يسرقون الكحل من عين القصيدة…
} علي بدر الدين
لا يُفترض باللبنانيين أن ينتظروا الكثير من النتائج من لقاء الحوار الوطني في قصر بعبدا الخميس المقبل، كما لا يُفترض أن يعوّلوا عليه أو يعلقوا الآمال على انعقاده، لأنّ المنطق يقول إنهم فقدوا الثقة منذ زمن بالطبقة السياسية، ولم يعد الرهان عليها مفيداً لا الآن ولا في المستقبل، وكلّ ما يحصل من لقاءات واجتماعات وحوارات هو مضيعة للوقت وإشغال للناس بما لا يعنيهم، ومحاولات يائسة لزرع الأوهام في نفوسهم.
وللأسف فإنّ البعض من البيئات الحاضنة لهذه الطبقة لا يزال يراهن عليها، ولا يزال مستعداً لأن يفديها بأرواحه ودمائه، وأن يبقى مرتهناً لها حتى أرذل عمره، مع أنّ هذه البيئات تعاني كثيراً من تداعيات الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي لا ترحم ولا تميّز بين المواطنين ولا بين الطوائف والمذاهب والمناطق، ولا تخفف من الأعباء المعيشية وغلاء الأسعار وهبوط قيمة العملة الوطنية على أساس الولاء لهذا المسؤول أو ذاك، أو تفرّق بين الانتماء لهذه الطائفة أو تلك، فالكل في المعاناة والفقر والحاجة والجوع والمرض سواسية كأسنان المشط، وانّ استمرار الرهان على من حكم وتسلط واستبدّ وظلم وفسد ونهب وتحاصص على مدى ٣٠ سنة فاشل وساقط، ولا يعدو كونه مجرد سراب لا معنى له ولا قيمة ولا فائدة.
لا يتوقعنّ أحد انّ اللبنانيين مدمنون على الفقر والبطالة والتظاهر والاحتجاج لأنّ ذلك عادة متأصّلة بهم، على العكس تماماً انهم عشاق حرية وكفاح وكرامة والحق عندهم لا يموت، ولا يمكن ان يسكتوا على ظلم وقع عليهم، ومهما طال الزمن ودفعوا دونه تضحيات، ولا يمكن ان يخدعوا بكلمة او شعر أو خطاب أو لقاء او حوار الطرشان أو وعد، لأنّ معاناتهم القاسية في ظلّ طبقة سياسية لا ترحم ومتمرّسة على الظلم والقهر والذلّ وسياسة التخدير لقنتهم ما يكفي من الدروس والعِبر، التي ستكون زادهم ومناعتهم للآتي من الزمن، ولأنّ المواطن المؤمن بوطنه وحقه وحريته وكرامته لن يُلدغ من السياسيين في ايّ موقع كانوا مرتين.
انّ لقاء بعبدا الذي يُعقد على وقع الانهيارات المتتالية وعلى كلّ الصعد لا يزال في مهبّ المجهول ورفض بعض المدعوّين قبول الدعوة لاعتبارات مصلحية وسياسية وطائفية، أو للكيدية بهدف الإطاحة باللقاء أو أقله إفشاله، لذا بدأ الترويج لعقده بمن حضر وردّ الصاع صاعين.
إنه الدلع السياسي والاستهتار بالوطن والشعب الذي يعيش في واد والطبقة السياسية في واد آخر حيث تواصل التمثيل بالناس وعليهم غير آبهة بما فعلته بهم معاً وبالشراكة والتحاصص.
المشهد الضبابي الذي يلوح في فضاء اللقاء السياسي في بعبدا وغياب البرنامج المطروح للنقاش وعدم نشره أمام الرأي العام ورفض البعض لغاية الآن المشاركة فيه مؤشرات لا توحي بالإيجابية ولا بإمكانية او انتظار انبعاث الدخان الأبيض، مع أنّ الشعب في حال انعقاده لا يتوقع نتائج على حجم الأزمات العميقة والصعبة التي يغرق فيها لبنان وباتت عصية على المعالجة والحلّ من خلال مثل هذه اللقاءات أو غيرها، ولن تنجح حتى في المصافحة وتبويس اللحى بفعل الخوف من كورونا.
لا نتوقع خيراً أو أملاً، مع انّ الشعب اللبناني يأمل ويتمنّى ان يتحقق الخير والأمل على قاعدة «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل». يبدو أن لا أمل ولا عيش كريماً في ظلّ طبقة سياسية ومالية وملحقاتها التي أسرفت بالسرقة حتى هذه الفسحة.
وعلى قاعدة الشيء بالشيء يذكر، تذكرت عنوان قصيدة للشاعرة العربية السودانية روضة الحاج وهي وزيرة سابقة للثقافة:
يسرقون الكحل من عين القصيدة ومن على رأسه بطحة يتحسّسها.