تحرير إدلب وردع «قسد» الحلقة المفقودة…!
} د. حسن مرهج
قبل البدء بشرح سياق التطورات السورية والتي أثمرت جملة واسعة من المنجزات السياسية والميدانية، لا بدّ من التذكير بأنّ تعداد الإرهابيين الذين كانوا متواجدين في محيط دمشق، فضلاً عن مناطق الجنوب السوري، وكذلك في وسط سورية، يدعو المتابع إلى التركيز على الاستراتيجية التي اعتمدتها الدولة السورية وحلفاؤها، في إفراغ الكثير من المناطق التي كانت تحت سيطرة الفصائل الإرهابية، خاصة بعد أن أثمرت العمليات العسكرية التكتيكية التي اعتمدت على استهدافات دقيقة ومركزة، الأمر الذي أدّى إلى تسارع انهيار هذه الفصائل، ومن ثم محاصرتها ضمن خطوط نارية، ليُصار لاحقاً إلى ترحيلهم للشمال السوري، ووضعهم ضمن بؤر جغرافية كـ إدلب ومناطق شرق الفرات، لكن في مقابل ذلك، وبعد تعقيدات كثيرة لجهة الحلّ السياسي من قبل واشنطن وأنقرة، يبدو أنّ هناك توافقاً روسياً إيرانياً لا يمكن وصفه بالكليّ مع التوجهات الأميركية في سورية، حيث أنه وبالمنطق العسكري، فإنّ روسيا وإيران قد وجدوا ملعباً إقليمياً بمواصفات دولية في سورية، حيث أنّ التفوّق الروسي والإيراني سياسياً وعسكرياً، قد برز مجدّداً من البوابة السورية، وبالتالي فإنّ منطق المصالح الإقليمية والدولية المتضاربة، يُلزم روسيا كما إيران بالسير قُدُماً في تحرير ما تبقى من الجغرافية السورية، وفي هذا حفاظاً على المكاسب السياسية والعسكرية والاستراتيجية التي تحققت خلال سنوات الحرب على سورية.
ما دفعنا للقول بأنّ هناك توافقاً روسياً ايرانياً مع التوجهات الأميركية في سورية، لكنه توافق لا يمكن وصفه بالكليّ، إنما بُني على نظريات النفوذ ومناطق السيطرة، هو تعقيدات الحلّ السياسي والعسكري في سورية، فمن المعلوم أنّ ما يُنجز في الميدان يُترجم في السياسية، لكن هذه القاعدة لم تجد طريقاً لتنفيذها إلا في ما ندر على امتداد سنوات الحرب، فإدلب لا تزال تحت سيطرة الفصائل الإرهابية المدعومة تركياً، وكذلك مناطق شرق الفرات لا تزال تحت سيطرة «قسد» الخارجة عن القانون والمدعومة أميركياً، بالتالي ما الذي يؤخر مساعي الحلّ سواء أكان سياسياً أم عسكرياً؟ وما الذي يمنع حلفاء سورية من الإطباق على الإرهابيين في إدلب وشرق الفرات؟ خاصة أنّ أعداد الشهداء في صفوف الجيش السوري وكذلك المدنيين في تزايد مستمر، فالاعتداءات الإرهابية من قبل الفصائل المسلحة مستمرة، الأمر الذي يُحتم على سورية وحلفائها خوض غمار الحلّ العسكري، فالمنطق العسكري ذاته، وهناك استنزاف واضح لقوات الجيش السوري، في انتظار مؤتمر هنا أو هناك، فـ أستانا و سوتشي قد أكل عليهم الزمان وشرب، وبات هذان المؤتمران شماعة تركية للاستثمار في الإرهاب، حتى أنّ تركيا لا تزال تناور سياسياً وتدفع بالمزيد من قطعانها الإرهابية إلى مناطق إدلب، أما شرق سورية حيث قوات «قسد» الأميركية، فواشنطن أيضاً مستمرة بدعم بيادقها وتقويتهم، مع نهب مستمر للثروات السورية وبيعها بأبخس الأثمان، في وقت يعاني فيه الشعب السوري من ويلات الحصار الاقتصادي المفروض من قبل أميركا.
لن نتكلم في التوجهات الاستراتيجية لحلفاء الدولة السورية، لأنه على ما يبدو بأنّ منطق المصالح بعيدة المدى قد طغى على الهدف الأساسي لتواجدهم في سورية، مع التذكير بأنّ روسيا وإيران متواجدتان في سورية بناء على طلب من دمشق، وهنا لا يمكن لأحد أن ينتقد تواجدهما طالما أنه بموافقة الدولة السورية، وبالتالي فالهدف الأساسي لحلفاء سورية، تحريرها من الإرهاب والمحتلين، أيّ تركيا وفصائلها الإرهابية، وأميركا وبيادقها الإرهابية، بالإضافة إلى منع تقسيم الجغرافية السورية، لأنّ كلّ الممارسات التركية والأميركية تصبّ مباشرة في هدف التقـــسيم، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال، استمرار الصمت الروسي والإيرانـــي عن الأهداف التركية والأميركية، وعليه هناك ضرورة ملحة للتحرك الفوري دونما تأخير، نحو البدء الحقيقي بالتطهير الفعلي لبقايا الإرهاب في سورية، فالدولة السورية وجيشها وشعبها قدّموا الكثير من التضحيات، ولا بدّ من إنجاز النصر النهائي الذي لاحت بشائره في الأفق، ووضع كافة المصالح جانباً، لأنه أيضاً في تأخير الحلّ السياسي أو العسكري في سورية، هناك التفاف أميركي تركي على روسيا وإيران، وتفريغ النصر السياسي والعسكري من محتواه الذهبي، والناظم لكافة الحلول.
الممارسات الأميركية والتركيـــة لا تقف على دعم الإرهاب فحسب، بل تسعى كلّ من واشنطن وأنقـــرة ومن مناطق تواجدهما، إلى استنزاف الدولة السورية والعبث بخـــيراتها، «قسد» قد سقط قناعها، حيث أنّ التقرير الذي تمّ الكـــشف عنه مؤخراً يؤكد بأنّ النفط السوري يُباع إلى الكيان الاسرائيلي وتحت إشراف أميركي مباشر، وكذلك الآثار المتواجدة في الشمال الشوري، تقوم الفصائل الإرهابية بكشف مخابئها وبيعها للأتراك وتسويقها في أوروبا، فضلاً عن تجريف ممنهج للمناطق الأثرية السورية وبرعاية تركية، يُضاف إلى ذلك، أنّ الخزان الاقتصادي للدولة السورية يقـــبع في الشمال، فأهمّ الزراعات الاستراتيجية تُزرع في الشمال السوري، من القمح إلى القطن إلى الزيتون والعديد من الزراعات التـــي تُشكل مورداً هاماً للخزينة الاقتصادية في سورية، كلّ هذا بات تحت سيطرة الإرهاب الأميركي والتركي، فالدولة السورية تُعاني منذ أكثر مـــن تسع سنوات، من إرهاب سياسي وعسكري واقتصادي، ولا بدّ مـن وضع النقاط على الحروف، والبدء الفعلي بتحرير ما تبقى من الجغرافية السورية من الإرهاب، وطرد المحتلين الأميركي والتركي من سورية.
في المحصلة، يمكننا القول بالاعتماد على ما ذكره الرئيس السوري بشار الأسد في أكثر من مناسبة، بأنّ إدلب وشرق الفرات سيعودون حُكماً للدولة السورية، فوحدات الجيش السوري المنتشرة في محيط إدلب وارياف حماة الشمالي واللاذقية الشمالي الشرقي، تشي بأنّ التحرير الكامل لا عودة عنه، رغم المناورات الأميركية والتركية، لكن الوقت يبقى رهناً بقراءة دمشق للمعطيات السياسية والميدانية، وتحديداً الوقائع المرتبطة بحلفاء سورية، حيث أنّ عملية دخول إدلب ستكون معقدة نظراً لوجود نقاط مراقبة تركية، ولكن بحسب الاتفاقات والتصريحات الرسمية الروسية والتركية والسورية، فإنه من المؤكد عودة إدلب إلى سيطرة الدولة السورية، والأمر مسألة وقت، فحسابات دمشق عادة وكما لاحظنا في عملية تحرير الغوطة أنها قد تنتظر لوقت طويل ولكنها لا تهمل هدف التحرير، ولن تفيد الأعداد الكبيرة لإرهابيّي النصرة في إدلب، لأنّ قوة الجيش السوري النارية والعددية لن تستطيع أيّ قوة الوقوف في وجهه، أما بعد إدلب سيُحسم ملف شرق الفرات، وسيوضع الأكراد أمام خيارين، إما العودة لحضن الوطن السوري، أو المواجهة العسكرية النارية، والتي لن تسطيع «قسد» الصمود أمام القوة النارية للجيش السوري وحلفائه، وبالتالي وانطلاقاً من المصالح الاستراتيجية الروسية والإيرانية مع الدولة السورية، لا بدّ من التحرك لقطع يد الإرهاب التركي والأميركي من سورية، أو البدء بمضامين الحلّ السياسي الذي يُجنّب الدولة السورية المزيد من الاستنزاف.