محور الممانعة والحرب الناعمة
} د. علي سيد
يتبادر إلى ذهن أيّ عاقل سؤال وجيه: لماذا نشهد منذ فترة انهيار العملة اللبنانية والسورية والإيرانية والفنزويلية (العراق سائر بهذا الاتجاه بانتظار ما ستؤول إليه حكومة الكاظمي) عنوةً عن باقي دول العالم، بالإضافة إلى حرب اقتصادية شرسة، وأخيراً وليس آخراً يطلّ قانون قيصر.
حصار وعزلة شبه تامة على الجمهورية الإسلامية، وكذلك على فنزويلا، وحرب على اليمن وعدم استقرار وقلاقل في العراق.
بعد ما سمّي بالربيع العربي بدأت تتكشّف مؤامرة القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية على منطقتنا للاستفراد بدول الممانعة التي ترفض الرضوخ للغطرسة الأميركية الإسرائيلية وحلفائها الأوروبيين، فانتقل المخطط من الربيع العربي إلى الحرب الاقتصادية بدءاً من فنزويلا وانتهاء بالمقاومة الفلسطينية مروراً بإيران والعراق وسورية والمقاومة اللبنانية التي تعتبر رأس حربة في مواجهة هذا المشروع نظراً لوجودها على حدود فلسطين المحتلة وتعاظم قدراتها القتالية والصاروخية وامتدادها نحو سورية والعراق واليمن، أيّ محور الممانعة، فنشهد شبه انهيار لعملاتها الوطنية دون غيرها في سائر العالم.
سورية التي تُعدّ من الدول غير المَدينة (كانت قد أعلنت سنة 2010 عن إغلاق ملف الديون الخارجية) ومن الدول المكتفية ذاتياً رغم 9 سنوات من الحرب الضروس هناك ديون بسيطة مع روسيا وإيران، نرى أنّ المؤامرة على اقتصادها وعملتها الوطنية لا تتوقّف من أميركا وحلفائها، أما فنزويلا التي تملك أكبر إحتياطي نفط (300 مليار برميل احتياط قابل للاستغلال)، تشهد طوابير من الناس تقف أمام المحلات التجارية، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا يُعَدّ شعبها من أفقر الشعوب على أكبر احتياطي نفط (كلّ ما نراه في دول الخليج من عمران وإزدهار هو من بركات آبار النفط) فما الفرق بين هنا وهناك… الجواب واضح.
أمّا لبنان الذي لم يهتز اقتصاده… وما حدث سنة 1992 من تدهور لعملته الوطنية كان مؤامرة (داخلية خارجية) باعتراف الجميع، فمن الـ 2000 سنة التحرير إلى 2005 عام اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى عدوان 2006 حتى أحداث أيار 2008 والتوتّر جنوباً مع العدوّ الإسرائيلي من فترة إلى أخرى (شجرة عديسة، مقتل وإصابة جنود إسرائيليين واستشهاد جنود من الجيش اللبناني) وبقاء لبنان لسنتين ونصف السنة من دون رئيس للجمهورية حتى انتخاب الرئيس ميشال عون سنة 2016 ونحن نعلم بأن في لبنان خاصةً بعد سنة 2005 لا يوجد استقرار دائم، فبالرغم مما ذكرناه باختصار شديد لم تهتزّ العملة الوطنية وبقي سعر صرف الدولار ثابتاً، فهم يعلمون مدى أهمية وفعالية المقاومة في لبنان على دول المحور كافّة، من سورية إلى العراق حتى اليمن، وانّ حصارها وإنهاءها في لبنان هو من دون شك إضعاف وضربة في الصميم لمحور الممانعة، وما قانون قيصر إلا خطوة متقدّمة في هذا التّوجُّه.
حين اقتنع الغرب بعدم جدوى الحرب المباشرة لإخضاع الدول والأحزاب الممانعة، ودخول معادلة الصواريخ بعيدة المدى (لا وجود لحدود جغرافية في المعركة العسكرية) وفشلهم بِلَيّ ذراع المحور بعد تسع سنوات من الحرب والاستنزاف من الإرهاب المدعوم والمموَّل من الغرب وانتصار محور الممانعة في هذه المعركة أيضاً، بدأ التفكير الفعلي والعميق بالانتقال إلى الحرب الناعمة، وبدأت مراكز الدراسات في الغرب بوضع سيناريوات لهذه الحرب على تلك الدول فبدأت من الجمهورية الإسلامية في إيران بعقوبات اقتصادية جائرة وانهيار لعملتها ومحاصرتها ومعاقبة أيّ دولة تتعامل معها كي ترضخ أو تستسلم لشروط الولايات المتحدة الأميركية، أقلها طلب التفاوض معها، وما زال الرئيس الأميركي ترامب يضغط وينتظر الاتصال الهاتفي ولكن كلما ازداد الضغط من أميركا وحلفائها كلما ازدادت إيران ثباتاً ومنعةً، فلديها قيادة وشعبٌ يعون حجم المؤامرة ويقفون في وجهها بكلّ مسؤوليّة ووعي وثبات وصمود.
وحين اقترب الجيش السّوريّ من حسم المعركة ضدّ الإرهاب المدعوم من الغرب وبدأت نهاية الحرب الكونيّة على سورية تقترب خواتيمها لصالح محور الممانعة، بدأت أميركا وحلفاؤها بحرب اقتصادية شرسة عنوانها انهيار الليرة السّورية للقضاء على النظام المنتخب دستورياً وديمقراطياً لإسقاطها من الداخل والإطاحة بالحكم الحالي وفي ظنّها بأنّ ما لم تحقّقه خلال تسع سنوات من دعم للمنظمات الإرهابية كافّة، بشتّى الوسائل، وبشكل فاضح وواضح، من الممكن أن تحققه من خلال الدفع باتجاه انهيار كامل للعملة الوطنية وتقليب جماهير ومؤيّدي المقاومة على الحكومات الممانعة بحجّة (نريد أن نأكل نريد أن نعيش كبقية الشعوب والدول) ، ولكنّ وعْي هذه الشّعوب حجْمَ المؤامرة سوف يُسقطها، وسياسة عضّ الأصابع ومن يصرخ أوّلاً أتقنها وتمرّس بها الرّئيس بشّار الأسد وهو ابن الرّئيس الرّاحل المقاوم العروبيّ حافظ الأسد الخبير جداً بهذه السياسة، والذي لم ينهزم أو يستسلم في أحلك ظروف الأزمة السّورية والمواجهات الشرسة منذ 2011 سيصمد الآن، وإن غداً لناظره قريب.
انتصرنا في الحروب العسكرية الدامية والقاسية ولن ننهزم أمام الرغيف، فيلزمنا كثيرٌ من الوعي وقليلٌ من الصّبر، فما النّصر إلّا صبْر ساعة وهو آتٍ لا محالة.
بسم اللّهِ الرّحمن الرّحيم «إن تكونوا تألمون، فإنّهم يألمون كما تألمون، وترجون من الله ما لا يرجون» صدق اللّه العليّ العظيم.