«قانون قيصر»… فصل جديد يُضاف إلى مسلسل استهداف محور المقاومة
} منجد شريف
تطلّ بعض الآراء لتنتقد أداء الحكومة وتقارنها بمن سبقها من الحكومات، وتنسى تلك الآراء أنّ ما تواجهه الحكومة الراهنة ما هو إلا نتائج لمن سبقها، وبسبب مراهنات على الكثير من القضايا التي لم تتحقق، بينما كان الأجدى الرهان على الإصلاح وبناء دولة عصرية بعد القضاء على الفساد وكلّ متفرّعاته.
لكلّ شيء جذور وجذور المشكلة اللبنانية بدأت منذ ولادة هذا الكيان، وكان من أبرز تجليات الحربين العالميتين الأولى والثانية، أنها أنتجت نظاماً عالمياً، انقسمت فيه الدول بين القطبين الأميركي والسوفياتي، وما لبثت أن صارت الولايات المتحدة القطب الأوحد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وأصبحت غالبية الدول تدور في فلكها منتظرةً رضاءً أوسخطاً، بحسب التوجه الذي ترسمه في خياراتها السياسية لكلّ من يوافقها أو لا يوافقها.
كانت الديبلوماسية الأميركية تعتمد المرونة في مواقفها، وإنْ كانت لا تتراجع قيد أنملة عن أهدافها السياسية معتمدةً خطط البدائل، ولا شك أنّ التحيّز الذي أبدته وتبديه لـ «إسرائيل» لم يكن وليد الصدفة، بل هو ثمرة تغلغل اللوبي الصهيوني في مفاصل القطب الصاعد لحكم العالم، تغلغلاً صار ملزماً في التأييد المطلق لـ «إسرائيل»، فما برح كلّ برنامج رئاسي أن يفرد في مندرجاته فصلاً كاملاً عن دعمه لذلك الكيان الاحتلالي.
هي نفسها الولايات المتحدة، التي شكلت لجنة كينغ كراين عقب الحرب العالمية الأولى، للتقصّي عن حقيقة الموقف من برنامج الصهيونية في الاستيطان في فلسطين، والتي جاء تقريرها مناهضاً للحركة، وأعطى رأياً مفاده، أنَّه إذا طبقت قواعد الحرية والديمقراطية المتبعة في الولايات المتحدة الأميركية، فإنّ أماني الشعب الفلسطيني ومعه العرب هي التي يجب أن تطبّق، وأنّ برنامج الصهيونية جائر.
هي نفسها أميركا التي أجبرت بريطانيا وفرنسا و»إسرائيل» على وقف العدوان الثلاثي ضدّ مصر، ما أسفر عن سطوع نجم الرئيس جمال عبد الناصر بعد خروجه منتصراً، في سابقةٍ حصلت يومها في تاريخ الصراع العربي ـ الصهيوني.
إنَّ التدرّج في السياق الموضوعي، لتعاظم الدور الأميركي في المنطقة، يصل بنا إلى التحليل بأنَّ ما قامت به أميركا ضدّ حرب السويس عام 1956 من إقصاء للبريطانيين والفرنسيين لم يكن سوى تحوّل في سياستها الدولية، وأنّ كلمة الفصل لها في قضايا المنطقة، وهي من سيقود العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وضمن خياراتها الاستراتيجية.
لقد استطاع اللوبي الصهيوني خلق حلفٍ استراتيجي ضمن كلّ مكونات الإدارة الأميركية، وصارت العلاقة مع الحزبين الجمهوري والديمقراطي مكرّسة بالكثير من المصالح والأهداف المشتركة، وأبرزها الموقف من فلسطين ومن قيام الدولة الإسرائيلية، موقفاً جارت فيه الإدارة الأميركية بكلّ رؤسائها المتعاقبين الخيارات الصهيونية بكل تفاصيلها، ونظرتها لواقع المنطقة ومستقبلها، ولم تكن صفقة القرن سوى فصل جديد من فصول الاتفاق الأميركي «الإسرائيلي» على التطويع الكلي والإذعان النهائي للمشيئة الإسرائيلية في حكم المنطقة تحت إشراف الولايات المتحدة، ومواجهة كلّ أشكال الممانعة لهذه المشيئة، تطويعاً أظهرته بعض الدول الخليجية التي ذابت في تلك الصفقة حتى النخاع، ولا تزال تقدّم لها كلّ أسباب الدعم والاستمرار، ولو على حساب حقوق الفلسطينيين وشعوب المنطقة.
ولم تكن الأزمة اللبنانية الحالية، وشبيهاتها من الأزمات في سورية والعراق وبعض الدول الداعمة لتلك البلدان، سوى نتيجة طبيعية لذلك التطويع الكلي للشعوب من خلال الضغط الإقتصادي، وهي مواجهة جديدة تندرج في سلم من المواجهات السابقة، والتي بدأت في لبنان بعد اتفاق الطائف وعلى وجه الخصوص منذ العام 1993 للتخلص من المقاومة تحت غطاء «الشرعية»، وتدرّجت الى حرب عناقيد الغضب عام 1996، ومن ثم محاولة نزع ذريعة المقاومة من خلال الاندحار الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، وبعدها حادثة الزلزال التي أودت بحياة الرئيس رفيق الحريري، وما تلاها من انسحاب للجيش السوري الذي شكل في حينها غطاءً للمقاومة في لبنان وفي كل المنطقة، ومن ثم حرب تموز عام 2006، وبعدها حادثة الـ 2008، والتي كانت رداً على القرار الحكومي في ما يتعلق بسلاح الإشارة للمقاومة، ومن ثم الحرب التكفيرية التي خلقت نموذجاً معمّماً في العراق وسورية ولبنان…
كلها محاولات وبدائل كان الهدف منها إنهاء حالة المقاومة بكلّ أشكالها، وبعدما أصبحت المواجهة العسكرية عديمة الجدوى بكلّ أشكالها، فصارت الحرب الاقتصادية شراً لا بدّ منه، وإنْ كانت أضرارها ستطال العدو والصديق في آنٍ واحد. فالمطلوب أميركياً وإسرائيلياً تسليم كلي بصفقة القرن وكلّ مندرجاتها، وإلا سيبقى هذا الضغط الاقتصادي على محور المقاومة مستمراً تحت مسمّيات عديدة، منها مشروع «قيصر» أو «سيزر»، وسيبقى هذا الضغط جاثماً إلى أن يخلق متحوّل جديد في العلاقات الدولية وفي المنظومة الاقتصادية، وما يمكن أن ينجم عن المحاولات للتخلص من فكّ الكماشة الإقتصادية، وهنا الأنظار شاخصة الى الصين وما يمكن أن تقدّمه على هذا الصعيد…