أعادوني إلى بلدي
} محمود هزيمة
مفرحٌ ذاك الاتصال من مكتب شركة طيران الشرق الأوسط في كندا.
وصل اسمك في لوائح الراغبين بالعودة إلى لبنان ونريد رقم البطاقة المصرفيّة لتسديد ثمن تذكرة السفر ذهاباً فقط…
فعلتُ ما فُرض عليَّ مجبراً، لا خيارات عندي كمن تقطعت به سبل الرغبة بالعودة إلى وطني بعد أن طرقتُ أبواباً كثيرةً بعضها وعد خيراً وآخرون أغلقوا هواتفهم بذريعة أن زمن الوساطات ولّى إلى غير رجعة.
كانت المخاطرة أكبر من مجرد رحلةٍ عاديةٍ معقدةٍ لا تشبه رحلاتٍ طويلةً أخذتني إلى مطارات العالم شاهدت فيها كلّ ديانات الأرض وألوان وجوه معتنقيها.
في رحلتي البتراء تلك لم أرَ غير الشحوب على البشر فلا وجوهاً تُصبغُ بكمياتٍ من (الطلاء الفاقع) ولا أكوام الحمرة ترسم شفاه النساء. فصارت اللعنة على كمامة الوقاية من الكورونا والإغلاق والتباعد القسري ومتاجر مطاراتٍ كانت أسعارها تلدغ أمثالنا نحن أبناء الطبقة العادية.
المحطة الأولى كانت في مطار هيثرو اللندنيّ لا شيء يشير إلى وجود وباء خطير إلا بعض شعارات التباعد مع غيابٍ تامٍ للعنصر البشري في توعية رواد تلك البقعة من الأرض.
الغياب التام لوسائل التعقيم داخل أروقة الانتظار وتداخل الوافدين من دولٍ تعتبر موبوءة إضافة إلى غرفة التدخين التي تعج «بالنافثين» دخان انتظار الرحلات على قلتها وطول الانتظار.
تسع ساعاتٍ انتظرتها داخل مطار هيثرو متنقلاً بين المقاعد الفارغة والبحث عن طعامٍ أو مقهى يساعدني على قتل الوقت الثقيل، لكن الإغلاق سيّد الموقف.
مرّ الوقت كأنه زمن بحاله حتى حان وقت الرحلة إلى بيروت.
في البداية عنصر من الأمن العام اللبناني يدقق في هوياتنا يليه طبيب يفحص درجة حرارة الجسم بعده موظفة تطلب منا نزع الكمامة ورميها مع القفازات في مكان مخصّص لها ثم موظفة أخرى تحمل مواد تعقيم بعدها موظفة تسلّمنا كمامات وقفازات جديدة لندخل إلى الطائرة.
المضيفات جميعهن بلباس أبيض موحّد وكماماتٍ تغطي الأنف والفم وفوقها غطاء بلاستيكي شفاف كأننا ندخل إلى معمل نووي.
طوال الرحلة من لندن إلى بيروت كانت الكمامة إلزاميّة مع فحص درجة حرارة الجسم لكل الركاب ثلاث مراتٍ في خمس ساعات.
حطت الطائرة في مطار رفيق الحريري حوالي الساعة الواحدة ليلاً وما أن وطأت أقدامنا مدخل الردهة الطويلة حتى استقبلنا جيش من وزارة الصحة العامة وجهاز أمن المطار وموظفين لم نرَ وجوههم، التصريح عن الاسم ورقم الهاتف ومكان الحجر الإلزامي مع إمكانية وجود مكانٍ لمن لا يمتلك، وموظفين يختصون بفحص pcr بعدها يقف اثنان لتعقيم الوافدين وحقائب اليد. بعدها وصلنا إلى نقطة الجوازات يليها انتظار الحقائب التي تأخرت لتعقيمها على باب الطائرة، ثم ينتظرنا فريقٌ آخر على باب المطار ترافقه القوى الأمنية لمواكبتنا إلى الحجر المؤقت والمعدّ سلفاً لاستقبال الوافدين.
وصلنا إلى الفندق ذي النجوم الخمس حيث خلية نحلٍ أخرى تنقل حقائبنا وموظف الاستقبال يعطي كل واحدٍ منا مفتاح غرفته مع إرشادات التحرك السليم والتنبيه إلى وجوب استعمال الكمامات والقفازات في كل وقت.
كان الاهتمام فوق الوصف ولم أره في أميركا وكندا وبريطانيا ورغم كل ما يعانيه لبنان من أزماتٍ ومماحكاتٍ ومناكفاتٍ وغلاء فاحش إلا أن اهتمام وعمل وزارة الصحة والقوى الأمنية بهذه الحرفية يجعلني فخوراً بلبنانيّتي ويستحق الثناء والتقدير والقول من القلب: شكراً لكم أعدتموني إلى بلدي.