جردة حساب مع السَّأم!
} نصار إبراهيم
جلس كعادته الصباحية. حاول أن يفعل شيئاً، لكنه صرف النظر. أعدّ القهوة علّها تعيد تأسيس اللحظة، تابع الماء وهو يفور، أضاف البن ففاضت القهوة، أطلق شتيمة عابرة. ملأ الفنجان. وجلس بصمت. نوع من سأم ما يهيمن على الفضاء. لا شك أنه سلبي وعابر لكنه يستدعي التفكير.
تذكر رواية “السأم” لألبيرتو مورافيا. لقد كتب موراوفيا رواية كاملة عن الموضوع. إذن لا بدّ أنّ “السأم” حالة أو ظاهرة تستحق التفكير. فكر ثم تساءل: ألا يمكن مغادرة السأم بالحديث عنه والتفاعل معه!؟
إذن، لتكن نوعاً من جردة حساب مع السأم، بشرط أن تكون صريحة. من أين وكيف ولماذا هذا السأم!؟
حسناً لنرى! وبدأ يعدّد ويحدّد.
سئمت:
ـ من عتبة الباب المكسورة. الشارع الكئيب. بائع البطيخ الذي ينادي: “ع السكين يا بطيخ!” ويبيعني “بطيخة قرعة”.
ـ من المستشارين والخبراء والمحللين الاستراتيجيين العرب من كلّ الأنواع، وهم يبدعون في كشف العوامل الخارجية ويخرسون أمام العوامل الذاتية والداخلية.
ـ من المعارضة والموالاة التي لا تقرّ موازنة وميزانية وضمان اجتماعي خارج نص صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
ـ من الكلمات والخطابات والشعارات الكبرى، لتمرير أفكار صغرى. وأن ليس بالإمكان أفضل مما كان، و”عصفور ممعوط ومنتوف الريش باليد” أفضل من صقر على الشجرة.
ـ من المثقف الذي يقنعني بواقعية الخيانة وعدمية المقاومة، وأنّ العدو ليس عدواً والصديق ليس صديقاً. وأنّ الحق يضيع بالتقادم.
ـ من الشيوخ والرهبان والكهان الذين يقنعوني أن لا أتمرّد على جحيم الأرض بانتظار جنة السماء، وأنّ الحب كفر، وجرائم الشرف تعادل الرجولة. وكرامة الشعب بين فخذيه.
ـ من “الأنا الأعلى” التي أصبحت خادما عند “الأنا السفلى”.
ـ من وطن فيه قصر اللص مشهور وقبر الجندي مجهول، والفلاح عاطل عن العمل والحرة تأكل بثدييها.
ـ من حكومات تستخرج أسوأ ما لديّ وتدفن أفضل ما عندي. وكلما تحدثَتْ عن الحرية أكثر صارت أضيق. وأن كلّ “افرنجي برنجي”. والحلّ عند مستر “دِلّ”.
ـ من منظمات “حقوق الإنسان” التي كلما تدخلتْ أكثر ساءت الحقوق أكثر.
ـ من الشاعر الذي يقول شعراً بدون شعر، والكاتب الذي لا يكتب شيئاً ومع ذلك يكتب بلا توقف.
ـ من شجرة الرّمان التي تعاند ولا تزهر.
ـ من تجار الحب بالجملة والمفرّق على ضجيج الأغاني الهابطة.
ـ من تأوّه القراصنة واللصوص والسماسرة، وتأوّهات العشاق كزحمة السير.
ـ من رغيف الخبز الذي كلما ارتفع الدولار شحطة نقص لقمة. وكلما اجتهدت أكثر من نحلة عاملة نقص لقمةً أخرى.
ـ من الحذاء الذي كلما مشيت فيه أكثر أصبح أضيق.
ـ من بحر الهزج والرجز والكامل والطويل والقصير والبسيط والخفيف. يبقى البحر الثقيل.
ـ من الكناية والاستعارة والتشبيه والترميز والمجاز والنداء والاستثناء والتمييز والتوكيد، ومع ذلك تضيع الفكرة.
ـ من الرّفع والجرّ والإضافة. يبقى النّصب.
ـ من المعلوم والمجهول والظاهر والمستتر. تبقى اللّام المزحلقة.
ـ من الوجبات السريعة على الطرق الطويلة.
وسئمت أيضاً لأنك لم تخبريني:
عن سِرِّ القمر بين غيمتين
عن سنبلة تقف وحيدة تنتظر الصباح
عن النهر يحمل وردة بريّة
عن الليلة الماطرة كي أشعل ناراً
عن المجاز كي لا يصادر الرقيب القصيدة
عن الناي كي أزرع القصب
عن الرياح التي غيّرت وجهتها كي أدير الشراع
لم تخبريني عن أشياء كثيرة فاختلّ التوازن!
***
وبعدين! نسيت عن شو كنت بحكي…!؟ ما هو «إشي بحط العقل في الكفّ». كنت بدي أسأل سؤال مهمّ.
آه تذكرت: «بالنسبة لبكرا شو!؟»