سهيل رحّال .. رجل المهمّات الصعبة انتقل إلى الراسينغ بطلب من شمعون
} إبراهيم موسى وزنه
شهدت حقبة الستينيات من القرن الماضي إطلالة فاعلة للضاحية الجنوبية على ميادين كرة القدم الرسمية وذلك عبر إنضمام أندية الوفاء والبرج والارشاد وشباب الساحل والضاحية إلى أسرة الاتحاد اللبناني للعبة، علماً أن عدداً لا يستهان به من لاعبي الضاحية كانوا قبل تلك الفترة في عداد المدافعين عن ألوان الفرق البارزة والقريبة كالراسينغ والنجمة والشبيبة المزرعة والتضامن بيروت. ومن هؤلاء اللاعبين الذين تركوا بصماتهم في الملاعب والمكاتب معاً، أي لعباً وإدارة، يبرز اسمان لامعان، هما عفيف حمدان وسهيل رحال، الأول كان وراء إنشاء نادي الوفاء ومن ثمّ قيادته المشهودة لنادي التضامن، والثاني، الذي يعتبر العامود الفقري في تأسيس نادي البرج ودوره القيادي الريادي مع منتخب لبنان، وكلاهما أمضى في المجال الاداري الكروي أضعاف ما أمضاه لاعباً، وحيال ذلك ترسخّت بين أبناء برج البراجنة والغبيري قناعة مفادها «إذا كان للغبيري عفيفها فللبرج سهيلها»… فمن هو سهيل رحّال؟ وماذا نقرأ في سيرته الكروية؟
النشأة وصولاً إلى الشبيبة
وُلد سهيل عبد الكريم رحال في برج البراجنة في العام 1940، ترتيبه السادس في العائلة المؤلفة من تسعة أولاد (6 صبيان و3 بات)، ترعرع في بيئة حرصت أشد الحرص على المؤامة ما بين تحصيل العلم وإشباع رغبات الأبناء، يعترف رحّال بأن انطلاقته الأولى في عالم المستديرة الساحرة كانت من مدرسة الشويفات الدولية، موضّحاً: «الأجواء في المدرسة كانت مناسبة جداً لنلعب كرة القدم يومياً، ومن زملائي في تلك المرحلة حافظ عمار ورياض عمار وأكرم شهيب والأخوة يوسف وشبل وسمير هرموش، وبحكم دوري القيادي والمحوري لفريق التلامذة اخترت مركز قلب الدفاع، ولطالما لعبنا بمواجهة فريق الأساتذة الذي كان يقوده الرياضي والاداري المثالي المدير رالف بستاني، الذي اشترى لي أول حذاء كرة قدم». ويذكر رحال بأنه كان يشارك خلال أيام العطل والآحاد في المباريات الودية المثيرة التي كانت تجمع بين عائلتي عمّار ورحّال، إلى أن برز وأشتد عوده وزادت خبرته، فتعبّدت أمامه الطريق للانضمام إلى فرق الدرجة الأولى … فكان نادي الشبيبة المزرعة وجهته الطبيعية نظراً لتواجد عدد كبير من أبناء برج البراجنة معه، ويخبر حول ذلك: «لقد سبقني أخي عبّاس إلى صفوف الشبيبة المزرعة، مصطحباً معه أنيس العنان ووفيق الشحيمي وعبد القادر خير وأكرم المصري، من جهتي كنت أواجه ممانعة الأهل من الانخراط مزيداً في اللعبة خصوصاً وأنني أنهيت المرحلة الثانوية، فيما أخوتي الكبار لم يكملوا تعليمهم، فوعدتهم بأن أوفّق ما بين الأمرين، وهكذا كان، التحقت بصفوف المزرعة في العام 1962 ولعبت معهم لموسمين قبل أن انتقل للراسينغ … وفي انتقالي حكاية كبيرة»!
شمعون طلبني للراسينغ!
… وماذا نقرأ في حيثيات إنتقالك للقلعة البيضاء؟ أجاب: «لعبت أوّل مواسمي مع الشبيبة وفرضت نفسي أساسياً ضمن تشكيلة تعجّ بالنجوم غالبيتهم من أبناء البرج ومعهم الأخوة منتوفي، وفي العام 1963 انتقل شقيقي عباس ومعه أكرم المصري إلى الراسينغ، وهناك عانى كثيراً من سيطرة اللاعب الاداري جوزيف ابو مراد (مواليد 1933) على أدقّ التفاصيل، المهم وقبل إنطلاق موسم 1964 عرضت عليّ إدارة الراسينغ الانضمام إلى صفوفها، فرفضت العرض من منطلق المعاملة الطيبة التي ألقاها من رئيس النادي نقولا مجدلاني «أبو السعد» … وبعد يومين اتصل بي خالي النائب محمود عمّار طالباً منّي التوقيع مع الراسينغ … وأخبرني بالحرف، «إنها رغبة الرئيس كميل شمعون … يريدك أن توقّع مع الراسينغ» عندها رضخت للأمر الواقع وأعتذرت من «أبو السعد» الرائع، وعلمت فيما بعد بأن أبو مراد هو من «حركش» في الموضوع وطلبه من الرئيس شمعون شخصياً، وفي ذلك مصلحة انتخابية لدورة العام 1964 … وعندما التحقت بالراسينغ بوجود أخي عباس وخالي يوسف عمّار (شغل منصب نائب الرئيس في النادي لسنوات) نشرت الصحف صورة لخالي يوسف يتوسطني مع أخي عباس وتحتها… «الخال جمع الشقيقين مجدداً»… ومع نهاية الموسم ترك أخي عباس الراسينغ، لأن أبو مراد لم يفسح له المجال كما يجب، أبو مراد لا يريد أن يتقدّم عليه أحد في مجال التسديد من بعيد أو في الكرات الثابتة، وعباس كان سيفضحه! مما اضطره لعدم إشراكه في المباريات».
من الراسينغ إلى المنتخب
يعتز سهيل رحال بانه لعب إلى جانب جيل من عمالقة اللعبة في الراسينغ، كفوزي كنج وجوزيف أبو مراد والياس جورج وفؤاد الصايغ ومحيي الدين عيتاني «تابللو» وأحمد علامة وميشال سعد وغيرهم… وهنا يقرّ : «سنواتي مع الراسينغ شكّلت لي نقلة نوعية في حياتي الكروية، فسريعاً تمّ اختياري ضمن صفوف منتخب لبنان، ولعبت دوراً أساسياً ومحورياً معه على أكثر من صعيد، فجوزيف نلبنديان كان يختار تشكيلة المنتخب لاتكفّل بتوزيع اللاعبين على أرض الملعب (الفورموسيون)، وكان يضمّ المنتخب مجموعة مميزة من اللاعبين وخصوصاً من الأرمن الذين تمّ تجنيسهم بقرار من رئيس الجمهورية آنذاك، كمارديك وساميك وآبو … وفي تلك الفترة كان الراسينغ مسيطراً على مجريات اللعبة الشعبية بفضل عقله المدبّر جوزيف أبو مراد رحمه الله ـ توفّي في العام 2003».
ويكمل رحّال: «كنت ألعب في مركز قلب الدفاع، وأحياناً كظهير أيمن مواكب، وعند اكتمال نصاب خط الدفاع منت أتقدّم للمراكز الأمامية في الوسط والهجوم، وأي لاعب يشكّل خطورة على فريقي (الراسينغ) أو المنتخب كنت أتكفّل بمراقبته وتعطيله نهائياً، وأذكر خلال مباراة للمنتخب بمواجهة ضيفه المنتخب الأولمبي السوفياتي قطعت جميع الكرات قبل أن تصل إلى مهاجمهم الخطر عبد الرحيموف، فسارع المدرب السوفياتي لنقله إلى الجهة المقابلة، فركضت باتجاه تابللو وطلبت منه أن يحل مكاني، فعدت ثانية للحد من خطورته فجنّ جنون المدرب، وانتهى اللقاء للضيوف 1 ـ 0 سجّله رحيموف بتسديدة مباغتة من وسط الملعب… وفي مباراة جمعت بين الراسينغ والنجمة على المدينة الرياضية، وبعد أن سجذل النجمة هدف السبق، تقدّمت بالكرة وسددت من منتصف الملعب لتعانق الكرة شباك زين هاشم، وبعد دقائق تعطلت المباراة والنتيجة تعادلية … وحول استعدادي للمباريات، كنت أذهب إلى منزل خالي يوسف في الشياح لأتناول جرعة من العسل المصفّى ثم أتوجّه من هناك سيراً نحو الملعب (تحمية خاصة) لخوض المباراة، ولطالما تمرنت بمفردي من خلال «النكش والزرع» في الأرض … مع التذكير بأنني وخلال مسيرتي مع الراسينغ كنت ألعب أيضاً ضمن صفوف منتخب الجامعة العربية وقبل ذلك سبق ولعبت مع المنتخب المدرسي في أوائل الستينيات».
3 أشهر مع الصفاء
منذ أن انضم إلى الراسينغ لم يترك الصفوف البيضاء إلا لمدّة ثلاثة أشهر، وذلك خلال موسم 72 ـ 73 حيث انضم لفريق الصفاء، كيف ولماذا حصل الانتقال؟ يرد بصراحته المعهودة: «ذات مباراة جمعت بين الراسينغ والصفاء على ملعب برج حمود في العام 1972 ، وصلت إلى الملعب متأخراً، انتهى الشوط الأول بتقدّم الصفاء بنتيجة كبيرة 4 ـ 0، ولما شاركت في الشوط الثاني، تحرّك الفريق وعادت اليه الروح فسجّلت ومررت ودافعت وهاجمت لينتهي اللقاء تعادلياً 4 ـ 4، وبعد المبارة طلب منّي الشيخ أمين حيدر أن ألعب مع فريقه الصفاء في الموسم المقبل، وهكذا انتقلت إلى الصفاء، أما عن سبب تركي الفريق سريعاً، فيعود السبب إلى طريقة تعامل مدربهم المصري فهمي رزق القادم لتوّه من مصر ويريد إظهار «وهرته» على اللاعبين … فذات مرّة تأخرت عن التمرين فطلب مني الجلوس على المدرجات، عند ذلك قلت له بخاطرك، ووضعت الشيخ أمين بالأجواء السلبية السائدة، وقلت له «إما أنا وإما فهمي رزق» وهنا جاء الجواب لمصلحة المدرب، فتركت الفريق بعد ثلاثة أشهر فقط».
دور سهيل رحال في «البرج»
إنطلاقاً من علاقاته المتشعّبة وشخصيته القوية والمحببة في آن واحد، نجح سهيل رحال في ترجمة رغبة أبناء البلدة بتأسيس فريق البرج، وهو الذي أطلق عليه الاسم، وكان ذلك في العام 1967، ليسترجع ذكرياته قائلاً: «في تلك الأيام اشتغلنا على خطين متوازيين، إدارياً وفنيّاً إلى أن نجحنا بتشكيل فريق يضم نخبة من أبناء وسكان البرج، وللتاريخ … كان «البرج» الابن المدلل لنادي الراسينغ، لجهة مدّه بالتجهيزات أو دعمه لوجستياً، وخلال تلك الفترة التحق محمد علام ومحمد فلاح وبسام فرحات بالقلعة البيضاء ولم تسمح لهم الظروف لمواصلة مشوارهم بسبب الحرب، كما تمّ إنشاء نادٍ آخر في برج البراجنة هو الارشاد (شباب البرج حالياً) … المهم عندما عدت من السعودية بعد خمس سنوات من العمل كمدير لمشروع مدينة الجبيل الصناعية، تفرّغت بشكل نهائي لنادي البرج، وحاولت جاهداً أن أجمع كافة عوائل البلدة حول النادي، وهذا الأمر تحقق بشكل واضح وملموس، حتى المختلفين سياسياً اجتمعوا معاً دعماً للنادي، وأول خطوة قمنا بها إنشاء سور للملعب (أرض الوقف) وهنا لا ننسى الدور الفاعل للسادة أبو طالب ناصر (رئيس بلدية برج البراجنة حينذاك) والأستاذ فارس الخليل والصديق الغيّور جودت عسّاف … فكانت الانطلاقة القوية التي أثمرت صعوداً للدرجة الأولى في العام 1990، واحرازاً لبطولة كأس لبنان في العام 1993 ، وفي هذا السياق أجريت اتصالاتي بعدد من الأصدقاء في الخارج وأبرزهم ابن البلدة جاهد العنّان بهدف تدعيم صفوف الفريق بنخبة من اللاعبين الأفارقة وتحديداً من نيجيريا كالسنوسي وكبيرو محمد ومالاربي والرشيدي وغيرهم وكنا الأميز في خياراتنا الأجنبية بين الفرق … واليوم، لا يسعني الا توجيه الشكر لكل الذين تعاقبوا على رئاسة النادي خلال السنوات الأخيرة من عمر النادي وصولاً إلى الشاب المندفع نبيه ناصر … وأشد على يديه لابقاء راية البرج خفّاقة بالانجازات».
وعن رأيه بوجود فريقين درجة أولى في البلدة، بالاضافة إلى جارهما شباب الساحل الذي يبعد عنهما أقل من كيلومتر؟! قال: «ربما السياسة أدّت إلى حصول ذلك، لكنني أرى في ذلك دليلاً واضحاً على عافية الحركة الكروية في الضاحية عموماً وفي برج البراجنة خصوصاً، المهم أن تسود الروح الرياضية والتشجيع الحضاري، والملاحظ أن غالبية لاعبي أندية الأولى يقيمون في الضاحية وكذلك الجماهير المختلفة الأهواء، فكرة القدم تستمد روحها وبريقها من المناطق الشعبية … وأتمنى التوفيق لـ «ثلاثي» الضاحية تحت الأضواء».
الترشّح لعضوية الاتحاد!
في العام 1985 ، ترشّح الكابتن سهيل رحّال لعضوية الاتحاد اللبناني لكرة القدم بالرغم من إدراكه لصعوبة الفوز، ويعلّق على ذلك قائلاً: «يومها ترشّحت كي لا يقال بأن الأمور مركّبة ومرتّبة ومدروسة، استندت إلى دعم نادي النجمة وأندية الضاحية، وقد قلت ذلك علناً أمام المنافسين في اللائحة المقابلة وفي مقدّمهم رهيف علامة».
بطاقة:
الاسم : سهيل عبد الكريم رحّال
تاريخ ومحل الولادة: 1940 ـ برج البراجنة
الوضع العائلي: متأهل من قريبته ليلى عمذار وله منها ولدان، رامي وتالا.
المستوى العلمي: إجازة في الحقوق
الأندية التي لعب معها: الشبيبة المزرعة والراسينغ والصفاء ومنتخب لبنان.
المركز: قلب دفاع
تاريخ الاعتزال: 1975
ترأس نادي البرج لأكثر من عشر سنوات
يقيم حالياً بين لبنان وكندا
ـ أفضل من خرّجتهم برج البراجنة إلى الملاعب: عبدالقادر خير (حارس مرمى)، محمد فلاح وابراهيم الهندي (خط دفاع) أحمد فستق وحسين فرحات (خط وسط)، عباس رحّال وحافظ عمّار ومحمد علام (خط هجوم)
شكر خاص
خلال لقائي مع الكابتن سهيل رحال بصحبة الصديق الكابتن بسام فرحات ، تولى الأخير عملية وضع النقاط فوق الحروف وتصحيح المعلومات مراراً، وذلك بسبب سقوط بعض الأسماء والتواريخ من ذاكرة الكابتن سهيل الذي اعترف قائلاً لبسام: «تعرفني أكثر مما أعرف نفسي».