حتمية المشروع العربيّ في زمن كورونا!
د. محمد سيد أحمد
أكدت أزمة كورونا أنّ المشاريع المختلفة داخل منطقتنا لا تزال مستمرة في ظلّ غياب المشروع العربي، فقبل كورونا كانت هناك ثلاثة مشاريع رئيسية، يتمثل الأول في المشروع التركي الذي يطمح في عودة دولة الخلافة العثمانية حين احتلت عام 1517 مساحات واسعة من مجتمعاتنا العربية (الشام ومصر والحجاز) لمدة تزيد عن أربعة قرون انتهت في 1923 ولا زال حلم عودة دولة الخلافة يراود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتشجيع من العدو الأميركي، وهو ما جعله يتلاعب بالأمن القومي العربي ويهدّد مصالح العديد من دول المنطقة ويمارس عدواناً مباشراً على سورية وليبيا في اللحظة الراهنة، من دون أن يتحرك ساكن للحكام العرب والمنظمة التي يطلقون عليها زوراً وبهتاناً اسم الجامعة العربية.
أما المشروع الثاني فهو المشروع الإيراني والذي برز للوجود بعد الثورة الإسلامية في عام 1979 حيث أوهم العدو الأميركي صدام حسين وحكام الخليج بأنّ الثورة الإيرانية سوف تتمدّد وتنتقل إليهم، وبالفعل تورّط العراق في حرب الخليج الأولى (1980 – 1988) مع إيران وبدون مبرّرات مقنعة، حيث ظهر ولأول مرة الخوف من تمدّد الثورة الإيرانية الى المناطق العراقية التي يسكنها أبناء المذهب الشيعي. ومن هنا ظهرت الورقة الطائفية البغيضة لتصبح الورقة التي يستخدمها العدو الأميركي لاستبدال العداء العربي الصهيوني بالعداء العربي الإيراني.
وخلال الحرب العراقية الإيرانية قامت دول الخليج بالوقوع في فخ العداء مع إيران عن طريق دعمها لصدام حسين، إلا أنّ العلاقات تحسّنت نسبياً بعد حرب الخليج الثانية (الغزو العراقي للكويت 1990 – 1991)، وفي الفترة الأخيرة ازداد التوتر بعد أن بدأت إيران في تطوير قدراتها النووية، حيث لعب العدو الأميركي كعادته دوراً في تزكية الفتنة، حيث أقنع حكام تلك الدول أنّ امتلاك إيران للسلاح النووي يشكل تهديداً لأمن الخليج، والغريب في الأمر أنّ هؤلاء الحكام يتعامون عن 200 قنبلة نووية يمتلكها العدو الإسرائيلي ولا يجدون فيها أيّ تهديد لأمن بلادهم والمنطقة، في حين أنّ محاولة إيران امتلاك هذا السلاح النووي هو ما يهدّد الأمن والاستقرار في المنطقة، وهناك من يعتبر دعم إيران لسورية والمقاومة في لبنان والعراق واليمن جزءاً من مشروعها التوسّعي في المنطقة.
أما المشروع الثالث فهو المشروع الصهيوني والذي تمتدّ جذوره منذ نهاية القرن التاسع عشر عندما ازدادت هجرة اليهود الأوروبيين إلى فلسطين التي كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانيّة حيث قاموا بالاستحواذ على الأراضي العربية من العرب والعثمانيين المعروفين حينها باسم الأفنديين، وقاموا بإنشاء مستوطنات زراعية يهودية في محاولة لتغيير التركيبة الديموغرافية التي يغلب عليها السكان العرب، وخلال مرحلة الانتداب البريطاني في مطلع القرن العشرين قامت حكومة بريطانيا العظمى في عام 1917 بالإعلان عن «وعد بلفور» الذي يؤيد إقامة «وطن قومي لليهود» في فلسطين، وهو ما أدى إلى تفاقم الصراع بين أصحاب الأرض الفلسطينيين وبين اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين خلال الفترة العثمانيّة.
واستمرّ العداء والصراع لمدة ثلاثة عقود كاملة تمكّن العدو الصهيوني من فرض نفوذه على الأرض الفلسطينية بمساعدة السلطات الانتدابية البريطانية التي انسحبت بعد إعلان العدو الصهيوني قيام دولته المزعومة في 15 أيار مايو 1948 ودخلت ستة جيوش عربية في حرب فلسطين (مصر – سورية – العراق – الأردن – لبنان – السعودية) ونالت أول هزيمة أمام العدو الصهيوني وكانت نكبة حقيقية حيث انتهى القتال بتوقيع اتفاقية هدنة عام 1949 بين العدو الصهيوني ودول الطوق (مصر – سورية – لبنان – الأردن)، وسيطر العدو الصهيوني على المنطقة التي كان مفترضاً أن تخصص للدولة اليهودية وفقاً لقرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة في عام 1947 تحت رقم 181، بالإضافة إلى أكثر من نصف المساحة المخصصة للدولة العربية الفلسطينية، كما تمّ الاتفاق على إدارة مصرية لقطاع غزة وأردنية للضفة الغربية، وظلّ الوضع كذلك حتى قام العدو الصهيوني باحتلال معظم الأراضي المتبقية خلال نكسة حزيران/ يونيو 1967.
وبعد الانتصار العسكري في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 دخل العداء والصراع العربي ـ «الإسرائيلي» مرحلة جديدة تماماً، حيث قرّر العدو الصهيوني عدم الدخول في مواجهات وحروب كبرى مباشرة على غرار حرب أكتوبر، لكنه سيقوم بعملية جهنمية لإنهاء العداء والصراع عبر عمليات سلام مزعومة مع الدول العربية، فكانت كامب ديفيد 1978، ثم أوسلو 1993، وأخيراً وادي عربة 1994، وبالطبع لم تنهِ هذه الاتفاقيات عملية الصراع، خاصة أنّ المشروع الصهيوني لا يزال مستمراً ويحاول أن يتمدّد.
وإذا كانت هذه المشروعات الثلاثة بالفعل موجودة داخل منطقتنا قبل كورونا فيجب التسليم بأنها ستظلّ موجودة في زمن كورونا، وما بعد كورونا، ويجب علينا تحديد موقفنا منها. وهنا يجب التأكيد على أنّ المشروعين التركي والإيراني هما مشروعان منافسان لنا يحاولان فرض نفوذهما داخل منطقتنا، لكنهما جيران لهما حق تاريخي في جغرافية المنطقة، ومشكلتنا معهما أننا لم نتمكّن من تكوين مشروع قومي عربي حقيقي يستطيع أن يفرمل ويحجّم طموحهما إذا كانت بالفعل لهما أطماع في مجتمعاتنا العربية. أما المشروع الصهيوني فهو مشروع معاد بالدرجة الأولى ومغتصب لأرضنا العربية وليس له أيّ حق تاريخي في جغرافية المنطقة.
انّ المشروع القومي معنيّ بالتمييز بين المشاريع الثلاثة، وقد رأينا كيف تلاقى الأميركي و»الإسرائيلي» والتركي على مشروع إسقاط سورية كقلب نابض للقومية العربية، كما وصفها الرئيس جمال عبد الناصر، وللأسف لاقت حربهم تشجيع العديد من الدول العربية بينما رأينا إيران تقف مع سورية وإلى جانبها.
المشروعان الصهيوني والتركي يستهدفان أمننا القومي بينما التلاقي مع المشروع الإيراني في مواجهة المشروع الصهيوني لا يعني التطابق معه، بل يعني الحاجة لإدارة حوار عربي إيراني هادف لتشكيل جبهة مواجهة المشروع الصهيوني، وتحديد نقاط القلق العربي تجاه دور إيران، ومناقشتها بصراحة، علماً انّ أغلب الفراغات التي تملأها إيران في فضاء المنطقة هي ثمرة لغياب المشروع القومي، او لانضمام نقاط ثقل عربية لتغطية استهدافات صهيونية لا يجد من يريد مواجهتها من العرب سنداً، بينما يجد المساندة من إيران كحالتي سورية وحزب الله.
من المهمّ في السياسة إدراك انّ الوضع العربي لا يحتمل قتال ثلاثة أعداء معاً، ومن الواضح أنّ من يتخذون إيران عدواً لا يُخجلهم اتخاذ «إسرائيل» حليفاً، فلماذا يجب أن يشعر بالحرج من يؤمنون بعمق العداء للمشروع الصهيوني ويرون حجم أطماع المشروع التركي وتغوّله وعدوانيته؟ من الطبيعي انّ موقفهم لا يجب أن يشعرهم بالحرج، عند الحديث عن الحاجة لحوار عربي إيراني قائم على الاحترام المتبادل والصراحة.
اللهم بلغت اللهم فاشهد.