ما هو مستقبل اليمن؟
د. علي أحمد الديلميّ*
تحتاج عملية التحوّل السياسي في اليمن إلى صياغة رؤية للمستقبل تعمل على معالجة الخلل في النظام السياسي الحالي من خلال العمل على إتمام المصالحة الوطنية الشاملة وتحديد شكل الدولة ودستورها.
من خلال قراءة سريعة لواقع العمل السياسي في اليمن عبر التاريخ، نجد أنّ الصراع على السلطة ظلّ يأخذ بالأبعاد الطائفية والدينية والمناطقية نفسها، كل ذلك بسبب فشل النخبة السياسية في بلادنا في بناء نظام سياسي شامل يساوي بين الجميع ويتجاوز الطوائف والمناطق والمذاهب.
بعد أكثر من خمس سنوات من العدوان على اليمن، تعزّزت الانقسامات الداخليّة بسبب هروب الرئيس عبدربه منصور هادي إلى السعودية وطلبه تدخلاً سعودياً تحت شعار «استعادة الشرعية»، وبدلاً من عودة الشرعية واستعادة سلطه الدولة، شهد اليمن انقساماً لم نعرف له مثيلاً من قبل، نتيجة التحالفات والاختلافات السياسية والطائفية والمناطقية والمذهبية داخل الأطر المؤيدة لـ«الشرعية». فقد بدأ التجمع اليمني للإصلاح (جماعة الإخوان المسلمين) في اليمن والفريق علي محسن ومن تحالف معهما من القبائل والأحزاب وغيرها إقامة سلطة مستقلة عن الشرعية في مأرب، كما قام المجلس الانتقالي في الجنوب ببسط سلطته على عدن وبعض مناطق الجنوب في ظلّ صراعات جنوبية ـ جنوبية تتداخل فيها الصراعات مع الشمال ومع «الشرعية».
على وقع هذه الانقسامات والعدوان المستمرّ، ظلّ هادي وحكومته يمارسان «شرعيتهما» من الرياض بعد أن سلّم هادي كلّ أدوات الحكم لدول التحالف لعجزه عن فعل أيّ شيء يؤكد شرعيته. وتأتي استقالة وزير التجارة والصناعة في حكومة هادي محمد الميتمي التي تقدّم بها أمس، لتعكس مدى التخبُّط والتفكك داخل حكومة الشرعية نفسها وخروج الأمور عن السيطرة، حيث علّل الميتمي استقالته بأنّ «دولاً إقليمية ضمن التحالف السعودي تسعى إلى تمزيق اليمن والانقلاب على الشرعية».
وفي المقابل، تعزّزت سلطة «أنصار الله» في المناطق الخاضعة لسلطتهم، الأمر الذي أثار انزعاج منافسيهم من المكونات السياسية الأخرى المتحالفة مع الرئيس عبدربه منصور هادي.
في حقيقة الأمر، كانت لهذا التنافس أبعاد طائفية ومناطقية ومذهبية تمّ تغليفها سياسياً، إذ ينظر المتحالفون مع «الشرعية» إلى «أنصار الله» على أنهم إماميون يريدون حكم اليمن على أساس العرق، وأنهم يُميّزون الهاشميين عن غيرهم من باقي فئات المجتمع اليمني، وأنهم سلاليون وكهنوتين ورافضة، يمارسون السلطة الحديدية بالقهر والقتل، كما يتّهمونهم بأنهم يريدون القضاء على النظام الجمهوري وبأنهم يتلقون الدعم من إيران وحزب الله اللبناني ويريدون أن يكونوا كياناً مشابهاً لهذا الحزب، وغيرها من الاتهامات تُساق في حق «أنصار الله» والتي تزيد من حدة الانقسامات.
في المقابل، ينظر «أنصار الله» إلى المتحالفين مع هادي على أنهم استدعوا الخارج للتدخل في شؤون اليمن وأنهم باتوا مُرتَهنين للخارج بعد أن فرطوا في سيادة اليمن، ويمارسون حملات تشويه وكراهية ضدهم وضدّ كثير من اليمنيين الذين ينتمون إلى «أنصار الله» وهم من كلّ اليمنيين. كما يرى «أنصار الله» أنّ المبادرة الخليجية للحلّ السياسي في اليمن بعد أحداث ما يُسمّى «الربيع العربي» همّشت القوى اليمنية الثورية وأعادت توزيع السلطة بشكل غير عادل وأبقت النظام القديم فاعلاً. كما يتّهمون السلطة والمتحالفين معها بتهميشهم وظلمهم ومحاربة المذهب الزيدي وإغلاق مدارسهم وقتل علمائهم وقادة الرأي المتعاطفين معهم، وبالدفع بصحف «الشرعية» و«حزب الإصلاح» و«الإخوان المسلمين» والأحزاب المتحالفة معهم لشنّ حملات تضليل وكراهية، إضافة إلى حملات التشويه المستمرة التي يقوم بها من يسمّون أنفسهم «أقيال» سبتمبريين مثقفين جمهوريين وغيرها ضدهم.
عند التعمُّق في أسباب الصراع الدائر اليوم في اليمن، نجد أنّ معظم أطراف الصراع تعلن أنها جمهورية ومع النظام الجمهوري ضدّ العنصرية والطائفية والمناطقية والمذهبية وأنها مع بناء دولة مدنيّة تكفل حقوق الجميع في المواطنة والمساواة لتحقيق العدالة، وأنّها مع التداول السلمي للسلطة وتقوية قيم الحرية والديمقراطية وتعزيزها، لكنّ الواقع على الأرض مختلف تماماً، ومن هنا نرى أنّ المدخل الأساسي لبداية الحلّ السياسي الشامل في اليمن، هو وعي أبناء الشعب اليمني، بكافة أطيافهم وفئاتهم، وإدراكهم أهمية بناء الدولة ووضع الأسس القوية لها من خلال بناء المؤسّسات بشكل علمي ووطني بعيداً عن ممارسات الماضي المتخلِّفة في الإقصاء والقهر.
على اليمنيين جميعاً التماسك والتكاتف والضغط على كلّ من أوصلهم إلى هذا الحال. فالعالم يتغيّر والشعوب تتطور وتطالب بالأفضل لها في الأمن والسلام والحياة الكريمة.
السؤال الذي يطرح نفسه دائماً: أين قادة الرأي والمثقفون ومنظمات المجتمع المدني في اليمن اليوم. أليس حريّاً بهم أن يقوموا بدورهم الوطني الجامع، بدلاً من أن يكونوا أدوات مأجورة في أيدي من يريدون تشتيت المجتمع اليمني وانقسامه؟
أين دورهم اليوم في الضغط على كلّ من يتحكمون بالمشهد السياسي في اليمن وحثهم على الجلوس إلى طاولة حوار وإطلاق المصالحة الشاملة وبناء الدولة التي تحقق الأمن والسلام والحياة الكريمة للجميع؟
قد يقول البعض إنّ هذا الكلام مثالي وغير قابل للتطبيق، لكنني أقول إنّ إرادة الشعوب لا تقهر إذا كان هناك صدق في العمل والإرادة من أجل الأفضل، أما الذين شاركوا في سفك دماء اليمنيين، فهؤلاء سيظلون أدوات للخراب والتدمير وانقسام الناس في صراعات عبثية لا تسمن ولا تغني من جوع، وإذا لم يتكاتف اليمنيون من أجل مستقبل بلادهم فسيظلون ضحايا لهذه الصراعات العبثية.
حفظ الله اليمن وأهلها من كلّ مكروه.
*دبلوماسي يمني.