نجم الدور الثاني والسنيد المتميّز للبطل القشاش حسن حسني رحل نجماً كبيراً
جهاد أيوب
كل الاعتذار مع باقات ورد نقدمها إلى روح خفيف الحضور، ورشيق التواصل، والمميز القدير حسن حسني، لأننا تأخرنا على كتابة ما تستحقه في رحيلك، ونحن كتبنا عشرات المقالات في حياتك… وأنت تعلم محبتنا، وإعجابنا، وخجلنا من تواضع تواصلك معنا ومع غيرنا!
نعتذر على التأخير فالحياة في بلادنا لم تعد كغيرها في هذه الدنيا، تكالبت علينا كالبرق، وألهتنا بصد سكاكينها اليومية بحثاً عن حياة هنية… صعبة!
حسن حسني صاحب الـ 500 تجربة فنية توزّعت بين 162 فيلماً، والباقي بين المسارح والمسلسلات التلفزيونية والأعمال الإذاعية!
ما هذا الرقم المذهل؟
سؤال يطرح بثقة السائل خاصة أن نجومية هذا القدير جاءت على كبر رغم دخوله معترك الفن منذ الصغر، ومارسه على المسرح العسكري، وعانقه بهدوء من دون عقدة النجومية رغم رفاق درب وصلوا وحققوا شهرة أوسع ولم يستمروا، بينما هو قطف في خريف العمر وبعد سن الـ 50 نجومية نافست الكبار، وجعلته ملح غالبية الأعمال، ومع كل الأجيال، ويكاد يكون شارك في أفلام جميع شباب السينما المصرية اليوم، وجوكر المسلسلات في السنوات الأخيرة مع تنوع في تأدية الشخصيات!
قليلة هي النجومية على كبر خاصة في العالم العربي، ومن الصعب أن تصنع نجومية مشرقة وأنت بطل الدور الثاني، وسنيد البطل الرئيسي، ولكن حسن حسني صنع نجومية كهذه على كبر قيمة وعمراً!
50 سنة فن جمعها في حقيبة الذاكرة وختمها عن عمر 89 عاماً قضاها بالتعب والبحث عن موهبة قطف عرقها كما ذكرنا على كبر، ولم يخجل أو يتأفف من ذلك، أو يثرثر. كان همه نشاط العمل، وحب المشاركة حتى غدا «بابا» الأجيال، ينادونه بهذا اللقب، يسمعه خلف الكواليس بشكل لا يمل، وأجمل لقب هو «بركة العمل»، حمله ببساطة، وفاخر به دون أن ينزعج!
كواليس حسن حسني ضاحكة، خفيفة الظل، ومبتسمة في كل الظروف، لم يعرف الشح في تعامله، ولم يبخل بكلمة طيبة يوزعها على الجميع، أقصد كان لسان الورد يسرحه في فلك يتأجج محبة مهضومة لا تزعج من يتجانس معهم رغم تفاوت الأجيال والأعمار !
ظل حسن حسني أميناً لمهنته وللموهبة في داخله، ولمنحه زرع الإيجابية لكل من حوله، وأجمل ما في حسن حسني عدم غيرته من الزملاء، ولم يشهد له تآمره وفبركاته وشكوكه في مهنة كل ما فيها كذبة إضاءة لن تطول!
سيارة حسن حسني مليئة بالشخصيات التي سيلعبها، ولا مساحة كي تجلس فيها، مقاعدها متخمة ومزدحمة، كانت الاستديو النقال، فيها هذا وذاك، ترحل معه أينما قرر وذهب، وحينما يمازحه زملاء العمل يضحك، ويبرر أن هذه السيارة الاستديو تحمل شخصيات حاضرة كي لا تؤخر التصوير، ويغرق بالضحك.
كان يأمل أن يكرّم وهو في وعيه، وتحقق ذلك عام 2018 من خلال تكريمه في مهرجان الإسكندرية للسينما، يومها صعد المسرح والصالة تزفه عريساً، أكثر من خمس دقائق الجميع يصفق واقفاً فما كان منه إلا أن قال: «اشكر الله تكرمت وأنا لا أزال حياً لم أخرف حتى أتمتع بنعمة التكريم»!.
لقبه صبري موسى بالفنان «القشاش» الذي يؤدي كل الأدوار ببساطة لا تزعج المشاهد، ولا تتعب المخرج، القشاش الذي يأخذ المشهد إلى الشخصية، القشاش الذي يُنجح دوره مهماً كان صغيراً ويرفعه إلى مستواه.
ونحن بدورنا نلقبه بجوكر الفن المصري الذي أمتعنا بفن منوّع فيه ضحكة جميلة، وتأدية أدوار السهل الممتنع، والصعبة…
حسن حسني أجمل الحديث، أجمل الذكرى؛ رحل تاركاً شعلة من النشاط، من التألق، من فن لم يزعج الآخرين، ولم يكن شريكاً في التآمر، بل مر كنسمة، كطيف جمع من حوله محبة واحترام الجميع…