مشنقة الحلم العثماني
} أيهم درويش
لم يعد خافياً أنّ تركيا الأردوغانية مسكونة بأوهام العثمانية البائدة، وأنّ «عثمانييها الجدد»، يسيرون على نهج أسلافهم، حقداً وإجراماً وارهاباً واحتلالاً، ويبرز هذا الاتجاه في سياسات نظام رجب طيب أردوغان وأدواره الإرهابية ضدّ العديد من الدول، لا سيما سورية والعراق. وها هو الإرهاب التركي يتمدّد ويتوسّع ليشمل ليبيا، وغير دول ليؤسّس فيهم الأتراك مجموعات إرهابية على غرار «داعش» و «النصرة» وغيرها.
هناك من يقرأ أنّ السياسات التركية التي تستخدم الإرهاب وتبث الفتنة ضدّ الدول والشعوب، محاولة لشدّ العصب التركي الداخلي حول نظام أردوغان الارهابي، بعدما سجل حزبه الاخواني هزيمة مدوية أفقدته البلديات الكبرى في تركيا.
أمّا، الخبير في الشأن التركي بالمعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية فادي حاكورة، فيشير إلى أنّ الاقتصاد التركي في انحدار مستمر، وأنّ أردوغان «يبحث عن امتداد سياسي واقتصادي للنفوذ التركي في المنطقة»، غير أنّ مساعيه هذه لم تتحقق في السودان، ولا مع مصر، ولم تتحقق أهدافه في سورية، لذا فانه يحاول الآن مدّ نفوذه (الى ليبيا) و»لا أعتقد أنه سينجح لأنّ الداعمين لخليفة حفتر كثيرون وأقوياء».
سياسات أردوغان العدوانية جعلت تركيا بلداً معزولاً، حتى أنّ بعض الدول العربية التي اشتركت معها في الحرب الإرهابية ضدّ سورية، انفضت عنها، وهناك امتعاض أوروبي عبّر عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إثر لقائه نظيره التونسي قيس سعيد في الإليزيه، حيث ندّد بـما أسماه «لعبة خطيرة» تمارسها تركيا في ليبيا، معتبرا أنها تشكل تهديداً مباشراً للمنطقة وأوروبا، غامزاً من قناة دور الحلف الأطلسي الذي يضمّ تركيا.
رغم ذلك، فإنّ محاولات أردوغان مستمرة لسلخ أراضٍ في العراق وسورية تحت ذريعة تحقيق الأمن القومي التركي، وكذلك سعيه الدائم لمدّ اليد على ليبيا وتونس عبر دعم حكومات الإخوان المسلمين، في حين بات واضحاً أنّ أردوغان هو مع فلسطين لفظياً لكنه في المضمون هو شريك في صفقة القرن لتصفية المسألة الفلسطينية، وبأنّ تحالفه مع «إسرائيل» هو الأساس.
واضح أنّ أردوغان الذي يسعى الى التوسع والتمدّد قد وضع تركيا في حال من العزل. حتى أنّ أقرب حلفاء أردوغان، رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب هدده بتدمير الاقتصاد التركي، في حين أنّ فرنسا اتهمت سفناً تركية بعمل «عدواني» في المتوسط ودعت حلف شمال الأطلسي للتصرف حيال أنقرة. أما اليونان فأكدت على لسان رئيس هيئة أركان الجيش اليوناني قسطنطينوس فلوروس بأنها سترد على أي خطوات من قبل تركيا، مهدّداً بـ «حرق من يضع قدمه» على الأراضي اليونانية إذا استمرت تركيا في إرسالها سفناً للتنقيب عن النفط والغاز في المناطق التي تعتبرها اليونان جزءاً من منطقتها الاقتصادية الخالصة.
ما سبق، إضافة إلى ممارسات أردوغان الداخلية التي تمثلت بتقييده للحريات وملاحقته معارضيه من ساسة ورجال أعمال وابتعاد المستثمرين عن التفكير بالقيام بمشاريعهم في تركيا، كلّ هذا يؤشر إلى أنّ السلطان العثماني المتغطرس رجب طيب أردوغان يقود تركيا إلى الهاوية السحيقة، وهذا ربما يؤلب عليه الأتراك أنفسهم. وما من أمر مستبعد، فمن يخسر اسطنبول، لا بدّ أن يخسر تركيا كلها.