مصر تعتبر من سورية وتهدّد تركيا
} سماهر الخطيب
سجّل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي موقفاً صارماً من الوضع في ليبيا ومن تمادي الدعم التركي لحكومة الوفاق في المعارك هناك باعتباره تهديداً لأمن بلاده القومي، اتسم موقفه بالتلويح باستخدام القوة بعد أن كانت مصر قد بادرت في «إعلان القاهرة» إلى إيجاد مسار سياسي تفاوضي بين حكومة الوفاق والجيش الوطني الليبي وتأزم الصراع بين الشرق والغرب. إنما ومع الدخول التركي إلى مسار الصراع وتغيير مجرى الأحداث بدعمه لقوات الوفاق والسيطرة على طرابلس. بعدما فشل الرئيس التركي في تنفيذ أجندته في سورية حاملاً تلك الأجندة نحو الأرض الليبية ليعيث فيها فساداً.
الأمر الذي دفع بالرئيس المصري إلى التلويح بتدخل عسكري مباشر في ليبيا، وجاء إعلانه من إحدى القواعد العسكرية غرب البلاد على الحدود مع جارتها الليبية، مؤكداً أنّ محور»سرت – الجفرة» «خط أحمر» للأمن القومي المصري.
وفي قراءة هذه المشهدية يبدو أنّ مصر تؤكد على ربط القول بالفعل ليأتي التأكيد من قاعدة عسكرية مجاورة للأراضي الليبية، وبالتالي إظهار أنها تمتلك الحق في الدفاع عن النفس من الخطر التركي هناك لكونه يشكل خطراً يحق لها الردّ وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة والتي تعطي الحق للدول في الدفاع عن أنفسها، خاصة أن ليبيا تتعرّض لأزمة أمنية وليست لديها قدرة كاملة لحماية أمنها القومي وهو ما يعطي الحق لمصر في الدفاع عن حدودها مع جارتها.
في العودة نحو الأهمية الاستراتيجية لمحور «سرت – الجفرة»، فتبعد سرت حوالي ألف كيلومتر عن الحدود المصرية، متوسطة بموقعها بين طرابلس وبنغازي، وتعتبر فاتحة للسيطرة على أكبر مخزون للنفط في ليبيا المتمثل بالموانئ النفطية في منطقة الهلال النفطي في الشرق الليبي. فهي المصدر الرئيسي للنفط وفيها موانئ تصديره، بحد متوسط 900 ألف برميل يومياً، مقابل 30 ألف برميل في غرب البلاد.
وتشكّل سرت غرفة عمليات رئيسة لقوات الجيش الليبي، باعتبارها همزة الوصل بين الشرق الليبي وغربه ولاحتوائها أهم وأكبر القواعد العسكرية الجوية كقاعدة القرضابية. كما يعد مطار وميناء المدينة من أهم المنافذ الرئيسية في البلاد.
فيما تتوسط مدينة الجفرة البلاد، وهي محور ربط بين الشرق والغرب والجنوب، وتعني السيطرة على قاعدة الجفرة، تقريباً السيطرة على نصف ليبيا. وتعدّ هذه القاعدة من أكبر القواعد الجوية الليبية، كما تشكل القاعدة غرفة عمليات رئيسة لقوات الجيش الوطني الليبي.
وفي حال سيطرت قوات الوفاق ومن ورائها تركيا على هذا المحور الاستراتيجي فإنها بالتالي ستسيطر على الخزان النفطي ما سيؤدي إلى تسليم مقدرات الشعب الليبي للمحتل التركي، وفي هذه الحالة لن تقف قوات الجيش الوطني الليبي (المشير خليفة حفتر) مكتوفة الأيدي، بل سيكون هناك تصعيد بين قوات السراج وحفتر للوصول إلى مناطق سيطرة في أرجاء البلاد وصولاً إلى الحدود المصرية.
هذا ما يخشاه السيسي من وصول تلك التهديدات الأمنية إلى الحدود المصرية، خاصة أنّ تقارير كثيرة أفادت بنقل أردوغان لكثير من الإرهابيين الذين قاتلوا في سورية تحت رايته نقلهم إلى تركيا ومنهم مقاتلون سوريون كانوا في ما يسمى بـ«الجيش الحر» ما يعني تحوّل تلك المعارك إلى سيناريو جديد للإرهاب يهدد الأمن القومي المصري، وبالتالي فإنه ووفقاً لخبراء عسكريين يعتبر تأمين خط «سرت – الجفرة»، كأهم قاعدة عسكرية وأهم مصادر النفط، تأميناً لشمال الوسط والوسط والجنوب ومناطق شرق ليبيا وصولاً للحدود المصرية.
ويرى خبراء عسكريون أنّ «مَن يحكم السيطرة على الموقعين سيكون هدفه التالي ابتلاع الشرق الليبي، ومن ثم تهديد الأمن والعمق المصري في حدوده الغربية فوجود ميليشيات متطرفة ومقاتلين أتراك أو مرتزقة موالين لهم هناك، سيمثل تهديداً حقيقياً لأمن مصر».
وبما أنّ لّب العقيدة العسكرية المصرية الدفاع عن البلاد ومواجهة ما يهددها من مخاطر من أبعد نقطة ممكنة، (عدا الإسرائيلية بعد كامب ديفيد) لذلك كان السيسي واضحاً بأنّ هذا الخط «خط أحمر» بالنسبة لمصر في أبعد نقطة تهديد لأمنها، ما يعني في المفهوم العسكري عدم الاقتراب، وفي حالة عدم الالتزام أو الانصياع، يكون المقابل هو التعامل المباشر مع مَن يفكر في تجاوز هذا الخط أو المساس بالأمن القومي المصري.
وإذا ما فرضنا تنفيذ القول بفعل التوغل المصري داخل ليبيا بمواجهة مباشرة مع الجيش التركي «الثاني» في قوات الناتو، فتصنيف الجيش المصريّ لا يستهان به كتاسع أقوى الجيوش عالمياً، والأقوى في الشرق الأوسط، كما تصنف البحرية المصرية بالمركز السادس عالمياً.
إضافة إلى ملاصقة الحدود المصرية للحدود الليبية، وقرب وجود قواعد إدارية وذخيرة، وهو ما يساعد في سرعة توغل الجيش المصري في العمق الليبي، وفق عسكريين «يمكن الوصول إلى درنة خلال 12 ساعة، ويوم واحد للوصول لمدينة سرت».
وهو ما يمنح أفضليّة للقوات المصرية عن التركية التي ستواجه طول خطوط الإمداد، حتى إن فتحت خط الإمداد عبر جسر جوي كالذي افتتحته تركيا للأراضي السورية، وتوريدها لأكثر من 10 آلاف مقاتل.
إنما وبغض النظر عن تلاصق الحدود الليبية المصرية، فإن الذاكرة لا تزال حاضرة للتذكير بفشل السيناريو التركي في سورية والانتصار الساحق الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه ضدّ الإرادة التركية التي جعلت من أرضها معسكرات تدريب ومن جوّها جسر إمداد ومن قواعدها مراكز انطلاق طيلة سنوات إنما باءت كل مساعيها بالفشل وهي الآن تعيد سيناريو الفشل في ليبيا.