الأجهزة الأمنية ترصد تحركات معروفة بالأسماء والأمكنة التصويب على المقاومة حالة انعزال متجدّد في خدمة العدو…
} عمر عبد القادر غندور*
ليس مصادفة أن تطلّ الفتنة المذهبية برأسها يوم السبت الأسود بالتزامن مع الدعوة الى التظاهر في وسط بيروت وزجّ سلاح المقاومة كعنوان خلافي غايته شقّ صفوف المتظاهرين ضدّ الأوضاع الاقتصادية والحياتية والمعيشية والجوع الذي جمع اللبنانيين ولا يفرّقهم. وقد نفت الجهات الداعية الى التظاهر رفع شعار المقاومة وهو ما أدّى إلى صدامات بين المتظاهرين وأخطره السباب والشتائم الذي تناول رموزاً دينية.
إذن الاضطرابات ليست بنت ساعتها ونعتقد أنّ الأجهزة العسكرية والأمنية كانت على علم بالتحضيرات، وهو ما أدّى إلى ضبط التصادم وسط العاصمة، وهي أيّ الأجهزة الأمنية تملك تفاصيل وأسماء المولجين والمكلفين بإشعال الفتنة، واكتفت بالإعلان عن إلقاء القبض على أربعة مشاغبين من غير اللبنانيين، ورأت مصادر سياسية أنّ ثمة جهات خارجية تحاول عبر جهات داخلية استدعاء الحرب الأهلية، مشيرة إلى أنّ ما حصل أحدث صدمة كبرى لدى الطاقم السياسي بكلّ تداعياته وباتت المفاهيم خطيرة ما يحتّم التقاء القوى السياسية حول هدف واحد
هو إعادة تحصين البلد، وهو ما ألحّ عليه رئيس الجمهورية عندما قال: «الفتنة لن تكون في مصلحة أحد».
نحن نعتقد أنّ هذا الارتفاع في منسوب استشعار الفتنة لا يأتي من فراغ، وانّ اجتماعات وتحضيرات يجري الإعداد لها لتكرار ما حصل يوم السبت الماضي، وثمة معلومات خطيرة جرى تسريبها حول خلوات حصلت في مقرّ سفارة أجنبية وحضرها مسؤولون وحزبيون وإعلاميون وُزعت عليهم الأدوار ومن بينها شتم رموز دينية لاستجرار ردود فعل عنيفة تؤدّي إلى صدامات وفوضى وقطع طرقات، وهو المطلوب، ونعتقد أنّ الأجهزة الأمنية وصلتها هذه التسريبات كما وصلتنا، ونمتنع عن ذكر الأسماء، ونتمنّى ان لا تكون هذه التسريبات صحيحة، وباستطاعة الأجهزة الأمنية ان تعرف حقيقتها، ولكن المؤكد لدينا ان الأطراف والأدوات والعناصر اللازمة لإشعال الفتنة موجودة وهو ما أكده مصدر مسؤول لإحدى الصحف اللبنانية مفاده انّ المعلومات المتوافرة تؤشر الى تحضيرات لتكرار القيام بتحركات كالتي حصلت السبت الماضي. وأكد وزير الداخلية والبلديات أنه كانت لدينا مؤشرات أولية إلى إمكانية دخول طابور خامس على خط التظاهر لإحداث فتنة، وهذا ما حصل، مؤكداً انّ القوى الأمنية ممسكة بالأرض جيداً وهي على جهوزية تامة لحمل مسؤولياتها في حماية السلم الأهلي والاستقرار الداخلي.
وعلى سبيل المثال انّ الدراجات النارية المستفزة التي دخلت الى عين الرمانة لم تأتِ من الشياح أبداً، لا بل انّ أهالي عين الرمانة يتوافدون يومياً إلى أسواق الشياح للتبضّع وعددهم بالعشرات ويتنقلون سيراً على الأقدام بين شارعين يربط بينهما الجوار والجيرة ولا شيء يعكّر حياتهما سوى الزعران الذين يأتون من خارج عين الرمانة والشياح.
اما التعرّض للرموز الدينية على خلفيات مذهبية سيبطلها المسلمون سنة وشيعة لمخالفتها الدين والشرع والأخلاق تصديقاً لقول الله في القرآن الكريم «وَإِنَّ هَـذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) المؤمنون» وانصياعاً لقول رسول الله في خطبة الوداع: أيها الناس أنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا وكحرمة شهركم هذا، وانكم ستلقون ربكم فيسألكم أعمالكم إلا هل بلغت؟ ويخطئ من يظنّ انّ المسلمين في غفلة عما يُحاك ضدّهم ولن يتهاونوا مع الذين يستهدفون وحدتهم المنصوص عليها في القرآن والسنة، وبالأمس صدر عن اجتماع المجلس الشرعي في دار الفتوى ما يؤكد هذا التوجه اذ قال: هناك من يستغلّ التظاهر والمطالب الحيوية لإطلاق شتائم تمسّ ام المؤمنين السيدة عائشة لإشعال الفتنة المذهبية، ولا يسمح المسلمون ان تحصل فتنة مهما كلف الأمر.
وصرّح الرئيس سعد الحريري: أؤكد على وحدة المسلمين وأيّ انزلاق إلى مكان آخر يؤدي إلى تفتت لبنان ولن نسمح بذلك.
وهو الموقف عينه الذي أعلنه المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وحزب الله والرئيس نبيه بري والشخصيات انّ العبث باستقرار البلد والتطاول على الرموز الإسلامية لا بدّ من سحقه بحزم، وهو أمر لا يجوز التساهل معه، وان الوحدة خط أحمر وهدف نبيل، ويبقى خارج الطرح السياسي، ونتمنّى ان يلقى الذين يشتغلون على الفتنة ما يستحقونه من ردع وتأديب وإدانة وغضب…
إذن الفتنة المذهبية، ستكون بضاعة كاسدة نجسة وستواجَه بعزيمة واحدة ولن يكون وقودها إلا الفتنويون ومن يحركهم، وكما رأينا عشية السبت الماضي إجماع المراجع على رفض الفتنة وتسفيه من يعمل لها ويؤجّجها.
والآن، بعد الإضاءة الرسمية على انخراط مجموعات من اللبنانيين معروفة بالأسماء لم يتخذ ايّ قرار بحق هؤلاء؟ ولا يجوز تجهيل الفاعلين الذين اختفوا في محمياتهم الحزبية والطائفية، وهو ما دعا رئيس الحكومة حسان دياب للقول: انّ اهتزاز الاستقرار سيدفع ثمنه كلّ اللبنانيين وليس فريقاً واحداً، معتبراً انّ حماية السلم الأهلي مسؤولية وطنية لجميع القوى السياسية وليس فقط للحكومة، مؤكداً أن لا أحد يستطيع التنصل من المسؤولية في أيّ موقع كان، ما حصل يوم السبت الماضي هو جرس إنذار.
وعلى افتراض انّ الأجهزة الأمنية تملك من المعلومات ما يفوق المتداول؟ فلماذا لم تقم بتحرك استباقي؟؟
الأجهزة الأمنية لا تستطيع القبض على «إسرائيل» ولا الولايات المتحدة ولا السعودية ولا غيرها، ولكنها تستطيع مداهمة الأدوات وتوقيفها ولم تفعل.
انّ لبنان يغلي فوق صفيح ساخن سواء في السياسة والنقد والاقتصاد والبطالة وغلاء المعيشة ولا بدّ من مواقف استثنائية تلاقي التهوّر ومرحلة ما تبقى من ولاية الرئيس الأميركي ترامب وقانون قيصر، وقالت أميركا في الساعات الماضية إنها لن تسهّل أي مساعدات مالية للبنان من أيّ جهة بما فيها صندوق النقد الدولي، وتجدّد الحلم الأردوغاني على الحدود السورية التركية، وصولاً الى الشمال اللبناني والتدخل في ليبيا باعتبار الناس هناك أحفاد عمر الخيام واعتبار تركيا دولة محورية واقتناص فرصة التمزّق العربي واستعداد الاحتلال لضمّ الضفة الغربية، كلّ هذه الاستحقاقات لا يمكن ان يكون لبنان بمنأى عنها ولا بدّ من مواجهة تداعياتها بالوحدة الوطنية وتجميد خلافاتنا السياسية وتأمين قوت شعبنا في زمن التراجع الاقتصادي في أغنى دول العالم.
وأيّ تقاعس، فهو انعزال متجدّد غير مقبول وغير مبرّر ومشبوه في خدمة العدو.
*رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي