العم أبو هاشم
في زمن الموت الذي يأكل داخلنا قبل الخارج أودع شقيق أبي إبراهيم هاشم قنديل. هكذا يصبح الصباح قاتماً رغم الشمس المتدفقة.
أصغر أعمامي وأكثرهم مرحا زرته قبل أشهر في المستشفى لوح لي بيده وهو بين الوعي واللاوعي وهزّ رأسه مرة يوم أسمعتْه صوتي إبنته الحبيبة مايا وشدّ على يدها. كان بيننا تواطؤ حبي وهو يعلم أني كلما اشتقت لوالدي أنظر الى وجهه فأرى في عاطفته وضحكته التي تأتي من القلب أرى حباً وعطفاً ودعماً يعيد اليّ الشعور بأن الدنيا بخير.
عمي المربي إبراهيم قنديل في العباسية التي اختار منها شريكة دربه التي تفيض حباً جهينة عجمي.
معه اكتشفت أن البحر ملجأ يتجاوز كل ما عداه. وأنا صغيرة كان يقلني بسيارته الى بيروت ويُريني مشهد البحر من علو على طريق الزهراني ويجعلني أردّد تسمية خزانات التابلين وأنا لا أدرك بعد تخفيف التاء في الرابعة من عمري. كنت تضحك تغور عيناك الخضراوان الجميلتان لشدة الضحك. وتطلب مني أن أرددها مراراً وتقلدني ممازحاً.. تبدّل العمر لكنك لم تتبدّل…
وبعد زمن تبقى صورتك المتدفقة عاطفة في عدوان 1996 وكنت أغطي مباشرة على مدار الساعة من استديو متحرك لتلفزيون لبنان الوقائع ونقطة البثّ الثابتة سراي صيدا وتلافياً للخطر كنا نلازم السراي لأيام عدة وأطفالي وزوجي في بيروت.. فريق العمل يلازم السراي أما أنت فلم تقتنع يوماً أن أنام مع زملائي رغم المخاطرة الجسيمة كنت تنتظرني حتى منتصف الليل لتقلني بسيارتك الى بستان البلح الشهير في الزهراني لا يضيء الطريق سوى القنابل المتساقطة حولنا لتعيدني في السادسة صباحاً بالطريقة نفسها وعندما أمانع تقول وهل سنسمح لـ»إسرائيل» بأن تهزمنا؟
كنت رفيق جيلك من الطامحين لتغيير البلاد الى الأفضل. سعيدة أنك لن ترانا الى أي درك وصلنا وبقيت حتى لحظة مرضك صاحب نظرة لا تحمل سوى الفرح رغم الصعاب والتجارب التي عشتها. بقي تمسكك بالحياة أقوى كشأن كل مَن ولدوا بقلب ينبض محبة للآخرين.
يُحزنني غيابك اليوم بقدر حزني على غياب أحبابك عن وداعك وبعض أولادك في الخارج في زمن كورونا اللعين.
ليس أصعب من وداع الأحباء إلا أن نصاب برغبة وإن عابرة بأن نكون الى جانبهم.. وهل يتساوى الموت والحياة إلا في أرذل الأزمان؟
دلال قنديل ياغي