ما علاقة «أحداث السبت» بقانون «قيصر» وتعديل القرار 1701؟
محمد حميّة
لم تكُن مشهديّة وسط بيروت عصر السبت الماضي وما رافقها وتبعها من توترات متنقلة في مناطق مختلفة، بعيدة عن جملة أحداث وتطورات طبعت الساحة المحلية خلال الأسابيع القليلة الماضية، تترابط جميعها وتتمحور حول مضمون واحد هو سلاح المقاومة.
بدأ الأمر بفتح ملف التهريب على الحدود اللبنانية السورية وتحميل حزب الله مسؤولية عمليات التهريب التي تؤدي الى استنزاف الاقتصاد، وصولاً الى حد المطالبة بنشر قوات دولية على الحدود مع سورية تبين لاحقاً أن الهدف منها التمهيد السياسي لمفاعيل قانون العقوبات الأميركي الجديد «قيصر» عبر خلق مبررات وذرائع ميدانية وقانونية لوضع اليد الدولية على الحدود مع سورية لمزيد من خنق سورية اقتصادياً وتطويق المقاومة في لبنان عبر قطع الشريان الاستراتيجي – العسكري الذي كان له دور كبير في تحقيق الانتصارات ومعادلات الردع مع «اسرائيل» والإرهاب في آنٍ معاً.
وليس محضَ صدفة أن تنطلق التظاهرات ضد السلاح في بيروت بعد 4 أيام فقط من دخول قانون «قيصر» حيز التنفيذ!
بالتوازي كانت الأدوات الأميركية تعمل على جبهة تعديل القرار الدولي 1701 وتوسيع صلاحية اليونيفل لتقويض دور وحركة حزب الله العسكرية والميدانية في الجنوب.
كل ذلك يجري في وقت انطلاق عملية المفاوضات بين الوفد اللبناني ووفد صندوق الدولي ترافق ايضاً مع جملة أزمات مالية واجتماعية وحياتية ونقدية مفتعلة وسلسلة إشاعات تُنذِر بانهيارات مالية وانفجارات اجتماعيّة وصراعات أمنية في الشارع!
فظهر أن المطلوب هو إعادة السلاح الى واجهة المشهد السياسي وربطه بالأزمة المالية والاقتصادية المتفاقمة في لبنان، وذلك كي يسهل الضغط على لبنان وتكريس معادلة الذين يقفون خلف ستارة «الصندوق»: الإنقاذ من الانهيار مقابل السلاح.
أما التسويق لتظاهرة 6 حزيران فسبقه مناخ سياسي – شعبي يدعو إلى فتح مسألة سلاح حزب الله ويشرع معه الساحة أمام إعادة النقاش السياسيّ والإعلاميّ الذي أعقب مرحلة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ونقل هذا النقاش الى الشارع وساحات الاعتصام لاستيلاد إرادة شعبية تتخطى المناطق والطوائف وحتى الأحزاب السياسية ترفض السلاح وتحمّل المقاومة مسؤولية تردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية من بابين: الأول دور حزب الله الإقليمي ضد المشروع الاميركي الخليجي الذي حرم لبنان الدعم المالي الدولي ورتب عقوبات أميركية ومقاطعات دولية أخرى، والثاني صمته الطويل عن عمليات الفساد في لبنان عن حلفائه وأخصامه على حدٍ سواء من خلال التسويات السياسية على قاعدة التحاصص في الدولة والاقتصاد مقابل حماية السلاح.
أُريد لهذا المناخ أن يُعمم على مختلف شرائح المجتمع عبر أدوات سياسية وإعلامية ناطقة باللغة الاميركية والخليجية وحتى الإسرائيلية، لتصوير أن المشكلة الأساسية ليس الفساد ولا الطبقة السياسية ولا السياسات المالية والنقدية للحكومات، بل هي حزب لله وضعف الدولة الناتج عن قوة دويلة الحزب لتكون منصة داخلية يتكئ عليها الخارج لحياكة مشاريعه.
في إطار هذه الأجواء وتحت هذا الشعار السياسي، أعدت أحزاب القوات والكتائب وحزب 7 المعروف بانتمائه الى السفارة الأميركية في عوكر لتظاهرة السبت واختاروها عنواناً ضد حزب الله هذه المرة رغم تبرُّئهم لاحقاً من ذلك. لكنهم فشلوا في الحشد. وكان هذا الضمور الشعبي تحت عنوان السلاح، بمثابة اختبار لحجم الاتجاهات الشعبية ضد سلاح المقاومة وبالمقابل شكل تصويتاً شعبياً غير مباشر للشعب اللبناني على قضية السلاح، حيث رفض بأعمه الاغلب التظاهر ضد المقاومة. وقد أظهرت الحشود الشعبية قبيل اندلاع الاشتباكات ضعفاً ملحوظاً، وبالتالي تظاهرة السبت الماضي حسمت النزاع حول شرعية السلاح والتغطية الشعبية له، فإذا تم احتساب كل الحشود التي نزلت لا تمثل سوى نسبة قليلة جداً من الشعب اللبناني، وهذا يشير ايضاً الى أمرين: الخلفيّة الوطنية المعادية لـ»إسرائيل» التي يختزنها الشعب اللبناني بمعزل عن انتماءاته السياسية وفصله بين السلاح والقضايا الاجتماعية، والثاني موازين القوى الشعبية والميدانية والإقليمية التي تصبّ في مصلحة المقاومة في لبنان.
وقد أظهرت أحداث السبت بحسب خبراء ميدانيين بأنها معدة وليست عفوية وتُظهر التكتيكات التي اتبعها المتظاهرون وجود أيادٍ استخبارية أعدت هؤلاء لوظيفة أمنية معينة. واللافت هو اختراق طائرات حربية إسرائيلية الأجواء اللبنانية تزامناً مع تظاهرة السبت! ما يؤشر الى بصمات إسرائيلية في هذه الأحداث، الى جانب تفرّد مراسة إحدى وسائل الإعلام دون غيرها بمواكبة المتظاهرين الذين اقتحموا أحد المحال التجارية للنفاذ منها الى المجلس النيابي في ساحة النجمة!
فكيف يريد هؤلاء المتظاهرون حصرية السلاح بيد الدولة والجيش اللبناني فيما يقومون بالاعتداء على الجيش وشتمه وضرب هيبته في كل تظاهرة!
ووفق مصادر مطلعة على موقف حزب الله فإن ما حصل كان وفق المتوقع لدى الجهات المعنية في الحزب، وبات واضحاً أن مشروع إغراق المقاومة في فتنة داخلية مستمرٌ لكن بأدوات ووسائل أخرى، لكنها ستفشل كما فشل من قبلها. مؤكدة لـ»البناء» أن إشعال فتنة داخلية لم يعد ممكناً لوجود وعي داخلي وموازين قوى محلية وإقليمية دولية جديدة. وتحذر المصادر من خطة يجري الإعداد لها منذ مدة ليست طويلة، هي حملة ضخ إعلامي وسياسي داخلي وخارجي يُحمّل حزب الله مسؤولية الفساد عن طريق حماية الفاسدين ومنع مكافحة الفساد وتحقيق الإصلاح وذلك لدفع الحزب تحت ضغط الهجمة الإعلامية، من جهة ووطأة الوضع المعيشي الصعب الى الاصطدام بحلفائه وبالتالي إغراقه في فتن وصراعات طائفية ومذهبية وأمنية. وبالتالي نزع الغطاء الذي يؤمنه هؤلاء الحلفاء على المستوى الوطني للمقاومة وحينها يصوّر دولياً على أنه يسيطر على لبنان بالقوة العسكرية.
والربط واضح بين هذه الأحداث وبين التصريحات الأميركية المتتالية منذ أسابيع وكان آخرها كلام السفيرة الأميركية في لبنان والتي أنبأت بعقوبات جديدة على لبنان وهاجمت حزب الله ودعمها للمتظاهرين، ما يؤكد ضلوع واشنطن بأحداث السبت.
أما السبب بحسب مطلعين على الوضع الاقليمي فهو محاولة الولايات المتحدة تجميع أوراقها التفاوضية في المنطقة وحشد ما أمكن من حلفائها في مفاوضاتها مع إيران قبيل الانتخابات الأميركية المقبلة، ولبنان هو إحدى الساحات التي يجب أن تستعر للضغط على حزب الله حليف ايران الرئيسي في المنطقة، علماً أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أرسل رسائل الى طهران أبدى خلالها رغبته بالتفاوض فرد عليه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بالقول إن ترامب يعرف ما عليه إصلاحه قبل أي تفاوض.
ويبدو أن الساحة اللبنانية ستبقى مشتعلة بالتوترات المتنقلة والمتتالية مع اطالة أمد المفاوضات مع صندوق النقد ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.