أحداث أميركا ومستقبل ترامب…
د. جمال زهران*
لا شك في أنّ ما حدث ولا يزال مستمراً، من تمرّدات وانتفاضات شعبية أميركية في كلّ ولايات أميركا الخمسين، بل في العاصمة واشنطن وأمام البيت الأبيض، على مدار الأسبوعين الماضيين، إثر حادث مقتل مواطن أسود، هو: (جورج فلويد)، من قبل شرطي عنيف أمسك رقبته بقدمه حتى الموت، هو من أكبر الانتفاضات التي وقعت في أميركا منذ نشأتها في أواخر القرن الثامن عشر، على يد جورج واشنطن. فقد تقع بعض الأحداث الغاضبة، نتيجة سوء معاملة الشرطة الأميركية لبعض المواطنين، خصوصاً السود منهم! إلا أنها تستمرّ ساعات أو أياماً محدودة، وتنتهي بإجراء من الإدارة الأميركية. وكان من أكبر ما حدث من انتفاضات، في عهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون، حيث صدر حكم قضائي كان قاسياً ولا يتفق أو يتوازى مع الجرم، على مواطن أسود في كاليفورنيا في التسعينيات من القرن العشرين، وكانت هيئة المحكمة كلها من أصحاب «الوجوه البيضاء» فوقعت المظاهرات العنيفة، من تكسير وتخريب ونهب، للمحكمة ومحيطها، شملت الولاية كلها، رافعة شعار رفض هذا الحكم وضرورة إلغائه. ولم تتوقف هذه المظاهرات العنيفة، إلا بقرار رئاسي من كلينتون، بإلغاء هذا الحكم، واعتباره كأنه لم يكن، وإعادة محاكمته أمام دائرة أخرى، برّأت المواطن. وقد كان ذلك التدخل الرئاسي، رسالة لكلّ المؤسسات بضرورة إعمال مبادئ العدالة وعدم ظلم السود، وضرب التمييز العنصري، وتوقفه فوراً!
وقد لوحظ أنّ هذه الانتفاضة الحالية، من أكبر الانتفاضات التي شهدتها أميركا منذ الحرب الأهلية التي استمرت سنوات، حتى توحّدت كل الولايات، وذلك من حيث الفترة الزمنية، ومن حيث الانتشار في كل الولايات، وليس في ولاية واحدة، ومن حيث حجم الخسائر الضخمة، ومن حيث التداعيات، حتى أنها شملت كل المجتمع ضد التمييز العنصري، ولم تقتصر على أصحاب الجباه السوداء، بل شملت كل الوجوه بألوانها، وكل الفئات بأديانها. كما أنّ اللافت للنظر أنّ هذه الانتفاضة الكبرى، تضمّنت إشارات وصلت إلى تصريحات رسمية إلى العصيان المدني من قبل حكام بعض الولايات على الرئيس الأميركي، والوصول إلى حدّ الإعلان عن الانفصال عن الاتحاد، وإعلان الاستقلال! وشهدنا كلّ ما كان محرّماً من الحديث قولاً أو فعلاً، لدرجة أنّ بعض العمُد اتخذوا قرارات عكس قرارات الرئيس، وهو ما يحدث للمرة الأولى.
والسؤال هنا: ما هو انعكاس ما يحدث على مستقبل ترامب؟ بل ما هو انعكاس ذلك على مستقبل أميركا ووحدتها؟!
فقد كثر الحديث عن قرب تفكك أميركا وانتهاء حقبة الولايات المتحدة، وأن سيناريو التفكّك الذي شهده الاتحاد السوفياتي في نهاية عام 1991، هو ما ستشهده الإمبراطورية الأميركية كما شهدته بالضبط الإمبراطورية السوفياتية. كما كثر الحديث عن أنّ ظاهرة ظهور ترامب، هي الظاهرة ذاتها التي أظهرت من قبل ميخائيل غورباتشوف بنهاية مارس 1985، فكان كلّ همّه تفكيك الاتحاد السوفياتي بالانسحابات المتتالية والانكفاء على الذات وطرح وثيقتي (الغلاسنوست والبيروسترويكا)، بمعنى المكاشفة، وإعادة البناء! وخلال 6 أعوام (1985 – 1991)، تفكك الاتحاد السوفياتي، واختزل في دولة روسيا العظمى، من بين 15 دولة كان يضمّها هذا الاتحاد السوفياتي. والآن وبعد مرور ما يقرب من 4 سنوات من تولي دونالد ترامب حكم أميركا، فبدأ بالانسحابات الأميركية من الاتفاقيات والمناطق، وغيرها، وتغيير السياسات والاستراتيجيات الأميركية، واستعداء الأصدقاء، وخلق أعداء جدد، ثم انتهاج سياسات التمييز العنصري منذ بداية توليه في 20 كانون الثاني/ يناير 2017! فكانت النتيجة هو تعرّضه للعزل في مجلس النواب، وأنقذه مجلس الشيوخ! ثم فوجئ بنتائج أعمال سياساته الداخلية، في الشارع الأميركي الذي تفجر ضدّه على خلفية اغتيال وقتل عمدي لـ جورج فلويد «الأسود»!
في ظلّ ذلك، هل لترامب مستقبل في الاستمرار في حكم أميركا لمدة ثانية 4 سنوات أخرى، تنتهي في كانون الثاني/ يناير 2025؟!
هناك سيناريوان عند الإجابة على هذا التساؤل:
الأول: توقع نجاحه، الأمر الذي يؤدي إلى استمرار سياساته الداخلية والخارجية، والنتيجة هو تفكيك الولايات المتحدة، وانتهاء الإمبراطورية الأميركية ودورها العالمي، ودخول النظام الدولي في مرحلة جديدة، حيث محدودية التنافس الدولي بين الصين وروسيا من جانب ولهما الغلبة، وبين الاتحاد الأوروبي الذي يدخل مرحلة التفكك نتيجة تفكك المركز، المتمثل في الولايات المتحدة الأميركية.
الثاني: هو التوقّع بفشله في الانتخابات، خاصة بعد فشله في إدارة أزمة كورونا، والانتشار الأفقي لهذا الوباء في أميركا كلها (بلغت الإصابات حتى تاريخه أكثر من 2 مليون إصابة، 115 ألف وفاة)، وفشله في مواجهة الانتفاضة الشعبية الأميركية واحتوائها، حيث إن الشارع الأميركي انقلب عليه، وتآكلت شرعيته ورصيده الشعبي. وقد يرتب رحيله من الحكم وفشله في الانتخابات إلى صعود الديمقراطيين، وعودة استراتيجياتهم الناعمة، فيتأجّل تفكك الولايات المتحدة إلى موعد آخر، رغم أنه حتمي، ولكنه التوقيت… لا أكثر! ويتأجّل انتهاء الدور العالمي لأميركا رغم أنّ هذا الدور دخل مرحلة الأفول أيضاً.
وفي تقديري، فإنّ السيناريو الثاني، بفشل ترامب في الفوز بمدة ثانية هو الأرجح، لأنّ الرأسمالية المتوحشة ربما تزيحه حفاظاً على استمرارها متحكمة في النظام الاقتصادي العالمي، خاصة بعد أزمة وباء كورونا الذي لم يتوقف بعد، وليس مرجحاً الانتهاء منه قريباً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.