التّطويع من أجل التّطبيع…
شوقي عواضة
لم نقرأ في التّاريخ أنّ خائناً لوطنه أو عميلاً حاكَم مقاومة بل على العكس تماماً، فعبر المسار التّاريخي شكّلت حركات المقاومة عنصر قوّةٍ وحمايةٍ لأوطانها دافعت عنها وقدّمتِ التّضحيات الجسام من أجل سيادتها واستقلالها وصونها من أيّ اعتداء إلّا في لبنان حيث أصبحتِ العمالةُ عند البعض وجهة نظر والخيانة لها مبرّراتها وأسبابها أحياناً قد يحوّلها البعض إلى (مطلب وطنيّ) أو قد تتخذ بعداً طائفيّاً ومذهبيّاً وعناوينَ ومسميّاتٍ كثيرةً منها حريّة الرّأي والتعبير، لكنّها تبقى في إطار الخيانة للوطن قبل المقاومة وخيانة لإنسانيّة الإنسان…
ما نشهده اليوم من حربٍ متعدّدة الأوجه وحصارٍ على المقاومة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية بصقورها وحمائمها مع حلفائها وأدواتها يندرج ضمن حرب التّطويع من أجل التطبيع مع الكيان الصّهيوني أسقطت فيها أميركا والكيان الصّهيوني كلّ المحرّمات وخرقت كلّ القوانين في محاولةٍ لإضعاف المقاومة وتقليب بيئتها عليها من خلال الحصار الاقتصادي وفرض قانون قيصر وتوجيه أكثر الناس فساداً لاتهام المقاومة بالفساد وتحميلها وزر سياساتٍ ماليّةً فاسدةً لأكثر من ثلاثة عقود لا ناقة لها فيها ولا جمل، واتهامها بحكم لبنان وتهديد من يعارضها واتهامه بالعمالة…!
هنا لا بدّ من الاشارة إلى أنّه لا يوجد حلّ وسط في المواجهة مع العدوّ الإسرائيلي الذي اجتاح لبنان ودمّر واعتقل وقتل وارتكب المجازر بحقّ شعبه وبناء عليه فإنّ موقف العداء للكيان الصهيوني ينطلق من أسسٍ وطنيّةٍ وإنسانيّةٍ واخلاقيّةٍ ودينيّةٍ أمّا العداء للمقاومة بأوجهه المتعددة فإنّه يخدم العدوّ بطريقةٍ أو بأخرى حتى وإنْ لم يكن من يتخذ ذلك الموقف على تواصلٍ مع العدو وليس عميلاً لكنه في النهاية هو جنّد نفسه متطوّعاً لخدمة العدو في مواجهة المقاومة بل وشارك في المعركة في مواجهة المقاومة، وما جرى بالأمس في قضية المعمّم علي الأمين له مؤشّراتٌ ودلالاتٌ كبيرةٌ وخطيرةٌ تشير إلى مدى استبسال البعض بالدّفاع عن الأمين الذي التقى بالحاخام الأكبر في الكيان الصّهيوني وأحد أركان (حراس التوراة) والمقرّب من حزب شاس المتشدّد موشيه عمار نهاية العام الماضي في العاصمة البحرينية المنامة في مؤتمر تطبيعي حول حوار الأديان، ودفاعهم هذا بالمبدأ هو دفاعٌ عن مشروعٍ وليس عن شخص أظهروا فيه مدى صلابتهم في الدفاع عن فكرة التّطبيع في الوقت الذي يستشرسون فيه في المطالبة بقطع العلاقات مع سورية والالتزام بتطبيق قانون قيصر.
ومع رفض الأمين المثول أمام القضاء لسؤاله عن طبيعة اللقاء ينبري بكلّ وقاحةٍ وخلفه جيشٌ من الأبواق الأميركية لاتهام حزب الله بأنّه خارجٌ عن القانون وبأنّه دولةٌ ضمن الدولة وبأنّ الحزب يستهدفه نتيجة مواقفه منه، مبرّراً حضوره لمؤتمر البحرين بعدم علمه بوجود الحاخام الصّهيوني موشيه عمار، ولو سلّمنا بذلك التبرير جدلاً فكيف يفسّر المعمّم الأمين وجوده إلى جانب الحاخام (الاسرائيلي) في الصّور التي عرضتها وسائل إعلام (إسرائيلية) وتناقلتها وسائل إعلام عديدة؟ ألم يكن بإمكانه أن يرفض حضور المؤتمر مجرد رؤيته للحاخام؟ مع العلم أنّه وفقا للبروتوكولات فإنّ كلّ المؤتمرات ترسل للمشاركين قبل حضورهم قائمةً تتضمّن القضايا التي سيناقشها المؤتمر وأسماء المشاركين، وبالرّغم من ذلك ظهر بإصرار مشاركاً في المؤتمر التطبيعي إلى جانب الحاخام (الاسرائيلي) موشيه عمار مدافعاً عن مشاركته وهو الذي يقدّم نفسه مقاتلاً ديمقراطيّاً من أجل سيادة الدولة يتهرّب اليوم من المثول أمام القضاء لأنّه فوق القانون وهي تهمة تضاف الى سجل الأمين حتى يثبت احترامه للقانون ومثوله أمام القضاء ليقول كلمته في القضية.