ورد وشوك
بصدق ومكاشفة مع الذات أجزم أن الغيرة ما انتابتني في يوم من الأيام…
وأقصد الغيرة المرضية التي غالباً ما تكون أسبابها نفسيّة مردها خبرات وتجارب فاشلة مر بها أحدنا في الحياة…
أو بسبب تنشئة خاطئة من قبل الأم والأب زعزعا فيها ثقة الأبناء في أنفسهم، والطب النفسي معني في معالجة مثل هذه الحالات…
ما أكثرهم المحيطين بنا تحركهم أحاسيس الغيرة المرضية والحسد والحقد…
لكن ما أذكره أنني في طفولتي كنت أغار من جمال الطيور أرقبها من نافذتي في الصباحات الباكرة تعلو في الهواء تسبح في الفضاء بحرية لا يحدها التزام ولا يحكمها قرار…
تشدو ألحانها لا تنتظر تصفيقاً ولا حتى امتناناً…
وفي المساء كنت أغار من النجوم المضيئة تفترش السماء تبهر الأنظار بأناقتها وجمالها وهي تملؤها فتنير للمتسامرين جلساتهم رغم إحساسي أنها تتلصص على كل ما يُقال، لكن بحب تنشر الهدوء والطمأنينة في نفوس السُّمَّار….
ويوماً بعد يوم وجدت نفسي أكبر في وسط تتسابق فيه القدرات والمهارات.. هنا لازمتني غيرة إيجابية أبقتني كما في الطفولة أنظر دائماً لما هو في العالي يبهر الأنظار. وهذا حال معظم أقراني يأخذهم طموحهم لخوض بحر المعرفة والعلم المتطور في كل المجالات…
لكن فجأة ومن دون سابق إنذار تغير بنا الحال على كل المستويات…
صرت بدلاً من أن أغار من أغار على…
على وطني من غدر الغزاة كل يوم يتلقى الضربات…
ضربات تقصم الظهر وتمحو معالم التقدم والازدهار وتعود بنا إلى الوراء بملايين ملايين الخطوات…
صرت أغار على أحبتي فرقهم الشتات في أصقاع المعمورة في دول لا تعرف أننا نقدس العائلة ونحترم ترابطنا الاجتماعي….
نحتفي بضيوفنا نستقبلهم في صدر الدار….
أحبة تفرّقوا وصاروا كالأيتام على موائد اللئام… لا أدري كم سيطول بنا الحال على هذا المنوال.
أغار على طيور تختبئ في أعشاشها تخاف الظلم وقسوة الصياد…
أغار على نجوم غابت عن سمائنا بعد أن زاحمتها أمهات الأقمار الصناعية وأثرت عليها بزبزبات الحضارة ما يعني أن السماء أيضاً أصابها اجتياح الغرباء فقلَّ تواجد النجوم في المساءات وسادت الوحشة والظلام.
أغار على جيلي أضاعت الحرب من عمره أجمل السنوات وابتلعت دون رحمة أناساً كانوا يسعون وراء أحلامهم باجتهاد…
إحساس مقلق بأن العمر ما عاد فيه متّسع لتحقيق الأماني والأحلام…
صحيح أن الحياة تستمرّ ولا تقف عند أشخاص إلا أن الزمن نسابقه فيسبقنا بأشواط…
تراها نظرة سوداوية لما كان وسيكون عليه الحال أم أننا جيل يسعى لهدم هوة سحيقة بين ماض قريب عاشه وحاضر كل يوم تزداد فيه الصعوبات باقتناص فرص على قلتها يمشي إليها بإصرار…
قد تكون أحلامنا سقطت كما يُقال في بحر يوسف، لكن نحن على ثقة بأن قافلة العزيز ستأتي بإذن الله….
متفائلون بالخير لنجده رغم شذاذ الآفاق. تجار الحروب من باعوا أنفسهم للشيطان بارتباطهم بأعداء الأمن والسلام في الأوطان…
نحن في حرب ضروس معهم تفوق في بأسها حربنا مع جيوش مدججة بأحدث وأعتى أنواع السلاح…
والباب ما زال مفتوحاً أمام كل التوقعات..
رشا المارديني