تصعيد عسكريّ بين الصين والهند ومحاولات للتهدئة
تبادلت نيودلهي وبكين الاتهامات حول مسؤولية افتعال المواجهة العنيفة، الأولى منذ 45 سنة بين الدولتين الأكثر اكتظاظاً في العالم، مع تأكيد البلدين رغبتهما في حل سلمي للأزمة.
وشهدت منطقة لاداخ في وادي نهر غالوان على الحدود بين الصين والهند، مساء 15 حزيران الحالي، اشتباكات حادة بين عناصر في قوات البلدين أعلنت إثرها الهند من مقتل 20 عسكرياً في جيشها، وسط أنباء عن سقوط 43 صينياً بين قتيل وجريح.
في هذا الصدد، أعربت روسيا عن أملها في أن «تجد الصين والهند سبلاَ مقبولة لكلا الطرفين لتسوية التوتر الحالي»، بعد وقوع اشتباكات عنيفة بين قواتهما في المنطقة الحدودية، في أخطر تصعيد بينهما منذ 5 عقود.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في مؤتمر صحافي عقدته أمس: «نتابع عن كثب تطورات الأوضاع في منطقة السيطرة العملية التي تفصل بين الصين والهند».
وأضافت زاخاروفا: «نأمل في أن تتمكن الدولتين، باعتبارهما عضوين مسؤولين في المجتمع الدولي، من إيجاد سبل مقبولة لكلا الطرفين لتسوية التوتر الحالي بأسرع وقت ممكن من خلال استخدام الآليات المرتبة للحوار الثنائي بالتطابق مع الاتفاق السياسي حول منع حدوث أعمال عنف بينهما».
من جهة أخرى، أكدت زاخاروفا أن «روسيا والصين والهند تخطط لعقد اجتماع افتراضي على مستوى وزراء الخارجية في إطار عمل مجموعة (ريك) التي تضم هذه الدول الـ3 يوم 23 حزيران، لمناقشة التوجهات الحالية في الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية والقطاع المالي في ظل جائحة فيروس كورونا، وكذلك لتحديد آفاق التعاون المشترك لتجاوز الأزمة الحالية الناجمة عن انتشار المرض.»
من جهتها، اتهمت وزارة الخارجية الهندية الصين بـ»محاولة زعزعة الوضع الحالي في المنطقة الحدودية».
وأعلنت الخارجية الصينية أنها «سلمت الهند مذكرة احتجاج على الحادث»، بينما قالت مصادر دبلوماسية إن «الجانبين ينويان عقد اجتماع لحلحلة هذا التصعيد الذي أسفر»، حسب ما ذكره الإعلام الصيني، عن سقوط قتلى بين صفوف كلا الطرفين.
بدورها، أكدت وزارة الدفاع الصينية سقوط ضحايا جراء «الاشتباك بالأيدي» دون توضيح هويتهم، واتهمت الهند بالتخطيط لشن «هجوم استفزازي».
فيما توعّد رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، الصين بـ»رد حاسم على أي استفزاز»، على خلفية الاشتباك الدموي الذي أودى بأرواح 20 عسكرياً هندياً على الأقل في منطقة حدودية غرب جبال الهيمالايا.
وخاطب مودي في كلمة ألقاها أمس، خلال اجتماع عقده مع الوزراء الكبار في 15 ولاية هندية، عوائل العسكريين الهنود الذين راحوا ضحية الاشتباك الذي وقع الاثنين الماضي في وادي غلوان بمنطقة لداخ الحدودية، بالقول: «الدولة بأكملها تقف معكم اليوم، وتضحيات شهدائنا لن تذهب هدراً».
وشدّد رئيس الوزراء على أن «ضمان وحدة البلاد وسيادتها لا يزال على رأس أولويات حكومة نيودلهي»، وتابع متوعّداً الصين: «الهند تتطلع إلى السلام، لكننا سنردّ بحزم على أي استفزاز».
وأعلن الجيش الهندي أول أمس، عن «مقتل 20 على الأقل من عسكرييه، بينهم ضابط برتبة عقيد، جراء الاشتباك»، مؤكداً أن «الجيش الصيني تكبّد خسائر أيضاً»، لكن بكين لم تعلن عنها بعد.
في الأثناء، سعت كل من الصين والهند أمس، إلى التهدئة لنزع فتيل الأزمة بعد الاشتباك مسلح في منطقة الهيملايا المتنازع عليها بين الهند والصين، حيث لا يزال التوتر العسكري على أشده.
وأجرى وزيرا خارجية الهند والصين، سبرحمانيام جيشنكار، ووانغ يي، أمس، مكالمة هاتفية اتفقا فيها على «الالتزام بالاتفاقات السابقة المبرمة بين الطرفين» بغية منع استمرار التصعيد، لكن ذلك جرى مع تحميل الطرفين أحدهما الآخر مجدداً المسؤولية عن الحادث الدموي.
وتأتي هذه التطورات في المنطقة التي تشكل منذ عقود موضوع نزاع حدودي بين الهند والصين، تحول عام 1962 إلى حرب بين الدولتين.
وشهدت الحدود بين الصين والهند تصعيداً في حدة التوتر في الآونة الأخيرة، وتواجه قوات الدولتين بعضها البعض منذ أوائل أيار الماضي في مواقع عدة في منطقة لداخ.
على الصعيد الأممي، أعلن نائب المتحدث باسم الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، فرحان حق، أمس، بأن «المنظمة تدعو الهند والصين إلى الحفاظ على أقصى درجات ضبط النفس».
وقال حق، في مؤتمر صحافي: «أوضحنا بأننا قلقون بشأن تقارير حول العنف والقتل على خط السيطرة الفعلية (في منطقة الحدود بين البلدين). نحثّ الجانبين اتباع أقصى درجات ضبط النفس».
وأشار إلى أن «الأمم المتحدة لاحظت أيضاً بارتياح تقارير تفيد بأن الدولتين تتعاونان من أجل تهدئة الوضع».
فيما تحادث وزيرا خارجية الصين والهند هاتفياً بعد ظهر أمس، واتفقا على «خفض حدة التوتر على الأرض والحفاظ على السلام والهدوء في المناطق الحدودية»، بحسب بيان لبكين.
وفي بيانها تعقيباً على هذه الدعوة دانت الحكومة الهندية «عملاً مخططاً له عن سابق تصوّر وتصميم من قبل الصين» وأوضحت أن «وزيري الخارجية اتفقا على عدم الإقدام على أيّ خطوة قد تؤجج التوتر في لدخ».
ودارت مواجهات عدة بين الجيشين على طول حدودهما المتنازع عليها منذ أسابيع، خصوصاً في لدخ وأرسلا تعزيزات. واتفقا قبل 10 أيام على خفض حدة التوتر في بعض المناطق المتنازع عليها.
ونشرت الهند أمس، مئات العسكريين في المنطقة التي وقع فيها الاشتباك وأكد رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي أن «مقتل الجنود الهنود لن يكون عبثاً».
وأعلنت مصادر أمنية في المنطقة أمس، أن «طائرات شحن عسكرية هندية حطت طوال الليل في مطار ليه في حركة ليلية غير اعتيادية لعاصمة لدخ».
وأضافت المصادر أن «المئات من العناصر الهنود الشبه عسكريين ارسلوا إلى مناطق قريبة من سهل غلوان مسرح أعمال العنف».
وخلال المؤتمر الصحافي اليومي وصفت الخارجية الصينية الوضع على الأرض بأنّه «مستقر».
وتحدثت الهند عن ضحايا «لدى الجانبين» لكن الصين لزمت الصمت بشأن احتمال سقوط ضحايا في صفوف قواتها.
وتدور بين الهند والصين نزاعات قديمة حول الأراضي في لدخ وأروناتشال براديش (شرق).
وازدادت المواجهات في المناطق الجبلية بين الجيشين الهندي والصيني في السنوات الأخيرة وهو ما تفسّره إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه «دليل على عدائية صينية متنامية في آسيا».
وقال أبراهام دنمارك مدير برنامج آسيا في مجموعة «ويلسون سنتر» الأميركي، «إننا بعيدون عن الحرب العالمية الثالثة لكنه وضع متوتر جداً وخطير بين دولتين عظميين نوويتين في الوقت الذي تراجع فيه النفوذ الأميركي في المنطقة».
ويعود آخر اشتباك عنيف بين جنود هنود وصينيين إلى 1975 عندما قتل أربعة جنود هنود في أنوراتشال براديش. ومذاك لم تطلق أي رصاصة فوق الحدود الهندية – الصينية.
وخاض البلدان حرباً خاطفة في 1962 استولت فيها الصين على أراضٍ من الهند. وأعقبت ذلك اشتباكات أوقعت قتلى في 1967.