الوطن

دكاكين المخابرات المتنوّعة تسيطر على لبنان!

} د. وفيق إبراهيم

تهيمن عشرات أجهزة المخابرات الدولية والاقليمية على لبنان من خلال التنافس الطوائفي بين ابنائه، وضعف دولته الوطنية.

بذلك يصبح الميدان اللبناني جغرافيات متصارعة تديرها مجموعات تحت الطلب ترتبط بشبكات استخبارية تعمل حسب تطور الأحداث ومتطلبات بلدانها في لبنان والإقليم.

للإشارة فإن أجهزة المخابرات تعمل في كل انحاء العالم فتراقب الأحداث وتستجلب معلومات، لكنها هي التي تسيطر على الأحداث وتروج لمعلومات في لبنان فيصبح دورها فيه تأجيجاً للصراعات الداخلية حسب حاجات بلدانها الأصلية وادوارها وصولاً الى حدود فبركتها ودفعها نحو مناحٍ ترتبط بصراعات الإقليم.

هنا تختلف وظائفها عن الدور الاستخباري التقليدي بشكل يبدو فيه لبنان تحت رحمة ممارسات تنبثق فجأة وتتوقف فجأة لتعاود بعد مدة سيرتها الاولى، وهكذا دواليك.

ما هي هذه الأجهزة العاملة بقوة في لبنان؟

تنتشر هذه الوكالات على مدى الساحة اللبنانية. قسم منها يعمل بشكل احترافي على مستوى كامل الجغرافيا اللبنانية حسب قدرته على اختراقها، وعلى رأسها المخابرات الأميركية والإسرائيلية التي تهتم بجميع المعلومات عن حزب الله في الجنوب والبقاع وبيروت وفي مختلف المناطق الأخرى التي يمتلك الحزب فيها تحالفات واصدقاء.

كما تجمع معلومات عن الحركة السياسية والإرهابية على مستوى البلاد بأسرها.

هناك نمط تقليدي آخر لأجهزة مخابرات تنشط بشكل روتيني لتجميع معلومات هامة لسياسات بلدانها كفرنسا وروسيا ودول اوروبية اخرى، لكن هذه الفئة لا تلعب على مستوى التأجيج الميداني للأحداث كحال المخابرات الأميركية القادرة بشكل استراتيجي على الطلب من الأحزاب الداخلية الموالية لها التحرك في يوم معين بشعارات محددة للتأثير على هدف مطلوب.

هذه المخابرات الأميركية هي المهيمن الفعلي على مسار الاضطرابات التي تنتاب لبنان بين الفينة والأخرى، فيكفي ان السفارة الاميركية هي المركز الفعلي للقاءات الأمنيين الأميركيين بالاحزاب المحلية الموالية، وهي كثيرة تبدأ بأحزاب القوات والكتائب والاشتراكي وكثير من جمعيات تدّعي انها من «الانتفاضة».

الى جانب هذه الادوار الواضحة، هناك ثلاثة أجهزة استخبارية تتبع للسعودية والإمارات وتركيا تؤدي الادوار الميدانية الأكثر خطورة على الاستقرار اللبناني السياسي والوطني.

فالسعودية والإمارات تنسجان علاقة مذهبية الأبعاد مع شلل طائفية في أنحاء من بيروت والشمال والبقاع الغربي.

فتستعملها للتوتير والتأجيج في مفاصل مهمة.

يكفي أن تنظم في هذه المناطق بضع مئات من المراهقين والشبان الذين توفر لهم التمويل المغري ووسائل الانتقال والأهداف المطلوبة لجهة التخريب وإضفاء التوتير المذهبي على اي تحرك، كما تتعاون الأجهزة السعودية والإماراتية مع رجال دين واحزاب وجمعيات مذهبية لشد العصب الطائفي في وجه عصبيات أخرى.

إن لهذين البلدين العربيين صلات كبيرة مع احزاب الكتائب والقوات والتقدمي لإقناع جمهورها المذهبي وتأمين تغطية سياسية له.

هناك اضافات على هذا المشهد المخابراتي التاريخي يتعلق باقتحام المخابرات التركية للمشهد اللبناني واستيطانها فيه بشكل فاعل.

فتركيا التي تسعى لتعميق دورها الإقليمي من خلال احتلال قواتها المباشر أنحاء في سورية والعراق وليبيا وعبر الدور الارهابي للاخوان المسلمين في اليمن والسودان والجزائر.

تركيا هذه جاءت الى لبنان من خلال حركة الاخوان، ووضعت في مناطقه الشمالية أجهزة استخبارات استطاعت جذب قيادات طرابلسية على شاكلة الريفي ونظمت عشرات الشبان وقبضايات الاحياء لاستعمالهم في تأجيج الصراعات المذهبية، فتبدو تركيا وكأنها تنافس السعودية على قيادة العالم الإسلامي وتناهض سورية وتحارب ايران، وتفرض نفسها على الأميركيين ليعترفوا بها صاحبة الدور الاساسي في التأثير على الاحداث والدليل ان كل عمليات الفوضى والتحطيم والتكسير التي حدثت في وسط بيروت يوم السبت الماضي، انما كانت من صناعة مجموعات مرتبطة بمخابرات تركية وأخرى إماراتيةسعودية.

ما تجب إضافته على هذا المشهد يرتبط بصراعات داخل الاجهزة الامنية اللبنانية نتيجة للتنافس بين تغطياتها السياسية داخل الدولة وخارجها ما يجعلها ضعيفة لا تأثير لديها على التعامل مع الاحداث الطارئة.

وهذا لا ينطبق على الجيش اللبناني الذي يأتمر في مراحل نشوب أحداث بقيادته المتنبّهة.

بالمقابل يعتقد البعض ان هناك مخابرات سورية وإيرانية، ويقتضي المنطق الاعتراف بوجودها إنما كجزء تقليدي تحتويه كل السفارات في العالم، وهذا سببه قوة حزب الله الذي يشكل نقطة الاستهداف الرئيسية لكل أنواع الفوضى وإثارة القلاقل والفتن.

لذلك يعمل الحزب استخبارياً وبشكل وازن وعميق لإجهاض عشرات أجهزة المخابرات العاملة ضده في ميادين لبنان، ولا يبدو بحاجة لدعم من تحالفاته الإقليمية الحاضرة بكل تأكيد لهذه الادوار.

لبنان اذاً ساحة لأجهزة مخابرات تريد استعماله للتأثير على حزب الله وسورية وإضعاف ادوارهما في مجابهة «اسرائيل» والسياسات الاميركية في المنطقة.

فهل تنتفض الدولة اللبنانية لوقف هذه الاستباحة المخابراتية غير التقليدية لأراضيها؟ يبدو ان التسعير الطائفي والمذهبي يمنع الدولة من أداء دور وطني فاعلن والمطلوب من حزب الله الاستمرار في العمل الجهادي والأمني حرصاً على لبنان واهله ومقومات استمراره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى