الوزير المعشّر والأسئلة المشروعة؟
رامز مصطفى _
تنفيذ عملية الضمّ من قبل حكومة الرأسين في الكيان الصهيوني، لم تعد مسألة نقاش، لجهة هل تتمّ أم لا؟ وهي بتقديري ستنفذ وإنْ على مراحل حتى يتمّ امتصاص المواقف المعترضة على الصعيد الدولي أو الإقليمي، والرسمية الفلسطينية في المقدّمة منها. والضمّ قد يبدأ بإحدى المستوطنات الكبرى في الضفة الغربية، بالإضافة إلى السعي للتعامل مباشرة مع الشؤون الحياتية والإدارية من الفلسطينيين في منطقة الأغوار بشكل مباشر، في تجاهل متعمد للسلطة الفلسطينية. المسألة تكمن فيما يطفو على سطح الضمّ لجملة من الأسئلة المشروعة، لا بدّ من الجواب عليها من قبل كل الأطراف التي سمحت لنفسها أن تنخرط في التسوية الاستسلاميّة، بعيداً عن إرادة الجماهير العربية ونخبها الرافضة لتلك التسوية. وبالتالي مطالبة أيضاً الدول التي شجعت على دفع تلك الأطراف الذهاب إلى انتهاج سياق سياسي تسووي مع الكيان الصهيوني. إما من خلال الرؤى التي طرحتها مبكراً كمقدمات لهذا الانخراط، أو من خلال ممارسة الضغوط والابتزاز الرخيص مع تلك الأطراف بهدف إخضاعها، استجابة لتوجهات الولايات المتحدة الأميركية.
هذه الأسئلة تُطرح اليوم من قبل شخصيات شغلت مناصب متقدمة في دول وحكومات تلك الأطراف المنخرطة في اتفاقات مع الكيان. ونموذج هذه الشخصيات الوزير الأردني الأسبق مروان المعشّر الذي شغل منصبَي وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء منذ الأعوام 2002 ولغاية العام 2005. وهو اليوم يشغل نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي، والمشرف على أبحاث المؤسسة في واشنطن وبيروت حول شؤون الشرق الأوسط.
الوزير المعشّر في مقالة بعنوان “ماذا سيبقى للمعاهدات بعد قرار الضم؟” طرح ومن موقعه المهني كخبير في مجالات الدبلوماسية، جملة من الأسئلة التي قدّم لها بالقول: عندما قرّرت دول الطوق بما فيهم الفلسطينيون، الذهاب لمدريد عام 1991، لم يكن الهدف الأول استعادة الجولان العربية المحتلة من سورية أو الأردن أو لبنان فحسب. بل كان الهدف هو إنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. من أجل ذلك ذهب العرب لمدريد، ومن أجل ذلك وُقِّعت اتفاقيتا “أوسلو” و “وادي عربة” عامي 1993 و 1994، مع منظمة التحرير والأردن.
أسئلة الوزير المعشّر جاءت على خلفية ما اتفق عليه نتنياهو وغانتس من ضمّ في الضفة، بما فيها المستوطنات وغور الأردن، كثمرة لاتفاقهما على تشكيل ما أسمياها بـ “حكومة الوحدة” في الكيان. اليوم، يقول، والكلام للوزير المعشّر، “بعد أن أصبحت العملية السياسية مجرد سراب، وبعد أن اتفقت كافة المكونات السياسية الإسرائيلية اليهودية على ضمّ الأراضي الفلسطينية، بما يقتل فرصة إقامة الدولة الفلسطينية، ماذا تعني اتفاقية أوسلو؟ وماذا تعني المعاهدة الأردنية – “الإسرائيلية”، إن كانت “إسرائيل” في قتلها للدولة الفلسطينية تعمل مباشرة ضدّ المصلحة الوطنية الأردنية، وتحاول قتل الهوية الوطنية الأردنية، إضافة لمحاولة طمسها للهوية الوطنية الفلسطينية؟”. ويضيف “الكلام هنا ليس عاطفياً، بل هو سياسي بامتياز”.
ويتابع الوزير المعشّر أسئلته، ماذا يعني ذلك لمجمل عملية السلام، إن كانت “إسرائيل” بكافة أطيافها السياسية تقول بملء الفم إنها تريد ضمّ أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وابتلاع الأرض الفلسطينية، بما في ذلك القدس؟ وماذا يعني ذلك لمجمل عملية السلام، إن كانت “إسرائيل” بكافة أطيافها السياسية تؤيد نظام “أبارتهايد” عنصرياً يقونن فيه تمييز مواطنيها من الديانة اليهودية عن بقية المواطنين، ويعامل 20 في المئة من المواطنين الفلسطينيين على أساس أنهم لا يتمتعون بكامل حقوق المواطنة؟ وماذا تعني المعاهدات والاتفاقات العربية التي وُقِّعت مع “إسرائيل”؟ ألم يحن الوقت لمراجعة جذرية لهذه الاتفاقات؟ ويتابع مقالته “إنً الإجراءات الإسرائيلية اليوم تجعل من الهدف الرئيس الذي ذهب العرب من أجله إلى مدريد ليس ذا قيمة، وتهدّد المبادرة العربية للسلام، وتسخر من اتفاقيات أوسلو، وتجعل القدس تحت السيادة الإسرائيلية بشكل نهائي، وها هي اليوم تهدّد الأمن القومي الأردني بشكل مباشر، فماذا بقي؟”.
الوزير المعشّر، يشير بوضوح بما متوجب على الحكومة الأردنية اتخاذه من خطوات عملية بعيدة عن بيانات الشجب، أو استدعاء للسفير الأردني في تل أبيب، أو طرد سفير الكيان في عمّان، لأنّ تلك الخطوات لن تكون الردّ المتناسب مع حجم ما وصفه بالتهديد الوجودي للأردن:
1 ـ مراجعة حقيقية لمعاهدة السلام الأردنية مع الكيان، بما يعطي الانطباع الجدي بأن الكيان لا يستطيع القيام أحادياً بمثل هذه الإجراءات من دون أن تكون لذلك تداعيات سلبية وجادة على علاقتها بالإقليم.
2 ـ وقف التشبث بحلم ما يُسمّى بـ “حلّ الدولتين”.
3 ـ مراجعة أردنية متعمّقة للملف الأردني مع كيان الاحتلال، والمتعلقة باتفاقية الغاز، والعلاقات الاقتصادية أو الأمنية.
4 ـ دعم بقاء الفلسطيني والفلسطينية على أرضهما، لقطع الطريق على محاولة ابتلاع الكيان للأرض، حتى يأتي الوقت الذي يبتلع فيه الوضع الديموغرافي الفلسطيني محاولات ومشاريع كيان الاحتلال.
هذه الأسئلة المشروعة وغيرها، الأيام المقبلة كفيلة وحدها بالإجابة عليها من قبل كلّ المعنيين، المنخرطين والمُطبعين. فعلى الرغم أنه قد مضى 27 عاماً على اتفاقات “أوسلو”، كانت السنوات الخمس الأولى، وهي انتهاء المرحلة الأولى، والدخول في مفاوضات عناوين الحلّ النهائي، كانت كافية أن تُلزم منظمة التحرير والسلطة على قلب الطاولة بوجه قادة الكيان ومن خلفه الولايات المتحدة الأميركية، وسحب الاعتراف بالكيان الصهيوني والخروج من تلك الاتفاقات المسؤولة وإلى جانبها اتفاقيتي “كامب ديفيد” و”وادي عربة” عما تعرّضت وتتعرّض له القضية الفلسطينية والأمن القومي العربي من مخاطر تتهدّد وجودها ووجوده. والعبرة بالأفعال لا بالأقوال.
*كاتب فلسطينيّ