الصهيونيّة والإرهاب والاغتيالات
القنصل خالد الداعوق*
ردّاً على سؤال وُجِّه إليه عمّا إذا كانت بريطانيا رفضت تسليم فلسطين إلى اليهود الصهاينة، أجاب وايزمان وليم يال، وهو عميل خاص لوزارة الخارجية الأميركية عام 1918: كنّا سندمّر الإمبراطورية البريطانية كما دمّرنا الإمبراطورية القيصريّة الروسية التي رفضت إعطاء وعد لليهود بأنّ تكون فلسطين وطناً لهم.
الجواب على هذا السؤال يجسّد هدف الصهيونية.
وإذا رجعنا قليلاً بالتاريخ حين اجتمع مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل مع وزير الداخلية ورئيس البوليس القيصري الروسي فيتش سلاف فون بليهفة في سان بيترسبورغ في شهر آب عام 1903 وطلب هرتزل من الوزير الروسي أن يطلب من السلطان العثماني عبد الحميد أن يسمح لليهود بإنشاء مستعمرات في فلسطين، رفض بليهفة ذلك لأنّه وفق السياسة القيصرية الروسية فإنّ فلسطين يجب أن تكون للمسيحيين الأرثوذكس. حيث كانت روسيا القيصرية تعتبر أنها الوريث الشرعي للإمبراطورية البيزنطيّة التي كانت فلسطين خاضعة لها.
وعلى هذا الأساس، سبق أن اشترت روسيا القيصريّة أرضاً في القدس من الكنيسة القبطية وبنت عليها كنيسة كبرى على الطراز الروسي، وخلال أعمال الحفريات في هذه الأرض تمّ العثور على بقايا جدار الهيكل القديم. ومن أجل انتصار الأرثوذكسية أنشأت روسيا القيصرية الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية في الأرض المقدّسة. هذه السياسة الروسية أدّت إلى اصطدام مع القوى الأوروبية ومع الحركة الصهيونية التي كانت تسعى جاهدة إلى إنشاء «وطن قومي لليهود» على أرض فلسطين.
بعد اجتماع هرتزل ـ بليهفة، وفشل هرتزل في إقناع وزير الداخلية القيصري بالسعي لدى السلطات العثمانية للسماح بإنشاء مستعمرات لليهود في فلسطين، اتخذ الصهاينة القرار باغتيال الوزير الروسي وقد تمّ تكليف العميل الروسي اليهودي المتخفّي يفنو آزيف، والذي كان يعمل مع المخابرات الروسية، بتنفيذ عملية الاغتيال. وبعد فشل ثلاث محاولات لاغتيال الوزير الروسي عامي 1903 و1904، استطاع أحد العملاء اليهود ويُدعى ييغور سترونوف، بتجنيده عناصر من الحزب الاشتراكي الثوري اغتيال الوزير الروسي في أحد شوارع سان بيترسبورغ في 28 تموز بإلقاء قنبلة على عربة الوزير فأرداه. كلّ ذلك كان بتدبير من يفنو آزيف الذي كان يعمل في البوليس السري الروسي، ويُعتبر هذا الصهيوني مثالاً للخيانة في روسيا القيصرية.
ومن الاغتيالات الكبيرة التي قام بها الصهاينة، اغتيال المندوب السامي البريطاني في القاهرة السير والتر إدوارد غينس، البارون مويين، وأسباب ذلك الاغتيال من وجهة نظر المنظمات الإرهابية الصهيونية، خاصة منظمة «لهي» هي أنّ بريطانيا ومنذ عام 1939 بإصدارها الورقة البيضاء، كانت تحدّ من قدوم اليهود إلى فلسطين، وأيضاً لأنّ مويين كان ضدّ الاستيطان اليهودي، وكان يُحبِّذ فكرة إنشاء فيدرالية في فلسطين يحكمها العرب وكانت بريطانيا، في حينه، تتردّد في السماح لليهود بالقدوم إلى فلسطين والاستيطان فيها، لذلك اعتبرت منظمة «لهي» الصهيونية أنّ بريطانيا دولة استعمارية وتجب محاربتها، كما عُلِم أنّ «لهي» اتصلت بألمانيا الهتلرية من أجل الإفراج عن مليون يهودي ثم يأتون بهم إلى فلسطين من أجل محاربة البريطانيين هناك. وقد اجتمع بعض مندوبي منظمة «لهي» مع سفير ألمانيا في إسطنبول أثناء الحرب العالمية الثانية سنة 1940 وبحثوا هذا الموضوع لكنّ الألمان لم يقبلوا بهذا الاقتراح.
كانت منظمة «لهي» تعتبر أنّ اللورد مويين مناصرٌ للعرب وقد تمّت صفيته في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1944 في القاهرة على يد إرهابييْن اثنين هما بن زيفي وإلياهو حكيم اللذين اعتُقلا وأُعدِما في القاهرة. ويعتبر هذان الرجلان من أكثر الصهاينة الذين خدموا الحركة الصهيونية وهناك نُصُب لهما وشوارع باسميهما في الكيان «الإسرائيلي».
أما الاغتيال الكبير الذي نفّذه الصهاينة فهو اغتيال الكونت فولك برنادوت الذي كان ممثل الأمم المتحدة في فلسطين، والذين كان قد خلَّص العديد من اليهود في ألمانيا النازية أثناء الحرب العالمية الثانية. وكان الكونت برنادوت من الأسرة السويدية المالكة وقد اغتيل في 17 أيلول/ سبتمبر 1948، وذلك على أثر اقتراحاته من أجل تسوية بين الدول العربية والدولة اليهودية، إلا أنّ الأخيرة لم تؤيِّد اقتراحه واغتيل المندوب الأممي في فلسطين على يد منظمة «لهي» الإرهابية الصهيونية. وقد أدانت «إسرائيل» هذا الاغتيال، إلا أنها أفرجت بعد ذلك عن مرتكبي تلك الجريمة ليصبحوا في ما بعد من كبار السياسيين ومن بينهم إسحاق شامير الذي أصبح رئيساً للوزراء.
*أمين عام منبر الوحدة الوطنيّة.