عندما توغّل الجيش التركي في الأراضي السورية شرقاً وغرباً وأعلنت الدولة السورية تحريك جيشها للمواجهة، صدر موقف مصريّ يحذّر من خطورة التحرك التركي على الأمن القومي العربي، كانت فرصة مصر التي ضاعت، لوقف التغوّل التركي في المنطقة، ولو عبر إرسال قوة رمزية من جيشها ووحدة من ضباطها لترجمة موقفها باعتبار الخطر التركي لا يتهدّد سورية وحدها.
لم تفعل الحكومة المصرية ذلك أو ما يوازيه في السياسة وعلّق بعدها وزير خارجيتها على عودة سورية إلى الجامعة العربية بربط ذلك بشروط تتصل بخطوات مطلوبة من الحكومة السورية على طريق الحل السياسي، والمقصود حلّ مع مسمّيات معارضة تمسك تركيا بقرارها.
تعرف الحكومة المصرية أن الخطر الذي يتهدّدها ويتهدد ليبيا ووحدتها وأمنها هو الخطر ذاته الذي عبث ولا يزال يحاول العبث بسورية ووحدتها وأمنها، وأن شرعية الدولة السورية أشد تجذراً من الشرعية التي تسعى إليها لتغطية تدخلها في ليبيا من دون أن تضع عليها شروطاً تتصل بالحل السياسي، كما تعرف أن الفارق بين الحالتين السورية والليبية هو ما لمح إليه الرئيس المصري حول الغطاء الدولي للتدخل في ليبيا، والمقصود بالتأكيد ضوء أخضر والأرجح أصفر لهذا التدخل، مثل الضوء الأصفر الذي منح تركيا فرصة تدخل مماثل، ومن الجهات ذاتها التي تتصدّرها بالنهاية واشنطن.
عندما بدأ الرئيس التركي تدخله في ليبيا عسكرياً وعلناً، مستنداً إلى ترسيم الحدود المائية البحرية مع حكومة ليبية تابعة لتركيا، كانت الحكومة المصرية قد أضاعت الفرصة الثانية، عندما تموضعت في أحلاف الغاز في المنطقة ضمن حلف يجمعها مع كيان الاحتلال واليونان وقبرص يرعاه الأميركيون علناً لمواجهة أنبوب الغاز الروسي إلى أوروبا والذي تشارك فيه تركيا. فبدا الترسيم التركي الليبي، قطعاً للطريق جغرافياً أمام مرور أنبوب منافس لروسيا، قررت الحكومة المصرية أن تكون جزءاً منه، بينما كان ينتظرها التعاون مع لبنان وسورية في مجال الغاز لحلف ثالث لا يمكن لروسيا اعتباره عدواً.
يعبر بعض السياسيين والإعلاميين والدبلوماسيين المصريين عن اتهامهم لإيران بالوقوف في خنق داعم للعدوان التركيّ على ليبيا وهم يعلمون أن إيران واجهت هذا العدوان نفسه عندما استهدف سورية، رغم كل تشابك المصالح مع تركيا ومثلها فعلت روسيا، ولا يمكن إدانة إيران وروسيا مصرياً لاعترافهما الرسمي بحكومة تسيطر عليها تركيا طالما أن الجامعة العربية تعتمد هذه الحكومة رسمياً وتمنحها المقعد الليبي في الجامعة بينما الدولة السورية محرومة من مقعدها، وطالما أن الحكومة المصرية قرّرت مواجهة الدور التركي في ليبيا من ضمن حلف يضم السعودية والإمارات على قاعدة مفهوم للأمن القومي لا مكان فيه للعداء لكيان الاحتلال في ظل سعي خليجي للتطبيع معه والتركيز على تصوير إيران كعدو بديل.
من الواضح أن مانح الضوء الأصفر لتركيا ثم لمصر بدعم خليجي للتدخل في ليبيا، هو الأميركي الذي يريدها ساحة تصفيات للمباريات النهائية بين حلفائه مع جائزة هي نفط ليبيا للرابح بمركز القوة الإقليمية الموازية لإيران في التفاوض اللاحق حول أمن المنطقة وترتيباتها، وربما يطلّ مشروع لتقسيم ليبيا برأسه من قلب هذه الحرب الاستنزافية الطويلة، لموارد دول وجيوش كبرى في المنطقة.
رغم كل ذلك ستبقى مواقف ومشاعر كل الذين يدركون الفرق بين الموقف الخاطئ والخطيئة العدوانيّة، إلى جانب مصر وجيشها عندما يقاتل العدوان التركي على ليبيا، وسيشترك في دعمها السوريون واللبنانيون والفلسطينيون، الذي يدركون مرارة الشعور بالتخلّي.