بكين وبروكسل.. لا حرب باردة ولندن مستاءة من بنوكها!
اتفقت الصين والاتحاد الأوروبي على تطوير علاقات أوثق بشأن مجموعة من القضايا.
أعلن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أمس، أنه طمأن وزير الخارجية الصيني بأن «التكتل لا يريد حرباً باردة».
وقال بوريل إن «الاتحاد الأوروبي لديه تطلعات كبيرة بشأن العلاقات مع الصين، ويعتزم بذل الجهود لضمان تحقيق علاقات أوثق»، لافتاً إلى أن «الاتحاد الأوروبي والصين يدعمان التعددية بقوة، وأن الاتحاد يرحّب بمشاركة صينية نشطة في التعاون الدولي».
جاء ذلك خلال الجولة العاشرة من حوارهما الاستراتيجي، الذي عقد عبر الفيديو، وتشارك رئاسة الحوار كل من وزير الخارجية الصيني وانغ يي، ومسؤول الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل.
من جهته، قال وانغ إن «بين الصين والاتحاد الأوروبي شراكة استراتيجية طويلة الأجل قامت عبر تغلب التوافق والتعاون دوماً على التنافس والاختلاف»، لافتاً إلى أنه «يتعين على الجانبين انتهاز حلول الذكرى الـ 45 لإقامة العلاقات الدبلوماسية نقطة بداية جديدة لتطوير علاقات أوثق».
وحثّ وانغ الجانبين على «دفع العلاقات الثنائيّة قدماً في مرحلة ما بعد فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، والمضي قدماً في التبادلات الثنائية، والاستعداد الجيد لقمة الصين – الاتحاد الأوروبي واجتماع قادة الصين – الاتحاد الأوروبي».
وتابع وانغ «يتعين علينا الاشتراك في تسريع وتيرة استئناف العمل والإنتاج، والحفاظ على استقرار سلسلة الإمداد والسلسلة الصناعية، وتيسير تبادل الخبرات في مجالي الصحة العامة وإدارة الطوارئ، وبذل جهود منسّقة في مجال البحوث الخاصة باللقاحات والعقاقير، وتعزيز التعاون مع أفريقيا في مكافحة المرض».
وأكد على «أهمية التواصل والتنسيق بشأن سياسات الاقتصاد الكلي»، وحثّ وانغ على «الانفتاح في التعاون، وإنجاز المفاوضات الخاصة باتفاقيات الاستثمار الثنائية في المواعيد المقررة».
وأعرب وانغ عن تطلعه إلى أن «يعمل الجانبان على دعم التوافق الذي جرى التوصل إليه بشأن حماية التعددية، وتعزيز التعاون في أطر العمل الدولية، من بينها الأمم المتحدة».
وجدّد وانغ «التأكيد على مبادئ الحكومة الصينية وموقفها في ما يخص شؤون هونغ كونغ».
فيما تتهم بروكسل بكين بـ»شن حملة تضليل بخصوص فيروس كورونا المستجدّ»، وتقول بروكسل إن «الصين وروسيا سعتا إلى تقويض الديموقراطية الأوروبية وتشويه سمعتها خلال الوباء بـ(عمليات التأثير الموجهة وحملات التضليل)».
وجاء هذا الاتهام الحاد وغير المعتاد في ورقة استراتيجية رسمية للاتحاد الأوروبي لمواجهة ما يقول المسؤولون إنه «فيض من مزاعم كاذبة على صلة بالرعاية الصحية ونظريات المؤامرة والاحتيال وخطاب الكراهية المرتبط بالوباء».
ونشر التقرير أمس، غداة إجراء مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي بوريل محادثات عبر الفيديو مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي.
وأصر بوريل أمس، على أن «الاتحاد الأوروبي لا يبدأ أي شيء مع الصين»، وقال إنه «طمأن وانغ» خلال محادثاتهما.
وقال بوريل «قلت له لا تقلق إن أوروبا لن تشرع في أي نوع من أنواع الحرب الباردة مع الصين».
ويدعو التقرير أيضاً عمالقة الإنترنت مثل تويتر وفيسبوك لـ»القيام بالمزيد لمواجهة المعلومات المضللة»، واتهم موسكو وبكين بـ»السعي إلى تقويض الحوار الديمقراطي ومفاقمة الاستقطاب الاجتماعي وتحسين صورتهما في سياق كوفيد– 19».
ويثير الخلاف توتراً قبيل قمة بالفيديو في وقت لاحق هذا الشهر بين رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي تشارلز ميشيل ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين وقادة صينيين.
وكان الاتحاد اتهم بكين بأنها «منافس منهجي»، ما أثار استياء المسؤولين الصينيين، وسعى إلى تحديها في قضايا حقوق الإنسان مثل التيبت وهونغ كونغ.
لكن الاتحاد الأوروبي كافح من أجل الحفاظ على جبهة موحّدة، فيما تسعى 27 حكومة وطنية لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية مع العملاق الآسيوي.
وقال بوريل، الذي دعا في الأسابيع الأخيرة إلى «موقف أقوى» للاتحاد الأوروبي تجاه الصين وحذّر من أن «بكين لا تشارك القيم الأوروبية»، إن «الحكومات بحاجة إلى التحلي بمزيد من الحكمة».
في السياق نفسه، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أمس، إنه «يجب أن تكون بريطانيا قادرة على التحدث بصراحة بشأن مخاوف خطيرة تتعلق بمنشأ مرض كوفيد-19 وبهونغ كونغ وبالبنية التحتية الحساسة للبلاد مع الصين».
وأضاف أمام البرلمان «يجب أن نشعر بحرية كاملة في إثارة هذه القضايا بصوت عالٍ وبوضوح مع بكين. وهذا ما سنستمر في القيام به».
ويُنظر في المملكة المتحدة بعين الاستياء لـ»التأييد الذي أعلنه بنك إتش أس بي سي للنظام الصيني في هونغ كونغ»، سواء في الوسط المالي أو السياسي مع ما يمكن أن يكون لذلك من تداعيات على سمعته في مناخ من عدم الثقة تجاه بكين.
حيث اختار العملاق المصرفي البريطاني معسكره الأسبوع الماضي، في خطوة غير معتادة بالنسبة للشركات الكبيرة متعددة الجنسيات التي تتجنب عادة المغامرة في الساحة السياسية.
إذ وقع مدير البنك في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بيتر وونغ على عريضة «تدعم قانون الأمن القومي»، المثير للجدل الذي فرضته بكين على هونغ كونغ.
وأعلن البنك رسمياً: «نحن نحترم ونؤيد القوانين واللوائح التي ستسمح لهونغ كونغ بالبدء من جديد وإعادة بناء اقتصادها، وفي الوقت نفسه ستحافظ على مبدأ دولة واحدة ونظامان».
وانضم بنك بريطاني آخر له وجود قوي في المنطقة هو «ستاندرد تشارترد» إلى بكين.
وقال ديفيد مادن، المحلل لدى «سي إم سي ماركتس» في مذكرة حديثة، إن «هذين المصرفين يريدان بوضوح أن يحافظا على علاقة ودية مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم».
ويعد ترسيخ وجوده في السوق الآسيوية أمراً حاسماً بالنسبة لبنك إتش أس بي سي الذي جعل من ذلك استراتيجيته منذ سنوات عدة ويحقق غالبية أرباحه في المنطقة.
وتحت قيادة مديره العام نويل كوين، اختار البنك إلغاء 35 ألف وظيفة وتقليل استثماراته في الولايات المتحدة وأوروبا، من أجل التركيز بشكل أكبر على آسيا.
ويكتسي هذا الموقف لصالح النظام الصيني أهمية أكبر بالنسبة لمؤسسة هونغ كونغ وشنغهاي المصرفية التي يندمج تاريخها مع المستعمرة البريطانية السابقة.
يذكر أنّ بنك إتش أس بي سي تأسس في عام 1865 لتمويل التجارة المتنامية بين أوروبا والصين. وبعد أن ظل في هونغ كونغ لفترة طويلة، انتقل مقره الرئيسي إلى لندن في عام 1993، قبل بضع سنوات من تسليم هونغ كونغ في عام 1997 إلى الصين.
وقالت إيما وول، المحللة لدى «هارغريفز لانسداون» «إن إتش أس بي سي يعد مرادفاً لهونغ كونغ التي تظهر هامات مبانيها على موقعه الإلكتروني وبطاقاته المصرفية، وحيث توظف المجموعة 30 ألف شخص».
وأضافت أنه «قد يكون موقف المجموعة مفاجئاً لدى النظر إليه من الخارج (…) لكن أيّ قرار تتخذه أي شركة يتم بناءً على الأعمال التجارية وإتش أس بي سي يحقق نصف إيراداته في آسيا».
ولكن من خلال اتخاذ هذا الخيار، يخاطر البنك الآن بالإساءة لسمعته لدى الملايين من العملاء حول العالم وفي المملكة المتحدة.
وكتب مراسل صحيفة «تايمز» البريطانية ماثيو باريس في عمود أمس، «عار عليكم يا إتش أس بي سي».
ويثير موقف البنك تساؤلات حتى في الدوائر المالية.
وقال ديفيد كومينغ، مدير الاستثمار لدى «أفيفا إنفستورز»، إحدى أكبر شركات إدارة الأصول في مركز لندن المالي، إنه «يشعر بعدم الارتياح إثر قرار إتش إس بي سي وستاندرد تشارترد».
وتقلق هذه القضية العديد من السياسيين في المملكة المتحدة وخارجها في مناخ من عدم الثقة تجاه بكين.
وكتب النائبان من حزب العمل ليزا ناندي وأنيليز دودز رسالة إلى البنكين ذكّراهما بمسؤوليتهما كمجموعتين تتخذ من لندن مقراً لهما.
وقالتا ملمحتين حتى إلى خطر المقاطعة، «لا ينبغي أن يكون مفاجئاً إذا تصاعد الموقف العام ضدّ إتش أس بي سي كرد فعل على قرار دعم التوسّع العدواني للحزب الشيوعي الصيني».
وبالمثل، شكك في موقف البنك النائبان المحافظان توم توغيندات وإيان دنكان سميث، المعروفان بموقفهما المتشدد تجاه بكين.
كما انتقد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو شخصياً قرار البنك.
وقال بومبيو «إن إظهار الولاء هذا لا يبدو أنه جلب الكثير من الاحترام لبنك إتش أس بي سي من جانب بكين التي تواصل استخدام أنشطة البنك في الصين كرافعة سياسيّة ضدّ لندن».