أربعة عناصر لصالح التمدّد التركيّ في بلاد العرب
} د. وفيق إبراهيم
هذه ليست دعوة للاستكانة للاستعمار التركي بقدر ما تشكل دعوة لكشف نقاط قوته والانقضاض عليها بثقة.
أليس هذا ما أشار إليه وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي ربط بين استعمار تركيّ وأميركيّ وإسرائيليّ؟
ضمن هذا المفهوم يجب تأكيد أن التوغل العسكري التركي في شمالي العراق بذرائع لا تنطلي على أحد واحتلال الشمال والشمال الغربي السوري وغربي ليبيا ونشر قواعد عسكرية في قطر والنفوذ السياسي العثماني في مصر واليمن والسودان والمغرب؛ كل هذه المعطيات تكشف عن مشروع عثماني جديد يطمح إلى الحلول مكان النفوذ الأميركي المتراجع، إنما من خلال تأييده وإلى جانب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين المحتلة.
لا بد هنا من الانتباه إلى أن الأتراك يجمعون بين تأييد دول عربية وموالاة شعبية بتأثير ديني أو عرقي، وهذا ما يفتقده الأميركيون والإسرائيليون.
ما هي هذه العناصر الداعمة لعودة العثمانيين؟
تلعب الايدولوجيا الدينية دوراً كبيراً في تشريع أبواب المنطقة العربية، فمنذ وصول الإسلاميين الأتراك إلى السلطة في أنقرة منذ اثنتي عشرة سنة تحوّلت السياسة التركيّة من الاهتمام بالغرب الأوروبي– الأميركي ومحاولة الانتماء إليه، إلى التقرب الماكر من الإسلام العربي السياسي بأجنداته الثلاث، الأزهري المعتدل والإخواني الإسلاميّ الذي ينتمي إليه حزب العدالة والتنمية التركي والإسلام المتطرف من القاعدة وإفرازاتها.
لقد تمكّن الإسلام التركي من السيطرة على الإخوان المسلمين العرب مستولياً على ثقافة إسلامية ترفض حتى الآن اعتبار السيطرة التركية على العالم العربي بين 1516 و1920 احتلالاً إلى حد اعتباره عصراً إسلامياً مزدهراً وساطعاً.
فعندما استعمل الرئيس ميشال عون في إحدى خطبه مصطلح الاستعمار العثماني هاجمه ثلاثة أنواع من الإسلام، المعتدل ضمن دار الإفتاء والثاني التابع للإخوان المسلمين والثالث الموزع على تيارات إرهابية في مختلف أنحاء لبنان.
لذلك فالأيدلوجية الدينية تلعب لمصلحة العثمانيين.
أما العنصر الثاني فهو الجوار الجغرافي الممتزج في بعض الأحيان بتمازج عرقي. فالحدود التركية تمتد بآلاف الكيلومترات مع سورية والعراق، وتجمع بين أقليات عربية من أصول تركمانية بالإضافة لموالين للإخوان المسلمين في هذا المدى الكبير.
لجهته العنصر الثالث فهو القوة العسكرية التركية الوازنة التي تمنح الرئيس العثماني أردوغان فائض قوة يحاول الاستفادة منها ضمن المشروع الأميركي، إنما مع لمسات عثمانية خاصة بتركيا.
إذ امتزاج هذه القوة العسكرية مع النفوذ الأميركي يسمحان لتركيا باحتلال ثلث جزيرة قبرص منذ 1974 واجتياح سورية والعراق وليبيا في مشروع ضخم يحاول أردوغان تتويجه بالدخول شريكاً مضارباً في السيطرة على البحر الأبيض المتوسط وبعض بلدانه. بحثاً عن الغاز والمصالح الاقتصادية، حتى أنه وصل إلى دولة قطر في قلب الخليج متوصلاً إلى علاقات الضرورة مع إيران علاقات تبادل المصالح مع روسيا.
لذلك فإن الجيش التركيّ ينتمي إلى الحلف الأطلسي ويختزن إمكانات عسكرية كبيرة تجعله أكثر المهدّدين لقبرص واليونان وسورية والعراق، حتى أنه وصل إلى اليمن عبر حزب الإصلاح اليمني وسط تردد معلومات عن وجود مدرّبين عسكريين أتراك في بعض أنحاء اليمن حيث يوجد الإخوان.
كما ترسل تركيا أسلحة ومعدات وتمويلاً لهذه الأجنحة الإخوانية.
ماذا عن العنصر الرابع؟!
إنه التراجع في الشرق العربي المتراجع دائماً قياساً بالدول في العالم، لكن هذا التراجع العربي أصبح اغتراباً كاملاً عن الواقع السياسي للشرق الأوسط منذ انهيار النظام العربي الضعيف بعد استسلام الرئيس المصري السابق أنور السادات لـ»إسرائيل» في 1979.
الأمر الذي أدى إلى اضمحلال كبير في أدوار الدول العربية، ذهب نحو التناثر والاستسلام الكامل للنفوذ الأميركي – الإسرائيلي على حساب قضيتين، الأولى فلسطين والثانية هي المزيد من التخلف الاقتصاديّ لدول عربية ريعية تبيع النفط لتأكل وتنتظر الأشهر المقبلة لتعاود الكرة مجدداً.
إن اجتماع هذه العناصر عند «التركي» سمح له باستغلال محاولات أميركية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط من تسعينيات القرن الماضي، فلم يتأخر العثماني عن مواكبة الأميركي في كل مكان تقريباً، وعندما شعر ببداية التقهقر الأميركي، اخترع مبررات لاحتلال أجزاء واسعة من سورية والعراق، موسعاً من شبكة علاقاته بفدرالية الإخوان المسلمين مع استثماره بالتنظيمات الإسلامية المتطرفة.
لكن القوة عند الأتراك اصطدمت بسورية التي نجحت بإيقاف المشروع الأميركي بإسقاط دولتها وكبحه عند حدود مناطقها الشرقية، كما لجمت التقدّم العسكري التركي عند حدود إدلب، وعرقلته بالقوة العسكرية من جهة وبالتحالف مع الروس والإيرانيين من جهة ثانية.
لذلك تجد عناصر القوة التركية الأربعة ومعها انحياز الأميركيين إليها في وضع صعب في سورية، فتعتمد على تفاهماتها مع الروس والإيرانيين للتوجه نحو فرض نفوذ استعماري قوي في العراق، وتستعمل انتماءها للإخوان المسلمين لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا للمشاركة في معركة السيطرة على ثروات البحر المتوسط.
بذلك تظهر سورية البلد العربي الوحيد القادر على مجابهة السياسة التركية عسكرياً وسياسياً وسط حرب كلاميّة وخطابات حماسيّة مناوئة للعثمانيّين في مصر ودول الخليج.
فهل هناك توازن بين عناصر القوة التركية والسورية؟!
لو لم يكن هذا التوازن قائماً لوصل الأتراك إلى العاصمة السورية بغطاء تحالفاتهم مع قوى الإسلام الإرهابي. والإخوان المسلمين وقوتهم العسكرية والتأييد الأميركي.
كما أن هذا الصمود السوري بالتعاون مع حزب الله يشجّع العراق على الاندفاع في مجابهة التوغل التركي في مناطقه الشمالية.
التعويل إذاً هو على هذا الصمود السوري الذي يؤدي دور النظام العربي المفقود بين ثرثرة الرئيس المصري السيسي والانصياع الخليجي للنفوذ الأميركي – الإسرائيلي.