عن الأمين أسد الأشقر وبعض من ذكريات
ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ هذه الصفحة صبيحة كل يوم سبت، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.
إعداد: لبيب ناصيف
عن الأمين أسد الأشقر وبعض من ذكريات
الأمين سعيد معلاوي
الأمين سعيد معلاوي غنيّ عن التعريف، صحافياً(1) ومنفذاً عاماً ورفيقاً مناضلاً له حضوره اللافت في مناطق حاصبيا، راشيا ومرجعيون.
منه هذه الكلمة، ننشرها مع شكرنا لحضرة الأمين، آملين منه أن يكتب لنا ما يعرف عن الرفيق فؤاد دياب، الذي تولّى في إحدى المراحل مسؤولية منفذ عام مرجعيون، وعن الرفيق مزيد سليم العيسمي الذي كان يتولّى مسؤولية مدير مديرية ميمس حينما زارها الأمين أسد الأشقر.
ل. ن.
* * *
«عندما كنت في العاشرة منخرطاً في صفوف أشبال الحزب السوري القومي الاجتماعي، حضر إلى بلدتنا ميمس في قضاء حاصبيا رئيس الحزب آنذاك الأمين أسد الأشقر، وكان نائباً عن منطقة المتن الشمالي في الندوة البرلمانية في العام 1957، فلقي استقبالاً حافلاً من قِبل القوميين الاجتماعيين والمواطنين، وبعد التباحث في الشأن الخاص والعام سألهم عن حاجتهم الأكثر إلحاحاً ليسعى إلى تحقيقها للبلدة، فأجمعوا على بناء مدرسة رسمية، لأنّ لا وجود لأي بناء مدرسي رسمي في منطقة حاصبيا، فكان لهم ما أرادوا خلال سنة تقريباً، وسبق ذلك اللقاء إلقاؤه كلمة بالمناسبة في منزل مدير المديرية مزيد سليم العيسمي تردّد صداها لردح طويل من الزمن.
أما المحطة الثانية سأرويها بتفاصيلها، ففي كانون الأول من العام 1965 انخرطتُ في قوى الأمن الداخلي، فخضعت أولاً للتدريب العسكري لمدة أربعة أشهر في ثكنة القبة في طرابلس، وكان النقيب رفيق الحسن آمراً لهذه الدورة يساعده الملازم الأول سامي منقارة، وبعد أن أنهينا الدورة العسكرية انتقلنا إلى معهد قوى الأمن على خط النهر في بيروت لنخضع إلى أربعة أشهر أخرى للعلم الإداري، ومن ثم ننتقل إلى الفوج السيار في منطقة فردان في رأس بيروت.
في إحدى المهمات فُصلت إلى مستشفى أوتيل ديو لأكون حارساً على الغرفة التي يقيم فيها، ولأسباب صحيّة السجينان الأمين أسد الأشقر والرفيق الملازم الأول علي الحاج حسن. عندما وصلت إلى هناك وقدمت نفسي لهما على أنّني أحد أبناء هذه النهضة رغم أني لم أكن منتمياً إلى صفوف الحزب، إلا أنني كنت منتمياً للعقيدة قبل ذلك بسنوات، وأثناء وجودي في باحة المستشفى بين الأشجار هناك إذ بسيارة جاغوار تقودها إحدى الصبايا، فشعرت بأنها من بيت الأشقر، فلمّا لم تجد مكاناً لإيقاف سيارتها، تقدّمت منها وطلبت إليها أن تترك مفتاح السيارة فيها وتصعد إلى غرفة الأمين أسد، ليتبيّن لي أنها ابنته أمل بعد أن أدركت بأنني من أبناء الحياة. وفي اليوم التالي، جاءت عقيلة الأمين أسد الرفيقة أم غسان رؤوفة الأشقر فسهّلت دخولها إلى الغرفة من دون أية إجراءات، كما كان يحصل معها في السابق، وبعدها علمت بأنني من (الأبرشية)، ومنذ ذلك اليوم ولمدة وجودي في أوتيل ديو أصبحت تأتينا يومياً ثلاث وجبات من الطعام بدل اثنتين. عدت بعدها إلى الفوج السيار لأقدّم استقالتي في تشرين الأول من السلك العسكري، ولمّا وصلت إلى قائد الفوج السيار في حينه المقدم هشام قريطم استدعاني على الفور، وقفت أمامه وأدّيت له التحية العسكرية، فقال أريد أن تجيبني على سؤال واحد وبشفافية وهو: من كتب لك هذه الاستقالة؟
أجبته: بشرفي العسكري أنّني كتبتها الآن في غرفتي. فقال: هل تعلم أنّه لو أراد أن يستقيل رئيس الوزراء رشيد كرامي لا يمكن له أن يكتبها بهذه الصيغة، مما سسيجعلني مضطراً إلى رفعها إلى المدير العام محمود البنا مع الموافقة عليها، وأضاف: يعز عليّ أنّ عناصر مثقفين مثلك أن يتركوا السلك، وبالفعل رفعها إلى المديرية العامة. غابت هذه الاستقالة حوالى نصف سنة، مما دفعني إلى التوجه إلى المديرية العامة قرب أوتيل ديو متوجها إلى مكتب المقدم الشاعر جميل ذبيان لأضعه في صورة ما أنا فيه، فرفع سماعة الهاتف على الفور واتصل بأمين السر في هذه المديرية النقيب حنا أبو شقرا طالباً منه الاهتمام، فرد أبو شقرا قائلاً: إنّ! حظ معلاوي يفلق الصخر، لأن استقالته هي أمامي الآن، وهي البند الأول على جدول أعمال الجلسة غداً (وتكرم حضرة المقدم). وفي اليوم التالي عند الثالثة مساءً، أُبلغت بتسريحي وسلّمت أغراضي وغادرت إلى الحرية في الخامس من حزيران يوم بدأت الحرب العربية – الإسرائيلية في العام 1967.
ويبقى أن التدريب العسكري والإداري خلال ثمانية أشهر أهّلاني لأن أكون ناظراً للتدريب في منفذية حاصبيا – مرجعيون إلى جانب كل من المنفّذين العامّين الأمين جورج معلوف(2) والأمين حبيب كيروز(3) والرفيق فارس زويهد(4) والرفيق فؤاد ذياب لردح طويل من الزمن «.
هوامش:
1 – لعلّ أبرز ما قام به الأمين سعيد معلاوي في الفترة الطويلة التي خدم فيها الصحافة اللبنانية، هو عندما رافق مخيم المُبعدين من الجنوب السوري إلى منطقة «مرج الزهور»، وقد وثّق ذلك بكتاب مرجع كنت أشرت إليه في نبذة خاصة (مراجعة موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info) وننصح بالإطلاع عليه لما فيه من مزايا البطولة والتفاني والتعاضد، ومن الكثير من المواقف الرائعة التي سطرها المبعدون طيلة الأشهر من الحرمان والعذاب، رافقهما تحدٍّ وثبات عزّ نظيرهما.
2 – الأمين جورج معلوف: للإطلاع على النبذة المعمّمة عنه الدخول إلى الموقع المشار إليه آنفاً.
3 – حبيب كيروز: منفذ عام كسروان، عميد الإذاعة، عضو المجلس الأعلى، إلى مسؤوليات ومهمات حزبية شتى، الشهيد.
4 – فارس زويهد: كتبت عنه، ويصحّ أن أكتب أكثر، وأن يكتب عارفوه من الرفقاء في حاصبيا، الضاحية الشرقية، جديتا وفي أمكنة أخرى، لما تميّز من حضور لافت. مراجعة الموقع المذكور آنفاً.