أين القطبة المخفية في موافقة الحكومة على المحاصصة في تعيينات لا تشبهها؟
} علي بدر الدين
لم يتوقع أكثر المتشائمين سرعة انهيار حكومة «مواجهة التحديات» والارتماء في أحضان الطبقة السياسية الحاكمة فعلياً منذ ثلاثة عقود والاستجابة الفورية لنهج الفساد والمحاصصة المعتمد منذ ذلك التاريخ والوقوع في الفخ المنصوب للحكومة التي فوّتت فرص ولوج الحلّ وانطلاق قطار الإنقاذ على مدى أكثر من أربعة أشهر على تشكيلها لاعتمادها خيار الصمت على ارتكابات الفساد والتحاصص ماضياً وحاضراً وسياسة الحياد والنأي بالنفس عن سلوك الطبقة السياسية وأدائها التي نجحت في مناوراتها وألاعيبها السياسية والطائفية والمذهبية وهي المتمرّسة جداً فيها وتملك من الخبرة والحنكة والدهاء ما يكفي لليّ الأذرع ولاستجرار من تريد إلى ملعبها من دون أن يصرخ أو يتألّم أو حتى يشعر بالمهانة والذلّ.
هذه الطبقة السياسية أو بعض منها مارس سياسة النعامة والطاعة البريئة عند تشكيل الحكومة الجديدة وأغرقها بالوعود والشعارات الفضفاضة، وفتح آفاق العمل والإنتاجية ومن دون التدخل في شؤونها والقرارات التي تتخذها للمباشرة بالإصلاح وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهي تدرك أنّ المهمة شاقة ومعقدة وتحتاج إلى معجزة ولكن ولى زمانها.
ويبدو أنّ رئيس الحكومة حسان دياب صدّق ما وعدته به الطبقة السياسية أو بعض منها التي سمّته وسهّلت له عملية التشكيل واعتمد معها حسن النوايا، فأطلق العنان لقرارات ومواقف جريئة ولوعود غير مسبوقة بالإصلاح المنتظر، وبأنّ الآتي من غد لبنان سيكون أفضل معدّداً ما حققته حكومته من إنجازات لم يعرف منها اللبنانيون سوى نسبها المئوية. ولكن اللبنانيين لم ييأسوا أو يفقدوا الأمل برئيس الحكومة ووعوده ومناقبيته وصفاء نواياه وجدّيته في تحمّل أمانة المسؤولية لأنهم توقعوا الكثير المفيد لهم وللوطن، ولأنّ الحكومة قد تكون الأمل الوحيد والأخير قبل الوقوع في الوادي السحيق. ولأنّ رئيسها قال في إحدى جلسات مجلس الوزراء بعد سحب بند التعيينات المالية إنّ ما حصل في بند التعيينات يخالف قناعاتي ومنطلقاتي وتوجهاتي. هذه التعيينات بالطريقة التي تحصل لا تشبهنا جميعاً كحكومة تكنوقراط… وعند التحضير للتعيينات قرّرنا اعتماد المعايير الأكاديمية فقط وليس وفقاً لحسابات المحاصصة السياسية.
إنّ الحكومة أخطأت كثيراً عندما اعتمدت تطيير أو تأجيل حسم ملف التعيينات مجاملة لبعض القوى السياسية الموالية أو لاعتقادها انّ الهروب منها والرهان على الوقت ودخول الوسطاء الأوادم على خط المعالجة قد يحسم الحلّ لصالح الحكومة وبدلاً من أن تكحّلها أعمتها لأنّ الوقت لم يصبّ في صالحها، وأكثر من ذلك فإنها خدعت من أقرب المقرّبين، وربما تكون قد تورّطت بالموافقة على التعيينات المالية التي رفض رئيس الحكومة قبولها لأنها لا تشبه حكومته التكنوقراط.
وليس سراً القول إنّ الحكومة بدأت تفقد هويتها وشخصيتها وهيبتها منذ عدم إقرار التشكيلات القضائية التي لا تزال عالقة وعندما لم تنفذ وعودها وقراراتها الإصلاحية في موعد المئة يوم التي عبرت وخاصة عدم قدرتها على دخول مغارة الفاسدين والحرامية أو الكشف عن فاسد واحد من اعلى الدرج أو أسفله وعندما تراجعت عن قرارها برفض محطة سلعاتا وما يخفى قد يكون أخطر لأنه لا يُعقل أن تنسف الحكومة مضمون بيانها الوزاري ومواقف رئيسها الشجاعة التي صفق لها معظم اللبنانيين وصدّقوها وراهنوا عليها بهذه الطريقة والسهولة ومن دون حساب لما قد يحصل من تداعيات اقتصادية ومالية ومعيشية وردود فعل الشعب التي أطاحت تعيينات المحاصصة كلّ أمل له بالخلاص من الطبقة السياسية الحاكمة التي أوغلت في فسادها وقسوتها واستبدادها، وإذا بها تطلّ برأسها وتحتفل بإنجاز التعيينات وفق ما تريد وغصباً عن الشعب المعارض لسياستها الإلغائية والزبائنية التي تحرم أصحاب الكفاءة والنزاهة من حقهم في أن يكونوا في الموقع الذي يستحقونه عن جدارة واقتدار ومشروعية!؟