“قانون قيصر”… خطوة في الصراع!؟
} عصام الحسيني
أولاً: ما هو قانون قيصر؟
هو قانون موجه ضدّ الدولة السورية، ضدّ رئيس الدولة ومعاونيه، ضدّ الأفراد والشركات والمؤسّسات، التي تقدّم دعماً مالياً ومادياً وتقنياً للدولة السورية.
كما يستهدف العديد من القطاعات الصناعية السورية المدنية والعسكرية، والبنية التحتية، وإنتاج الطاقة، والمشتقات النفطية.
وينص أيضاً على التأثير على الشركات الأجنبية وردعها، عن إبرام عقود إعادة إعمار سورية.
وبمعنى آخر، أنّ كلّ الاقتصاد السوري وضع تحت المجهر الأميركي.
وقد وافق على القانون الحزبان الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس الأميركي، ووقع عليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 20 كانون الأول عام 2019، ضمن إقراره الموازنة الدفاعية الأميركية المقدرة بـ (738) مليار دولار، وأصبح القانون نافذاً من تاريخ حزيران عام 2020.
وقانون قيصر، ليس جديداً في تاريخ العقوبات الأميركية التي تفرض على سورية، فقد سبقها:
1 ـ تصنيف سورية عام 1979 كدولة راعية للإرهاب.
2 ـ قانون محاسبة سورية عام 2004، بعد الغزو الأميركي للعراق.
لكن هذا القانون، يُعتبر أشمل بعقوباته، وبمقاربة مختلفة، حيث يستعمل سلاح الاقتصاد كسلاح حرب رئيسي.
ثانياً: ما هي شرعية قانون قيصر في القانون الدولي؟
يُعتبر قانون قيصر تشريعاً أميركياً وليس دولياً، ولا يلزم الدول والمنظمات الدولية به، إلا في حالة صدوره من مجلس الأمن، وتحت الفصل السابع، وبموجب الاستثناءات المشروعة لمبدأ عدم التدخل الحديثة وبعنوان:
1 ـ مكافحة الإرهاب: وهي من القواعد القانونية الآمرة.
2 ـ التدخل لأسباب إنسانية، كما حدث في:
أ – العراق عام 1991، بقرار رقم (688) الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وقضى بالحظر الجوي في شمال العراق.
ب – البوسنة ضدّ الصربيين من قبل حلف الناتو.
ج – ليبيا بقرار من مجلس الأمن الدولي رقم (1973) ضدّ الرئيس معمر القذافي.
لكن وفي كلّ الحالات، فإنه يستحيل على مجلس الأمن استصدار قرار على قانون قيصر، بسبب معارضته الروسية والصينية، وبالتالي فإنه لا يوجد أيّ مشروعية قانونية له.
ويبقى للقانون قوة حقيقية خفية غير قانونية، في خوف الدول والأفراد والشركات، من العقوبات الأميركية الاقتصادية، التي من الممكن أن تفرض عليهم، بفعل التعامل مع الدولة السورية، مما سيدفعهم إلى إعادة حساباتهم، في إبرام أي صفقة، أو اتفاقية تجارية.
والقانون يشبه قانون منع التمويل الدولي لـ “حزب الله”، “هيفبا 1” عام 2015، و”هيفبا 2” عام 2017.
ثالثاً: من هي الجهات المتضرّرة من قانون قيصر؟
إضافة إلى الضرر الاقتصادي الذي سيلحق بالدولة السورية، فإنّ كلّ حلفاء سورية، والدول الداعمة والصديقة لها، ستتأثر سلباً من حيث النظرية بالقانون وهي:
1 ـ الاتحاد الروسي: الذي يعمل على المصالح المشتركة مع سورية، والذي سبق وان تعرّض بدوره، إلى العديد من العقوبات الاقتصادية الأميركية.
2 ـ الجمهورية الإسلامية الإيرانية: الحليف الاستراتيجي لسورية، والتي بدورها تخضع لأشدّ العقوبات الأميركية.
3 ـ المحيط الجغرافي للدولة السورية: حيث حركة التبادل التجاري القائمة على الحدود الجغرافية السياسية، والتي ترتبط بأربعة دول برية حدودية.
رابعاً: ما هي أهداف قانون قيصر؟
تطوّرت وتعدّلت أهداف الحرب على سورية، تبعاً لتبدّل الظروف الميدانية والسياسية، وللتدخلات الإقليمية والدولية وانعكاساتها.
في المرحلة الأولى: فشلت الحرب في محاولة إسقاط الدولة السورية.
في المرحلة الثانية: فشلت محاولة تغيير سلوك النظام أو تعديله.
في المرحلة الحالية: يحاول قانون قيصر أن يضعف الدولة السورية، عبر خنق الاقتصاد.
هذه الاستراتيجية الأميركية، متبّعة في العديد من دول العالم، التي تخوض صراعاً على مستوى:
التحرر من الهيمنة والتبعية للسياسة الأميركية، مقابل تلقي عقوبات اقتصادية قاسية.
ومن هذه الأهداف:
1 ـ إضعاف اقتصاد الدولة السورية وإخضاعها، وجرّ النظام إلى العملية السياسية التي تخدم أهداف السياسة الأميركية الاستراتيجية، في الاقتصاد والأمن، على حساب سيادة سورية.
2 ـ خروج للدور الإيراني من سورية، أو وضع حدّ لهذا التحالف الاستراتيجي القائم بين الدولتين، ومعهما دور حزب الله الفاعل، عدو “إسرائيل” والسياسات الأميركية.
وهذه نقطة تعني، فكّ الارتباط مع محور المقاومة وإسقاطه، بإخراج سورية، العمود الفقري له.
3 ـ خروج، أو وضع حدّ للدور الروسي وطموحاته في الشرق الأوسط، والتأثير على مصالحه الاستراتيجية، وإنهاء محاولة قيام تعدّدية قطبية، وعدم المسّ بالخلل القائم في ميزان العلاقات الدولية.
4 ـ تمكين الفصائل السورية المعارضة للحكم في دمشق، من الوصول، أو المشاركة في السلطة، ضمن نص دستوري جديد، بضمانة القوى المناهضة لسيادة الدولة السورية.
5 ـ عودة الولايات المتحدة الأميركية، إلى الإمساك بالقرار السياسي في الشرق الأوسط، كقوة وحيدة وفاعلة، وخلق توازنات جديدة إقليمية ودولية، تلتقي مع مصالحها، وتفرض قرارتها وخاصة بما يتعلق بنقطتين أساسيتين:
أ – الاقتصاد: استيلاب الشعوب ثرواتها، وخاصة ثروات الشرق الأوسط.
ب – الأمن: وخاصة أمن كيان العدو الصهيوني.
خامساً: ما هو تأثير قانون قيصر على لبنان؟
بحكم الموقع الجغرافي بين لبنان وسورية، وما يتخلله من تداخل اقتصادي واجتماعي وسياسي طبيعي، فإنّ للقانون من الناحية النظرية، تأثير مباشرة على لبنان.
لبنان السياسي ليس في حالة عداء مع الدولة السورية، ويوجد علاقات رسمية ودبلوماسية قائمة بين البلدين، واتفاقيات ثنائية في كافة المجالات، سياسية اقتصادية أمنية وعسكرية.
ومن المفترض أن لا شيء يلزم الحكومة اللبنانية، بتطبيق قانون قيصر في القانون الدولي.
ولبنان الجغرافي تحدّه حدود برية مع سورية بطول (375) كلم، وهي المنفذ البري الوحيد مع العالم العربي والشرق أوسطي، وانّ مصلحة لبنان العليا، انطلاقاً من هذا الواقع، في عدم الانغلاق على ذاته، وإقامة أفضل العلاقات مع الدولة السورية، لمصلحة لبنان أولا.
لكن، كيف يمكن في ظلّ وجود ضغوط أميركية على لبنان، وفي ظلّ وجود انقسام وطني لبنان داخلي عمودي، وخاصة في موضوع العلاقة مع سورية، من الوصول إلى إقامة هذه العلاقة الطبيعة الصحية؟
لقد ظهرت انعكاسات قانون قيصر، على واقع السياسة اللبنانية من خلال:
1 ـ التلويح بتعديل دور ووظيفة اليونيفيل في جنوب لبنان، ونشره على الحدود مع سورية بغاية:
أ – قطع طرق التبادل التجاري بين لبنان وسورية، وإخضاعها للرقابة والوصاية الدولية، بحجة عدم محالفة قانون قيصر، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة للاقتصاد اللبناني.
ب – استهداف المقاومة عبر قطع طريقها إلى سورية، مقدمة لإخراجها أو الحد من دورها الفاعل في محاربة الإرهاب، ومحاولة عزلها وقطع طرق إمدادها عبر الأراضي السورية.
2 ـ عدم القبول بعودة اللاجئين السورين إلى بلادهم بحجة انعدام الأمن، مع ما يسبّبه هذا الواقع من مشكلة اقتصادية واجتماعية ضاغطة على المجتمع اللبناني، المتهالك في الاقتصاد والبنى التحتية.
والواقع أنّ عدم القبول بالعودة، هو إفشال للدور الروسي، وسحب ورقة اللاجئين منها، وحصرها في يد السياسة الأميركية، كورقة ضغط في أيّ تفاوض مع الدولة السورية.
3 ـ التلويح بفرض عقوبات على بعض الشخصيات اللبنانية، ممن يمكن أن تربطهم أيّ علاقة مع الدولة السورية، والسعي إلى عزل سورية، وإجهاض أيّ مبادرة إيجابية اتجاهها.
وهنا بموجب قانون قيصر، يمكن أن يخسر الاقتصاد اللبناني الكثير، وخاصة في موضوع المشاركة في إعادة إعمار سورية.
إنّ التهديد للحكومة اللبنانية، أو لأفراد وشخصيات لبنانية، بوضعهم على لوائح العقوبات الأميركية، جراء العلاقة مع الدولة السورية، إجراء يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة، المادة الثانية، والتي تدعو إلى امتناع الدول في علاقاتهم الدولية، عن التهديد باستعمال أيّ شكل من أشكال القوة.
سادساً: خلاصة…
إذا كانت الغاية من قانون قيصر، استهداف الدولة السورية، وتعميق أزمتها الاقتصادية، فإنه في الواقع، إنّ القانون يستهدف كلّ محور المقاومة، بالإضافة إلى الاتحاد الروسي.
انه وجه من أوجه الصراع القائم بين المحاور السياسية الدولية، والتي تشهد حتى اللحظة، اختلالاً في توازن القوى، تخرج عن نصوص القانون الدولي بفعل القوة، وتشكل مادة ملتبسة في العلاقات الدولية.
قانون قيصر خطوة في هذا الصراع.