المطلوب لبنانياً بعد كشف شينكر أهداف حرب الدولار
حسن حردان
مرة جديدة تكشف واشنطن بلسان مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، الذي يتولى متابعة ملف الحصار المالي والاقتصادي المفروض على لبنان وسورية.. تكشف عن أهدافها الحقيقية من ذلك، وتعلن للبنانيين بوضوح…
أولاً، إنّ رفع الحصار مرهون بقبول لبنان بالشروط الإسرائيليّة لترسيم الحدود البحريّة والبريّة التي تولى إبلاغها للمسؤولين اللبنانيين عام ٢٠١٢ الموفد الأميركي الخاص السفير فريدريك هوف، وهذه الشروط تنص على تقاسم المنطقة المتنازع عليها بين لبنان وكيان العدو الصهيوني في المياه الإقليميّة اللبنانيّة المحاذية للحدود البحريّة مع فلسطين المحتلة.. والتي يبلغ مساحتها 860 كيلو متراً مربعاً، وبموجب هذا التقسيم يحصل لبنان على 500 كلم مربع، فيما يحصل كيان العدو على 360 كيلو متراً مربعاً.. من البلوكين 9و10 اللذين يحتويان على ثروة هامة من النفط والغاز..
ثانياً، إنّ لبنان ممنوع عليه التوجّه شرقاً لحل أزماته لا سيما لناحية قبول المساعدات الصينيّة.. وإنه إذا ما تجرأ على ذلك فسوف يواجه المزيد من الحصار…
ثالثاً، إنّ شحّ الدولارات في السوق اللبنانية سببه تهريب الدولار إلى سورية، على حدّ زعم شينكر، وليس سببه الحصار المالي الأميركي، ومنع التحويلات إلى لبنان وإفلاس بنك الجمال، والضغط على المصرف المركزي والمصارف اللبنانية لحجب الدولار عن المودعين والسوق.. في حين من المعروف أنّ أحد أهداف حرب الدولار منع المودعين السوريين من الحصول على ودائعهم بالدولار الموجودة في المصارف اللبنانية، والمقدّرة بأكثر من عشرين مليار دولار..
وهذا يعني أنّ أميركا قرّرت أن تشهر علناً ودون مواربة الأهداف الحقيقيّة من إقدامها على شنّ حرب الدولار على لبنان وسوريّة، وهي…
1 ـ إجبار لبنان على الاستسلام للشروط الإسرائيليّة لناحية ترسيم الحدود البحريّة والبريّة..
2 ـ زيادة منسوب الحصار على سوريّة لإخضاعها للشروط الأميركيّة لإنهاء الحرب الإرهابيّة وتسّهيل الحل السياسي..
ولأنّ المقاومة تُشكّل القوة التي تحمي لبنان وثرواته، ومن الصعب تحقيق الأطماع الإسرائيلية من دون إزاحتها من الطريق، قرّرت واشنطن أن تستخدم سلاح الحرب الاقتصاديّة لتجويع اللبنانيين وتحميل المقاومة المسؤولية عن ذلك، وبالتالي محاولة خلق مناخ لبناني يدعو إلى نزع سلاح المقاومة، ومنع عودة العلاقات اللبنانيّة السوريّة إلى طبيعتها المميّزة.. وبالتالي القبول بالشروط الأميركيّة الإسرائيليّة مقابل رفع الحصار المالي والاقتصادي..
إنّها الحرب بثوب الاقتصاد.. وفي مواجهة هذه الحرب لا مجال لأيّ مساومة أو تردّد، فإما الصمود والمقاومة والبحث عن توفير إمكانيات الصمود وكسر الحصار وإحباط أهداف الحرب الاقتصادية، أو الرضوخ والاستسلام.. وعودة لبنان إلى الزمن الصهيوني الذي ساد في فترة ماضية، عنما كانت نظرية قوة لبنان في ضعفه هي السائدة..
غير أنّ السبيل لإسقاط أهداف الحصار، إنّما يكّمن في سلوك الطريق المعاكس لما تريده وتخاف منه واشنطن، وحذر منه شينكر، وهو التوجّه شرقاً، وخصوصاً نحو الصين التي تملك الإمكانيات الماليّة والقدّرات التقنيّة، وتقدّم للبنان عروضاً لا يُمكن أن يحلم بتحقيقها، لو لم يكن يحتلّ الموقع الجغرافي الهام على طريق الحرير.. موقع جعل منه صلة الوصل بين الشرق والغرب، وهذا الموقع لا يُمكن أن ينافسه فيه سوى كيان العدو الصهيوني، لكون فلسطين المحتلة تتفوّق على لبنان في الموقع لعب دور صلة الوصل بين الشرق والغرب، لكن ما يحول دون ذلك، رفض أميركا تسهيل العلاقة الإسرائيليّة مع الصين، واستمرار الصراع العربي الصهيوني، الذي يحول دون إنهاء المقاطعة العربية للكيان الصهيوني، هو ما يوفر هذه الفرصة للبنان للاستفادة من حاجة الصين إلى موقع لبنان والحصول على المساعدات الصينية غير المشروطة، لحلّ أزماته.. لكن ذلك يحتاج إلى إرادة سياسيّة رسمية تتمرّد على الوصاية الأميركيّة التي تمنع لبنان من التوجّه صوب الصين، وترفض الالتزام بقانون قيصر باعتباره يتعارض مع مصالح لبنان الاقتصاديّة ويخنقه لأنه يمنعه من التنفس من رئته الطبيعية العربيّة السوريّة..
انطلاقاً من ذلك فإنّ المعركة لكسر الحصار وإحباط أهدافه إنّما تستدعي..
أ– إرادة رسميّة وسياسيّة وشعبيّة تُغلّب مصلحة لبنان الوطنيّة والاقتصاديّة على أي مصلحة أخرى..
ب ـ اتخاذ قرار حكومي شجاع برفض الخضوع للقرار الأميركي، وذلك عبر التوجّه شرقاً لإنقاذ البلاد من الأزمات التي تزّداد تفاقماً.. في وقت لا تقدم دول الغرب وصناديقها الماليّة وشركاتها عروضاً للمساعدة مماثلة أو افضل من العروض الصينيّة.. لا سيما أنه لم يعد هناك ما يخاف عليه لبنان فيما لو اتخذ هذا القرار المنسجم مع مصلحتهِ الاقتصاديّة.. أما التهديد الأميركي بالمزيد من الحصار فقد حصل، فلبنان واقع حالياً تحت الحصار المشدّد لخنقهِ بهدف وضعهِ بين خيارين.. الاستسلام للشروط الإسرائيليّة بالتخلي عن جزء ثروته النفطيّة والغازيّة، أو مواجهة الجوع.. في وقت لدى لبنان خيار ثالث متوافر للإنقاذ وحل أزماته.. خيار حماية الثروة الوطنيّة الواعدة، تحميه المقاومة والمعادلة الذهبية، جيش وشعب ومقاومة، المستندة إلى تأييد غالبية الشعب اللبناني.. وهو خيار المسارعة إلى قبول العروض الصينيّة.. التي تقوم على المنفعة المتبادلة على عكس ما تقوم به واشنطن ما تروّج له واشنطن من ادعاءات تهدف إلى التحريض ضدّ الصين.. في حين هي من يربط تقديم المساعدات بشروط تمسّ بالسيادة والثروات الوطنية كما صرح بذلك ديفيد شينكر…
ج ـ تحرك القطاعات الاقتصاديّة والنقابيّة والاجتماعيّة ذات المصلحة الملحة في العمل على التوجّه شرقاً.. فالقطاعات الإنتاجيّة الزراعيّة والصناعيّة لا يُمكن أن تنهض وتستعيد نشاطها إلّا إذا فُتحت أمامها الأسواق للتصدير وتوَافرت التسهيلات لذلك.. وهذه الأسواق موجودة في الشرق، حيث الطلب على الإنتاج اللبناني، في حين تُشكّل سوريّة الممر البري الوحيد للوصول إلى هذه الأسواق وهي مستعدة لتقديم التسهيلات حال طلبتها الحكومة اللبنانيّة..
إنّ اللجوء إلى هذا الخيار لا يعني، كما يزعم البعض، أن يقطع لبنان علاقاته مع دول الغرب بل على العكس، فهو خيار يقوم على تنويع الخيارات ليتمكن لبنان أخذ الأفضل منها لمصلحتهِ.. وهذا يجعل لبنان قادراً على دفع الدول في الغرب والشرق إلى التنافس على تقديم عروض المساعدة للبنان، واختيار أفضلها بالنسبة إليه…