هل سنكون أمام تقنين الدولار؟
} إيمان شويخ
بعد إضراب دام حوالي الشهر، نفضت محلات الصيرفة الغبار عنها لتطوي صفحة من السوق السوداء التي لوّثت قطاع الصيرفة، وكانت نتيجتها اعتقالات طالت عدداً من الصرافين بحجة التلاعب بسعر الصرف، ولعنة من قبل المواطنين الذين انصبّ جامّ غضبهم على الصرافين باعتبارهم المسبب الأول لارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة التي شهدت انهياراً هائلاً، ولكن الحقيقة هي أنّ من ساهم في ارتفاع سعر الصرف ليس الصرّافين وحدهم ولو أنّ البعض منهم استغلّ وشارك في المضاربة والاحتكار والبعض الآخر تمّ استعماله كأداة لإخفاء فشل المصرف المركزي في الحفاظ على الليرة والموجودات من الدولار على حدّ سواء، أو من قبل المصارف التي أخذت ودائع اللبنانيين وأخفتها أو هرّبتها أو حققت الأرباح منها وتنصّلت من المسؤولية لتصبح ودائع اللبنانيين في خبر كان.
لكن قرار الفتح الذي صدر عن النقابة في اجتماعها مع رئيس الحكومة الأحد الماضي تطرح حوله جملة من علامات الاستفهام يتعلق أولها بقدرة الصرّافين على البدء بالسعر الذي حدّده مصرف لبنان وهو 3200 ليرة وهذا الأمر غير ممكن على ما أعلن النقيب السابق للصرافين محمود حلاوي في الفترة الأولى، وقد يحصل الانخفاض تدريجياً في غضون أسبوعين، لكن مهلة الأسبوعين تبدو غير كافية لتخفيض سعر الصرف في ظلّ الشحّ بالدولار في سوق الصيرفة، وهذا يعتمد على العرض والطلب لكن هل سيكون هذا العرض متاحاً للجميع؟
لا شك أنّ توقعات الجمهور تؤثر بالعرض والطلب، فإذا كان الجمهور متشائماً سيزيد الطلب على الدولار وذلك اعتقاداً منه أنّ عليه الحفاظ على ماله من خلال تحويله إلى الدولار العملة المضمونة، أما إذا كان متفائلاً فإنه سيبيع ما يملك من دولار وبالتالي سيساهم في زيادة العرض وتخفيض سعر الصرف.
فالصرافون لا يمتلكون موجودات أو احتياط لأنّ عمل الصراف يقوم على بيع ما يشتري أيّ أنه يشتري ليبيع وهو لا يقوم بتوفير الاحتياط لذا فإنّ الاتكال عليه منفرداً سوف لن يحقق الانخفاض التدريجي المرجو، لكن هذا لا ينفي أن يقوم بعض الصرافين منفردين بوضع بعض الدولارات جانباً لكنها في مجمل الأحوال لا تؤثر في سوق تتحكم به العوامل النقدية التي يمرّ بها لبنان اليوم.
لذا فإنّ الاتجاه سيكون نحو التقنين للدولار أيّ أنّ الصراف سيبيع من لهم الأولوية في الحصول عليه كالتاجر الذي يستورد من الخارج والذي لا يشمله قرار استيراد السلع المدعومة من قبل المركزي، إضافة للمواطن الذي تستدعي معاملاته دفعها بالدولار كأقساط الطلاب في الخارج أو دفع رواتب العمالة الأجنبية وغيرها.
ولكن قد يعتمد بعض الصرافين على مبدأ الأسبقية أيّ من يصل إلى الصراف قبل يمتلك حظوظاً أكثر في الحصول على الدولار مهما كانت حاجته إليه، إذن وفي ظلّ الكابيتال كونترول وعدم تدخل مصرف لبنان فإنّ السوق ضيّق ولن يفتح البيع والشراء على مصراعيه.
سيناريو آخر قد يكون الحلّ الأمثل إذا ما كان هناك آلية تضمن حصوله وهو إشراك أصحاب الأموال التي سحبت إلى المنازل والذي يقال إنها تبلغ حوالي ثلاثة مليارات دولار في عملية الصيرفة، فإذا نجحت العملية سوف ينخفض سعر الدولار بشكل ملحوظ إذا زاد العرض دون الحاجة إلى تدخل رسمي، لكن ذلك يحتاج إلى إزالة عامل الخوف واستــعادة الثــقة لدمج هذه الفئات في سوق الصيرفة بطريقــة غير مباشرة.
والسؤال المطروح، هل سيقتصر تدخل مصرف لبنان على الإشراف فقط؟ من المفترض أن يتدخل المصرف بائعاً في حال كان هناك طلب عال أو شارياً إذا كان هناك عرض مرتفع لضمان عدم وجود تذبذب كبير في سوق القطع بين البيع والشراء، ولكن قدرته على التأثير مرهونة بما يملك من دولارات، لذلك فهو سيكون عاجزاً عن التدخل حالياً لأنّ قدرته محدودة جداً وموجوداته لا تتخطى الملياري دولار وهو المبلغ القادر على التصرف به ومخصص لاستيراد المحروقات والسلع الأساسية والأدوية… أما الاحتياطي الإلزامي فيبلغ حوالي 19 مليار دولار، ولكن الحقيقة المرة تقول إنّ كلّ ما يملكه المصرف المركزي هو دين من المصارف وهذا ما يخلق فجوة مالية كبيرة لا يمكن سدّها.
أما المصارف فليس لديها أيّ دور في العرض والطلب وهي تقوم بعمليات الشراء والبيع للزبون بناء لطلبه عن طريق المركزي، وبالتالي لا يمكنها انتهاج سياسة خاصة لأنّ قانون النقد والتسليف لا يعطيها هذه الصلاحية، وهي تنفذ تعليمات الزبائن فقط.
وعليه فإنّ الصرافين غداً أمام امتحان صعب والرسوب فيه لن يكون من مصلحتهم ولا من مصلحة المواطن، أما صاحب المصلحة الأساس فهو غائب إلى أجل لا يعلمه سوى من يتحكم بالسياسات النقدية في البلاد.