ليست ثورة بل مجسم مركب نتفاً
} غدير حمية
الثورة الحقيقية تقوم على أساس أهداف واضحة وقيم وطنية مثلى. ولكن عندما تنتفي هذه الأهداف أو تتداخل وتتشعّب، وحين تنتفي القيم، نكون أمام مجسّم مركب نُتفاً، من مشاريع متعددة، وغايات مختلفة.
الثورة بلا أهداف واضحة ورؤىً مجتمعية وقيادة واحدة غير متشرذمة لا يمكن إلا أن تكون مضيعة للوقت، هادمة لأساسات البلد واقتصاده. الثورة هي السعي الحثيث للتغيير الشامل وبناء لبنان جديد متميّز.
إنّ ما نشهده راهناً مجموع أشخاص يرفعون يافطة «الثورة»، ينتقدون هذا وذاك، يقدمون أنفسهم بأنهم لا طائفيين ولا مذهبيين… ولكن في ساعة الحقيقة يصفقون لأمراء الطوائف والمذاهب، ما يؤكد بأنّ الطائفية ترعاهم وهم من مطلب المدنية والمواطنية براء.
قال جبران خليل جبران «الثورة بدون حقيقة مثل ربيع أجرد أو صحراء قاحلة».. وفي لبنان لا حقيقة ثابتة.. هنا الثورة لا تتعدّى حفلة عشاء أو مقال أو لوحة زيتية.. هنا فتش عن النكات والسخرية.. هنا غاب التمرد وحلّت التبعية الطائفية التي تطيح بكلّ مسعى تغييري.
الطائفية في لبنان هي العمود الفقري للنظام الطائفي علة العلل في لبنان، لذا نرى أنّ هناك إصراراً على إبقاء الميدان الطائفي حامياً يتمّ إيقاظه كلما همدت نيرانه..
المضحك المبكي.. الشعارات موجودة، والخطابات تصاغ بلحظات، و»الأفكار» الثورية يتزاحم الكلّ على تبنّيها.. ويستسهلون استعمال مصطلح الثورة ومعجمها اللغوي.. لكن التنفيذ بعيد المنال، فاللغة في متناول الجميع.. المعضلة الأساسية في بلادنا تكمن في غياب السيادة والحكم الداخلي وفي تفشي فيروس الطائفية وغياب مفهوم المواطنة.
لا يمكن إسقاط نظام طائفي من دون تفكيك دعائمه، ودعائم النظام الطائفي في لبنان معروفة، وبمجرد أن ننظر إلى وظائف هذا النظام، ودوره في منع قيام دولة مدنية حقيقية، نعرف من هي القوى الخارجية الاستعمارية المسؤولة عن تأبيد النظام الطائفي.
علينا أن نعي أنّ الجوع لا يفرّق بين طائفة وأخرى، والطائفية لا تقوّي الليرة اللبنانية مقابل الدولار، ولا تؤمّن الوظائف ولا تحقق الإنماء ولا تحارب الفساد المستشري. الطائفية هي العصا السحرية التي تقسّم اللبنانيين وتجعلهم متنابذين.
أمّا الثورة الحقيقية، فهي التي ترسخ ثقافة المواطنة فعلاً لا قولاً، وتدفع باتجاه إحداث التغيير من خلال الضغط لإقرار قوانين عصرية، للأحوال الشخصية وللانتخابات النيابية. وبالمناسبة فإنّ انتخابات نيابية بموجب قوانين طائفية ومتخلفة، لن تحدث تغييراً، بل تؤبد النظام الطائفي القائم.
إنّ علّة لبنان بالطائفية، ولا خلاص من هذه العلة إلا بثورة حقيقية تحمل أهدافاً وطنية صرفة، وتعبّر عن قيم مجتمعية عمادها الاخلاق لا التفلت والشتيمة. عندها فقط نهزم الطائفية والفساد واإارادات الخارجية التي لا تنظر إلى لبنان إلا بوصفه مستعمرة لهذه الدولة الغربية أو تلك.