مقالات وآراء

تهديد السيسي بالتدخل‎ ‎في ليبيا ليس مزحة

} عمر عبد القادر غندور

تصدّر المشهد الليبي في الساعات الماضية الأولوية في تطورات الاحداث المتلاحقة في البلاد العربية والشرق الأوسط بعد الكلمة التي ألقاها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمام الجيش المصري، وقال فيها إنّ مصر قد تتدخل عسكرياً في ليبيا دفاعاً عن العمق المصري.

وحذر الرئيس المصري من أنه إذا تقدّمت القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا في مدينة سرت الاستراتيجية وجفرة التي تقع على بعد 450 كلم شرق العاصمة طرابلس، فستتدخل مصر مباشرة لحماية حدودها وأمنها القومي، لأنّ سرت والجفرة خط أحمر .

وسرعان ما ردّت الحكومة الليبية المعترف بها من جانب الأمم المتحدة قائلة إنّ كلام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عمل عدائي وتدخل مباشر في الشؤون الليبية وإعلان حرب، والمعلوم انّ تركيا أرسلت رجالاً ومقاتلين وأسلحة لدعم قوات الحكومة الليبية بقيادة فايز السراج ضدّ قوات اللواء حفتر. وقالت القوات الموالية للحكومة المعترف بها إنها على مشارف مدينة سرت حيث آبار البترول والميناء الاستراتيجي قبلة أعين الأتراك.

وتقول الحكومة الليبية انّ تواجد القوات التركية الى قدّمت وتقدّم المزيد ساهمت في تقهقر «عصابات» اللواء حفتر ولن تتوقف قبل السيطرة على كامل الجغرافيا الليبية، وهي موجودة بطلب من الحكومة الشرعية.

والواضح انّ تركيا بقيادة أردوغان وحزبه تريد ان تستغلّ حالة التمزق العربي لتتزعّم العالم السني أسوة بما كان الحال عليه في عهد السلطنة العثمانية مع فارق مهمّ انّ السلطان عبد الحميد رفض قدوم اليهود الى فلسطين أسوة برعايا الدول الأخرى رافضاً زيارتهم ولو على سبيل السياحة ما أثار الصهاينة والغرب عامة فتآمروا جميعاً على دولة السلطنة وأسقطوها بعد انهاكها وتمكنت جمعية الاتحاد والترقي الماسونية من تغيير نظام الدولة وخلعت السلطان عبد الحميد الثاني 1909 في مشهد كشف حجم التغلغل الصهيوني في البلاد، وتقدّم رئيس معبد سالونيك الماسوني اليهودي «عمائيل قره صو» وسلم السلطان عبد الحميد قرار عزله باليد. وعيّن مصطفى كمال أتاتورك الذي كان ضابطا في الجيش العثماني، ويرجّح المؤرّخون أنه كان من يهود الدونمة، وما زالت صورة أتاتورك تتصدّر الدوائر الحكومية التركية إلى اليوم. وفي 19 ايار عيد الرياضة والشباب ذكرى أتاتورك خاطب الرئيس أردوغان المحتفلين قائلاً: مثلما بدأ المناضل كمال اتاتورك نضاله في 19 أيار مؤمنا بالحق والشعب، فإننا ما زلنا نسير على خطاه !

وكان بديهياً ان يتحرّك الرئيس المصري لمواجهة التغلغل التركي في ليبيا المجاورة، ووجهت الدعوة الى عقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب غداً في القاهرة لمناقشة التدخل التركي في ليبيا، بينما تعتبر الحكومة الليبية انّ الوجود التركي بناء لرغبة الحكومة الشرعية .

وتقول الاوساط الحكومية في اسطنبول انّ تدخل قواتها في ليبيا هو تدخل مشروع، وتتجاهل وجود قواتها في الشمال السوري رغماً عن إرادة الحكومة الشرعية في دمشق، وتهاجم الأكراد في شمال العراق بـ «غرض حماية شعبها».

نتصوّر انّ تصريح الرئيس المصري بالتدخل في ليبيا ليس مناورة ولا مزحة ولن يكون تحركه الا بموافقة السعودية ودول المغرب العربي التي بدأت تستشعر الخطر التركي في الأرض والمياه الليبية، ولم يُخفِ الرئيس التركي رغبته في الدخول الى العالم العربي من البوابة الأفريقية بعدما فشل من الدخول عبر البوابة السورية.

وفيما دعا الأزهر أمس وهو أعلى سلطة دينية في مصر الى الحلّ السلمي، ندعو نحن إلى إقفال الجرح الليبي النازف منذ سقوط العهد السابق، والذي يشكل سلسلة من حلقات النزيف العربي من سورية الى العراق الى اليمن آملين من جامعة الدول العربية التي نكاد نيأس من عدم صلاحيتها على مدى عقود ان لا تكون شاهد زور على ما يجري من سفك للدماء، وتكثف مساعيها لفرض حل سلمي يوقف التدخلات من ايّ جهة أتت، ويؤدّي الى وحدة التراب الليبي وحفظ ثروات البلاد لصالح الشعب والأمة.

* رئيس اللقاء الاسلامي الوحدوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى