قانون «قيصر» والغاية منه… وعوامل فشله
} حسن حردان
لوحظ أنّ التحضير للإعلان عن ما يسمّى قانون «قيصر»، الذي أقرّه الكونغرس الأميركي، لتشديد الحصار المفروض على سورية، بذريعة حماية المدنيين، قد سبقته وصاحبته حملة إعلامية وسياسية ممنّهجة ومكثّفة تولى القيام بها المسؤولون الأميركيون ووسائل الإعلام المرتبطة بالأجندة الأميركية، وهدفت إلى التهويل على سورية، حكومة وشعباً، ومحاولة التأثير على معنويات شعبنا في سورية والنيل من صموده والتفافه حول قيادته، عبر العمل على مفاقمة معاناته الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، والقول له، إنَّ السبيل لوضع حدّ لهذه المعاناة إنَّما يكون بالضغط على قيادة بلاده ودفعها لتقديم التنازلات التي تحقق لواشنطن مكاسب سياسيّة واقتصاديّة لقاء موافقة الإدارة الأميركيّة على تسهيل الحل السياسي ووضع نهاية للحرب الإرهابيّة.. أيّ أنّ واشنطن تُحاول من خلال قانون «قيصر» أن تحقق ما عجزت عن تحقيقه بوساطة الحرب الإرهابيّة التي فشلت في إسقاط الدولة الوطنية السورية المستقلة وتحويل سورية إلى بلد تابع للولايات المتحدة، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً…
هذه الخلاصة تَظهر بوضوح من خلال قراءة ما تضمنهُ «قانون قيصر» من استهدافات اقتصاديّة وسياسيّة:
أولاً، اقتصادياً.. يستهدف القانون الدول، لا سيما روسيا والصين وإيران، والشركات والأفراد، الذين يتعاملون اقتصادياً وتجارياً مع سورية، وتهديدهم بعقوبات وتجميد أصولهم المالية إذا لم يوقفوا علاقاتهم الاقتصادية مع سورية.. ويستهدف القانون من خلال ذلك منع سورية من الحصول على قطع الغيار والمعدات والتّجهيزات اللاّزمة لصيانة معاملها ومنشآتها العسكريّة والمدنيّة، والضغط على الشّركات الروسيّة المتخصّصة في مجال الطاقة لوقف وارداتها من الغاز إلى سورية، التي تستورد نحو ٦٠ بالمائة من احتياجاتها المحليّة منه..
ثانياً، سياسياً.. يستهدف القانون دفع الحكومة السوريّة إلى التفاوض مع واشنطن تحت الضغط لانتزاع تنازلات سياسيّة منها، وهذا الهدف تحدث عنه القانون صراحة عندما ترك الباب مفتوحاً للحلّ الدبلوماسي.. حيث سمح للرئيس الأميركي برفع إجراءات الحصار في حال «لمس جدية» في التفاوض من قبل الحكومة السوريّة بشرط، وقف الدعم العسكري الروسي والإيراني للرئيس الأسد، كما يمكن للرئيس الأميركي رفع الإجراءات لأسباب تتعلق بالأمن القومي الأميركي»..
لكن هل أنّ هذه الأهداف الاقتصاديّة والسياسيّة ممكنة التحقق؟ أم أنها ستلاقي الفشل كما فشلت سابقاتها على مدى سنوات الحرب الإرهابيّة التي دخلت عامها العاشر؟
المُدقّق في المعطيات والوقائع الرّاهنة على صعيد سوريّة وحلفائها، وعلى صعيد موازين القوى الإقليميّة والدوليّة يتضحُ له أنّ الفشل هو ما ستحصدهُ الإدارة الأميركية، وأن قانون «قيصر» لن يحقق أهدافه، وذلك للعوامل التالية:
العامل الأول، إنَّ سوريّة اعتادت أصلاً على الحصار الأميركي المفروض عليها منذ بدء الحرب الاستعماريّة بالوكالة، وقد اشتدّ الحصار في السنوات الأخيرة،، وأن سوريّة صمدت في مواجهة هذا الحصار لكونها ترتكز إلى اقتصاد إنتاجي غير ريعي، يوفر نسبة كبيرة من الاحتياجات الغذائية والصحيّة للشعب السوري، على الرغم مما أصاب البنية الإنتاجيّة من تدمير وأضرار فادحة بفعل استهدفها من قبل الإرهابيّين.. ويعود الفضل في بناء هذه البنية الاقتصاديّة الإنتاجيّة إلى السياسات التنّموية التي انتهجها الرئيس الراحل حافظ الأسد في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي والتي أدت إلى تمكين سورية من تحقيق الاكتفاء الذّاتي في احتياجاتها من الغذاء والدواء، الأمر الذي شكّل رصيداً هاماً مكّن سوريّة من الصمود رغم شراسة الحرب عليها…
العامل الثاني، انّ سوريّة استندت في صمودها ومقاومتها الأسطورّية، ولا تزال إلى دعم كبير وهام من الحلفاء، لا سيما إيران وروسيا والصين، ممّا أسهم في كسر الحصار الأميركي وإحباط أهدافه السياسيّة.. ومن المستبعد أن تتخلى هذه الدول الحليفة لسورية عن مواصلة دعمها وتعاونها الاقتصادي والعسكري والسياسي معها لاعتبارات عديدة أهمّها:
الاعتبار الأول، إنَّ هذه الدّول تواجهُ، كما سوريّة، عقوبات اقتصاديّة أميركيّة، بسبب مواقفها المعارضة بشدة لسياسات الهيمنة الاستعماريّة، وسعي هذه الدّول لإقامة نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب.. ولهذا فإنّ مصلحة هذه الدول الحليفة لسورية إنما تكّمنُ في مواصلة دعمها لها وكسر الحصار المفروض عليها، وإحباط خطط واشنطن لتعويم مشروع الهيمنة الأميركية المتراجعة على الصعيد الدّولي..
الاعتبار الثَّاني، إن الدّول الحليفة لسوريّة تُدرك جيداً أن إحباط أهداف الحصار الأميركي على سورية، وتمكّينها من استكمال انتصاراتها على قوى الإرهاب سوف يُسهم في إسقاط أهداف الولايات المتحدة الساعية إلى تطويق روسيا والصين وإيران وإضعاف قدراتهم على مقاومة الهيمنة الأميركيّة في المنطقة والعالم..
الاعتبار الثَّالث، إنَّ هذه الدّول الحليفة تربطها بسوريّة علاقات استراتيجيّة تتجسّد باتفاقيات ثنائية للتعاون في المجالات كافة، الاقتصاديّة والعسكريّة، إلى جانب محاربة الإرهاب ومواجهة الهيمنة الأميركيّة.. كما تساهم هذه الدول وشركاتها الخاصّة في مشروع إعادة إعمار سوريّة وهي بدأت فعلاً في ذلك، وبالتالي لها مصلحة اقتصاديّة، إلى جانب المصلحة السياسيّة، في مساعدة سوريّة على النّهوض من آثار الحرب، لا سيما أنّ سوريّة تحوزُ على ثرواتٍ هامة وخصوصاً بعد اكتشاف وجود كميّات كبيرة من النفط والغاز في برّها وبحرّها..
العامل الثَّالث، إنَّ الولايات المتحدة الأميركيّة باتت تعاني من تآكل دورها القيّادي العالمي، كما قالت مجلة فورين بوليسي، وذلك بالتّزامن مع تراجع هيمنتها وسطوتها وهيبتها في المنطقة والعالم نتيجة الضعف الذي أصاب عناصر قوّتها الاقتصاديّة والعسكريّة والسياسيّة على خلفية موازين القوى النّاشئة إقليمياً ودولياً من رحم انتصارات سوريّة.. وتنامي قوة الصين الاقتصاديّة وعودة روسيا إلى الحلبة الدّولية كلاعب أساسي، وتنامي قوَّة إيران وفرضها معادلات الردع في مواجهة القوَّة الأميركيّة جواً وبراً وبحراً..
العامل الرابع، إنَّ الولايات المتحدة تعصفُ بها أعنف أزمة اقتصاديّة وماليّة واجتماعيّة عرفتها في تاريخها تزامنت مع تفجر انتفاضة شعبية عارمة اجتاحت أكثر من ٢٢ ولاية أميركيّة ضدّ استفحال سياسة التمييز العنصري في النظام الأميركي على اثر إقدام رجال شرطة على قتل مواطن أميركي من ذوي البشرة السمراء.. هذه التّطورات التي أدخلت أميركا في مرحلة من عدم الإستقرار والاضطراب أضعفت من سلطة وشعبية الرئيس الأميركي ترامب وأغرقتهُ في أزمة كبيرة عشية الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، التي يطمع فيها للفوز بولاية ثانية.. والحال هذه من الطبيعي أن تُسهم هذه الأزمة في جعل أولويات إدارة ترامب تتركز على الداخل على حساب أولويات الخارج..
العامل الخامس، إنَّ سوريّة، في سياق نهجها الاقتصادي المستقلّ، اتجهت، منذ زمن، في علاقاتها الاقتصاديّة نحو الشرق، لا سيما مع إيران وروسيا والصين، وهي دول تقاوم الحرب الاقتصاديّة الأميركيّة وتعمل على إسقاط أهدافها وبناء منظومة جديدة من العلاقات الاقتصاديّة والتجاريّة الدّولية تقوم على التحرّر من هيمنة الدّولار والنظام المالي الذي تهيمن عليه أميركا منذ انتهاء الحرب.. العالميّة الثَّانية..
لكلّ هذه العوامل فإنّ قانون «قيصر» لن يؤثر كثيراً على الوضع الاقتصادي في سوريّة طالما أنّ حلفاء سوريّة مستمرونُ في التّعاون معها وقادرون على كسر الحصار الأميركي، كما فعلوا طوال سنوات الحرب.. ولهذا ما هو مطلوب عدم الوقوع في فخ الحرب الإعلامية والنفسية التي تستهدف النيل من صمود سورية ومحاولة التأثير على علاقاتها وتحالفاتها الاستراتيجيّة المتينة التي تعمدّت في ميادين القتال ضد قوى الإرهاب المدعوُمة أميركيّاً…