الانتخابات النيابية المبكرة ليست الحلّ…
} عفيف قاووق*
عاد الحديث مؤخراً للمطالبة بانتخابات نيابية مبكرة، ومن يُنادي بهذا المطلب يُراهن على التغيير الذي أحدثه حراك 17 تشرين الأول في المزاج العام للناخب اللبناني في مختلف المناطق والتيارات السياسية، مُشيراً إلى الاستطلاع الأخير الذي أجرته الدولية للمعلومات بين 21 و27 نيسان 2020 لرأي عيّنة من الناخبين من مختلف المناطق والطوائف والفئات العمرية حول خياراتهم في حال جرت انتخابات نيابية الآن. حيث ذكـر 47.4% من المستطلعين الذين كانوا قد شاركوا في الانتخابات النيابية في العام 2018 أنهم سيعاودون الاقتراع للجهة ذاتهـا التي اقترعـوا لهـا في حال إجراء انتخابات نيابية مبكرة.
والنقطة الثانية التي يرتكز عليها أصحاب هذا الرأي تقول إنّ نسبة الذين اقترعوا في الانتخابات في عام 2018، بلغت 49.68 في المائة من الناخبين. بما فيهم من اقترع بورقة بيضاء أو لمصلحة لوائح ما اصطلح على تسميته بلوائح المجتمع المدني. وعليه فإنّ هذا الفريق يرى أنّ الانتخابات، حتى ولو تمّت على القانون الحالي، لا بد من ان ترتفع نسبة المشاركة في الإقتراع التي من المتوقع أن تحمل عدداً لا بأس به من النواب الذين يمثلون تطلعات المجتمع المدني.
وبنظرة متأنيّة فإنّ منطق الأمور يقودنا إلى أنّ الانتخابات المبكرة، لكي تجرى، يجب أولاً ان يصدر قانون من المجلس النيابي بتقصير مدة ولايته وهذا لم يحصل بل سقط اقتراح مشروع قانون يدعو إلى ذلك في الجلسة التشريعية الأخيرة. مما يعني إقفال الباب أمام هذا الخيار. وهذا قد يكون لصالح الحراك إذا عرف القيّمون عليه كيفيّة إستثمار الفترة الزمنية التي تفصلنا عن موعد الانتخابات النيابية القادمة. فلا يكفي أن يعتمد من ينادي بتقريب موعد الانتخابات إلى جزئية واحدة من إستطلاع الرأي المشار إليه بل ينبغي دراسة النتائج برمّتها لهذا الاستطلاع والتي جاءت كما أسلفنا 47.4% سيعاودون الاقتراع للجهة ذاتهـا، 27 % سيقترعون لجهة أخرى. وما نسبته 25% توزّعت آراؤهم ما بين مُقاطع ومُتريّث. هذه النسب إذا تمّ الاعتماد عليها كمنطلق لإجراء انتخابات مبكّرة فإنها بأحسن الأحوال سترفد المجلس النيابي الجديد بعدد متواضع من النواب خارج التموضع السياسي الحالي. ويكون تأثيرهم وقدرتهم على التغيير محدودة إلى أبعد الحدود. ويتمّ تكريس مجلس نيابي جديد وبأغلبية موصوفة تنتمي إلى نفس الطبقة السياسية ونكون بذلك قد أخّرنا حتى لا نقول قد خسرنا أيّ فرصة أو أمل بالتغيير.
يجب مقاربة الأمر بعقل بارد بعيداً عن الحماسة والغوغائية التي تنعكس سلباً على من يعتمدها. والاعتراف بأنّ موازين القوى الحالية – إذا جاز التعبير – ليست لصالح قوى التغيير، فجُلّ ما تملك هذه القوى – دون الغوص في لعبة الأحجام – هو التظاهر في الساحات وإسماع الصوت المعترض في مقابل الدولة العميقة بمؤسسات لا تزال قائمة بجميع أدواتها التنفيذية. وليس أدلّ على ذلك ما جرى مؤخراً من تعيينات تحاصصية وتخبّط في مقاربة الأمور. وبالتالي يجب على قوى الحراك الشعبي أو الانتفاضة العمل الجدي على بناء رأي عام فاعل، وتنظيم الصفوف وتوحيد الخطاب مع تحديد الأهداف والبرامج بشكل واضح. والعمل على خلق مجموعات فكرية وسياسية حتى تستطيع إحداث التغيير المأمول بخوض المعركة الانتخابية بشكل مريح ومختلف تماماّ عن الذي شهدناه في انتخابات العام 2018 عندما تصارعت لوائح ما اصطلح على تسميته بالمجتمع المدني في ما بينها وكانت النتيجة مخيّبة لهم جميعاً. لذا لا بدّ من إيجاد قيادة مركزيّة موحدة لهذه المجموعات والهيئات التي نشأت نتيجة حراك 17 تشرين الأول والعمل على إزالة التباين الحاصل في ما بينها لناحية أولوياتها والشعارات التي تُرفع. فإذا تمكنت هذه المجموعات من توحيد خطابها وبلورة رؤيتها لكيفية الخروج من أزماتنا المتعددة، فإنها بلا شكّ ستتمكن من استقطاب المزيد من المواطنين الراغبين بالتغيير. خاصة إذا أخذنا بالاعتبار أن معظم الأحزاب والتنظيمات السياسية –وبإعتراف الجميع – قد تشظّت وفقدت شيئاً من بريقها، أولاّ بفعل الحراك الشعبي ألذي سلبها جزءاً من جمهورها، وثانياً وهذا هو الأهمّ أنّ معظم قيادات هذه الأحزاب والتيارات قد شاخت وإنّ عمليات التوريث السياسي سابقاً ومستقبلاً ليست على المستوى الذي يؤهّلها للإمساك بزمام الأمور، ويكفي لتأكيد ذلك مراقبة الأداء المضطرب لهذه القيادات «البديلة والمحتملة»، وبدأنا نشهد بروز مراكز قوى معلنة ومستترة داخل كلّ منها تنمو وتتصارع في ما بينها وهذا من شأنه تشتيت القواعد الجماهيرية لهذه الأحزاب ويسمح بهامش أوسع لقيام حيثيات سياسية مستقلة بعيدة عن أيّ اصطفاف مذهبي او مناطقي. دون ان نغفل أيضاً خيبة الأمل والإحباط الذي إعترت غالبية الجمهور الحزبي من عدم وفاء قياداته بالتعهّدات والوعود التي قطعت، والتي كانت بمثابة رشوة مؤجلة لكسب أصواتهم في انتخابات العام 2018.
الرهان يبقى على استنهاض الوعي السياسي للمواطن بعد أن تمّ الحجر على هذا الوعي تحت مسمّيات وهواجس مختلفة لتكبيل ومصادرة إرادته والتي جعلته وللأسف يكرّر ارتكاب نفس الخطأ بالتصويت غرائزيّاً للطائفة والمذهب والزعيم ويساهم بإعادة إنتاج نفس الطبقة السياسية التي أوصلتنا لحافة الإنهيار.
ختاما ولكي لا تذهب الجهود سدى من هذا التحرك الشعبي غير المسبوق يجب ان توضع الدعوة إلى انتخابات مبكرة جانباً، وتنصبّ الجهود كما أسلفنا، للعمل قدر الإمكان على توحيد الخطاب السياسي والمطلبي ونبذ الشعارات الخلافية. والاستعداد للاستحقاق النيابي المقبل برؤية واضحة وموحّدة. وإذا تمّ ذلك فإنّ التغيير بلا شك سيكون واقعاً لا محالة في مختلف المناطق، وإنْ كان بنسب متفاوتة بين منطقة وأخرى. وإنّ الطبقة السياسية بمختلف أطيافها ستتأثر ولو بنسب متفاوتة أيضاً، حتى لو أجريت الانتخابات وفق القانون الحالي. كلّ ما تقدّم يبقى في إطار التمنيات إذا لم تتوحّد صفوف الحركة الشعبية وبقيت الـ «أنا» هي الغالبة على كلّ تحرّك.
*ناشط إجتماعي