطلقت الحكومة الهندية لقب «ولاية» على منطقة أروناشال  براديش، الأمر الذي أغضب بكين وأنذر بنشوب حرب، قبل أن يتوصل الطرفان إلى حل دبلوماسي.

فيما مرّ النزاع بين البلدين بمحطات تاريخية عدة وليس وليد اللحظة، ففي عام 1826 ضمت شركة الهند الشرقية البريطانية «آسام» ومدت التأثير البريطاني تدريجياً إلى الإقليم الشمالي الشرقي من الهند، وليصبح هذا الإقليم عام 1912 الذي يُطلق عليه الآن «أروناشال  براديش» وحدة إدارية ضمن آسام، وأطلق عليه منطقة الحدود الشمالية الشرقية.

كما تفاوض ممثلو جمهورية الصين والتبت وبريطانيا عام 1914 وتوصلوا إلى معاهدة في الهند سميت اتفاقية «سيملا» لترسيم الحدود بين التبت الداخلية والخارجية، وكذلك بين التبت الخارجية والهند البريطانية.

ورفضت الصين حينها ترسيم حدود التبت الخارجية وانسحب مندوبها، فأرفق المفاوضون البريطانيون والتبتيون مذكرة تحرم الصين من أي امتيازات بموجب الاتفاق، وأغلقت كاتفاق ثنائي.

فيما بدأت الهند عام 1950 بالمطالبة بالمناطق المتنازع عليها، على أساس اتفاقية «سيملا». غير أن الصين رفضت المطالب الهندية، وقالت إن «التبت لم تكن يوماً دولة مستقلة»، ولذلك لم تتمكن من توقيع معاهدة نيابة عن بكين لتعيين حدود دولية، وأضافت أنه طالما لها السيادة على التبت فإن الاتفاق غير سارٍ من دون موافقة صينية.

وفي العام 1960 عقد مسؤولون من الهند والصين مناقشات من أجل تسوية النزاع الحدودي بينهما، بناء على اتفاق بين رئيسي الوزراء جواهر لال نهرو وتشو إن لاي. واختلف البلدان على مستجمعات المياه الرئيسية في القطاع الغربي من الحدود.

واحتلت الصين عام 1962 أجزاء من ولاية أروناشال  براديش، واندلعت الحرب الصينية الهندية. ومنيت الهند بهزيمة قاسية، ورغم ذلك احتفظت بالولاية بعد انسحاب القوات الصينية منها وسط ضغوط دولية.

وحدثت اشتباكات حدودية عام 1986، ودخل الطرفان في مفاوضات لحل تلك الخلافات ولتحديد الخط الحدودي بينهما، دون التوصل إلى نتيجة.

وفي العام 1987 تأججت المواجهة بين البلدين عندما أطلقت الحكومة في نيودلهي لقب «ولاية» على منطقة أروناشال  براديش، لتصبح الولاية الهندية رقم (29) وهذا ما أغضب بكين وأنذر بنشوب حرب، قبل أن يتوصل الطرفان إلى حل دبلوماسي حال دون ذلك.

كما أبرم اتفاق لحل النزاع عام 1996 بما في ذلك «تدابير بناء الثقة» وخط المراقبة الفعلية المتفق عليه بصورة متبادلة.

وفي العام 2006 ادعى كلا البلدين توغلات تصل إلى كيلومتر واحد في منطقة أروناشال  براديش، مما أدى إلى نشوب توتر واتهامات متبادلة.

وأعلنت الهند عام 2009 أنها «ستنشر قوات عسكرية إضافية على طول الشريط الحدودي». واتهمت الهند عام 2013 قوات صينية بإنشاء معسكر على بعد 10 كيلومترات من حدودها الشرقية»، وقالت إن «التوغل شمل قيام مروحيات عسكرية صينية بدخول المجال الجوي الهندي»، غير أن بكين نفت ذلك. وانتشر جنود من البلدين على الحدود لمدة شهر كامل، قبل أن ينسحبوا جميعاً.

وفي 2014 اقترحت نيودلهي أن تعترف الصين بسياسة «الهند واحدة» لحل النزاع الحدودي. لكن القوات الصينية والهندية تواجهت في العام 2015 في منطقة بورتسه شمال لاداخ بعد تفكيك القوات الهندية برج مراقبة بنته الصين بالقرب من خط الدوريات العسكرية المتفق عليه بين البلدين.

وفي حزيران 2017 قام الجانبان بزيادة قواتهما إلى ثلاثة آلاف جندي لكل منهما، وذلك عندما اعترض جنود هنود على قيام الجيش الصيني ببناء طريق في منطقة متنازع عليها.

وطالبت الصين جارتها الهندية يوم 23 من تموز 2017 بسحب قواتها من الجزء الصيني للشريط الحدودي بينهما، وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع وو تشيان إن «على نيودلهي اتخاذ خطوات عملية لتصحيح الخطأ والكف عن الاستفزازات والعمل معاً من أجل استقرار وأمن المنطقة»، وحذر من «الاستهانة بقدرات الجيش الصيني مؤكداً أن قدرته على الدفاع عن السيادة تتعزّز باستمرار».

وفي اليوم التالي أي يوم 24 من تموز 2017 اتهمت الصين جارتها بـ»انتهاك اتفاقية حدودية أبرمتها بريطانيا مع بكين عام 1890 وتعهدت الحكومات الهندية السابقة باحترامها». وطالبت الحكومة الصينية نظيرتها الهندية بـ»احترام الاتفاق الحدودي لإنهاء توغل خطير للغاية نفذته القوات الهندية».

كما أرسلت الصين منتصف حزيران 2019 جنوداً لحماية أعمال بناء في منطقة دوكلام المتنازع عليها، وذلك لشق طريق حدودي، فردت الهند بنشر قوات عسكرية حالت دون استكمال المشروع، وبررت ذلك بأن السماح ببناء الطريق من شأنه أن يجعل الوصول إلى مناطق حساسة سهلاً للصينيين.

واتهمت بكين القوات الهندية حينها، بأنها اجتازت الحدود الصينية، وطالبت وزارة الدفاع الهند بسحب قواتها وحذرت من الاستهانة بقدرات جيشها، مؤكدة قدرته على الدفاع عن السيادة.

ويتمحور الخلاف الرئيسي بين الصين والهند حول عدم ترسيم حدودهما الممتدة على طول أربعة آلاف كيلومتر، فمن جهة تؤكد الهند أن «الصين تحتل 38 ألف كيلومتر مربع من أراضيها في أكساي تسين وسيكيم». في حين تأمل بكين أن «تتخلى الهند عن مقاطعة أروناشال براديش الواقعة شمال شرقي الهند والتي تبلغ مساحتها نحو90 ألف كيلو متر مربع».

وبالتالي فإن أسباب تصاعد حدة التوترات متعددة، لكن التنافس على تحقيق الأهداف الاستراتيجية هو أصل هذه الأسباب، وكلا الطرفين يُلقي باللوم على الآخر..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى