قرار قضائي بإسكات السفيرة الأميركية عن التصريحات يربك الحكومة: تضارب في مواقف وزرائها… وحزب الله: سلوك شيا العدواني تجرّؤ وقح على الدولة
لن يمرّ وكأنّ شيئاً لم يكن إصدار قاضي الأمور المستعجلة في صور محمد مازح قراراً بحق السفيرة الأميركية دوروثي ك. شيا، فمرة جديدة تنقسم القوى السياسية تجاه التعاطي مع الولايات المتحدة الاميركية ومواقفها تجاه لبنان.
وبينما استدعى وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتي السفيرة شيا عند الثالثة من بعد الظهر اليوم، على خلفية تصريحاتها الأخيرة، اتصل مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي بالسفيرة الأميركية وقال لها إنّ القرار الصادر عن القاضي مازح قضائي وليس بإيعاز سياسي رسمي.
وخلال الاتصال، أبلغ جريصاتي السفيرة الأميركية أنّ لبنان ملتزم معاهدة فيينا لسنة ١٩٦١ التي ترعى التبادل الدبلوماسي بين الدول، أيّ أنّ أيّ قرار رسمي يُبلّغ لأيّ سفير عبر وزير الخارجية والمغتربين حسب الأصول الدبلوماسية المرعية في العلاقات بين الدول.
وأكد المكتب الإعلامي لنائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر، في بيان، أنّ عكر لم يسبق لها أن «تواصلت باسمها مع أية جهة كانت، بما فيها السفيرة الأميركية»، وأنها «غير مخوّلة بالتواصل باسم الحكومة، فـرئيس الحكومة هو من يتحدث عن الحكومة وباسمها. كما أنّ وزير الخارجية هو المخوّل بالتواصل مع البعثات الديبلوماسية.
وكانت كشفت السفيرة الأميركية أنها حصلت على «تطمينات من الحكومة اللبنانية بأنّ ردّاً مناسباً يتمّ اتخاذه على هذا الحكم غير اللائق»، في إشارة إلى حكم القاضي محمد مازح الذي منع عنها المقابلات الإعلامية.
وعلّقت السفيرة الأميركية في مقابلة مع الـLBCI على ردود الفعل على مقابلتها الأخيرة مع قناة «الحدث» معتبرة أنّ هذه الردود كانت مفاجِئة، وقالت: لم يكن هناك أيّ شيء جديد في ما قلته، وكنت قد كرّرت هذه المواضيع على غرار ما فعله مسؤولون حكوميون في واشنطن.»
وردا على سؤال حول ما إذا كانت تعتبر أنّ هذا القرار القضائي صدر بالنيابة عن حزب الله، قالت شيا: «أعتقد أنّ ذلك يمثّل تصعيداً. وهذا التصعيد حصل سابقاً مع الخطاب الناري للأمين العام لحزب الله منذ أسبوعين، على حدّ قولها.
ورأت أنّ «الأهمّ هو أن تركّز السلطات على الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد اللبناني حالياً، والأهمّ أيضاً هو أن يتمكن الشعب اللبناني من ممارسة حرية التعبير».
إلى ذلك لم يطلب النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات إحالة قاضي الأمور المستعجلة في صور محمد مازح على التفتيش القضائي على خلفية قرار العجلة الذي أصدره اول أمس. وكانت مصادر قضائية أوضحت أنّ التفتيش القضائي يستطيع أن يتحرك من تلقاء نفسه علماً أنّ مجلس القضاء الأعلى سيعقد جلسته العادية يوم غد الثلاثاء إلا إذا استدعت التطورات تقديم موعدها لليوم الاثنين.
وتجدر الإشارة الى انّ عبد الصمد كشفت أنّ «أحداً من الحكومة اللبنانية، لم يقدّم أيّ اعتذار للسفيرة الأميركية»، معلنة أنها أجرت اتصالات برئيس الحكومة حسان دياب والوزراء للتأكد من هذا الموضوع. وشدّدت على أنّ «الحكومة ورئيسها يحترمان السلطة القضائية، بغضّ النظر عن أيّ سجال، وأن لا اعتذار رسمياً من السفارة الأميركية حتى تاريخه».
وطالبت السفارة الأميركية بتقديم «إيضاح حول من اتصل، بهدف تقديم الاعتذار، لأنّ الحكومة لم تكلف أحداً للاعتذار باسمها»، مؤكدة أنّ دياب «يشدّد على عدم التدخل بالسلطة القضائية احتراماً لفصل السلطات».
وليس بعيداً ورداً على تناقل بعض المواقع أنّ القاضي عويدات أحال القاضي مازح إلى هيئة التفتيش القضائي بسبب عدم الأهلية، أعلن القاضي مازح أنه لم يتبلغ أيّ شيء يتعلق بهذا الأمر وبحال كان الأمر صحيحاً فإنه وقبل إحالته إلى التفتيش بسبب قرار أصدره وأنه مرتاح الضمير وكامل القناعة واستناداً إلى أحكام القانون التي أوردها في القرار يقدّم طلب إنهاء خدمته في القضاء على أن يتقدّم بها بصورة رسمية نهار غد الثلاثاء.
وقد استدعى كلّ ما تقدّم ردود فعل نيابية وسياسية وحزبية، إذ اعتبر عضو كتلة الوفاء للمقاومة، النائب حسن فضل الله، أنّ التصريحات الأخيرة للسفيرة الأميركية في لبنان هي اعتداء سافر على سيادة بلدنا وكرامته الوطنية، داعياً السلطات اللبنانية وفي مقدمها وزارة الخارجية لتحرك فوري لإلزام هذه السفيرة احترام القانون الدولي.
وفي تصريح له، أشار فضل الله إلى أنّ البعض في لبنان لم يتعلم من تجاربه الفاشلة ورهاناته الخاسرة على الإدارة الأميركية.
واعلن أنّ السلطات اللبنانية وفي مقدمها وزارة الخارجية مدعوّة لتحرك فوري لإلزام هذه السفيرة احترام القانون الدولي، الذي يحدّد واجبات الدبلوماسيين، والتزام القوانين اللبنانية النافذة، وهو أمر سنتابعه وفق الأطر القانونية، لأنّ السلوك العدواني لهذه السفيرة، هو تجرّؤ وقح على الدولة، وتحدياً لقوانينها ولأحكام سلطتها القضائية.
وغرّد النائب حسين الحاج حسن قائلاً: «تصريح السفيرة الأميركية اعتداء على سيادة لبنان وتدخل فتنوي في شؤونه الداخلية ومخالفة صريحة للأعراف الدبلوماسية». وأضاف: «وإذ تغنى البعض بضرورة التزام الأعراف الدبلوماسية، منتقدين بعض السفراء، نراهم صمتوا عندما صرحت السفيرة الأميركية بكلام يمثل إهانة لكلّ الشعب اللبناني».
واعتبر الأمين العام للتيار الاسعدي المحامي معن الأسعد في تصريح، انّ تدخل السفيرة الأميركية في شؤون لبنان الداخلية مخالفة فاضحة لأحكام إتفاقية فيينا، وهدفه بث الفتنة والحقد بين شرائح المجتمع ودعوة صريحة للاقتتال وتهديد لبنان برمته».
وأشاد تيار صرخة وطن بقرار القاضي الشجاع مازح بحق السفيرة شيا، واعتبر أنه قرار منبثق من الروح السيادية للقضاء اللبناني، كما أنه أتى استجابة لشكوى تقدّم بها عدد من المواطنين، علماً أنّه يحق للقضاء الواقف وللنيابات العامة التعامل مع أيّ فعل موصوف من شأنه أن يهدّد السلم الأهلي ويخرق معاهدة فيينا الراعية للعلاقات الدبلوماسية بين الدول والتي تمنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول المضيفة.
ونبّه التيار في بيان من خطورة إقدام القضاء على إحالة القاض مازح على التفتيش القضائي، لأنّ هذا الأمر يُعدّ سابقة خطيرة في تاريخ القضاء اللبناني، إذ انّ القاضي الشجاع والنزيه يستحق وساماً من أعلى الرتب.
وأهاب بالدولة اللبنانية، وعلى الأخصّ برئاسة الحكومة ووزارة الخارجية، التحرك الطبيعي ضدّ التسلط الأميركي والتدخل في الشأن الداخلي اللبناني عبر سفيرته في بيروت السيّدة دوروثي شيا، وحسناً فعل وزير الخارجية الدكتور ناصيف حتي باستدعائها، وعسى أن يبلغها قراراً يوازي سلوكها غير السليم بأنها شخص غير مرغوب به على الأراضي اللبنانية، وذلك تماشياً وتطبيقاً لكافة بنود الاتفاقيات الدولية ذات الارتباط بالعمل الدبلوماسي.
وختاماً نوّه تيار صرخة وطن بوزيرة الإعلام الدكتورة منال عبد الصمد التي نفت بشكل قاطع أن تكون الحكومة اللبنانية قدّمت اعتذاراً للسفيرة الأميركية بشأن قرار القاضي محمد مازح، مؤكدة عدم التدخل بأيّ شأن قضائي احتراماً لمبدأ فصل السلطات.
بدوره حيا رئيس الحركة الإصلاحية اللبنانية رائد الصايغ القاضي محمد مازح على القرار الذي أصدره بحق السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، بسبب وصفها حزباً لبنانياً بأنه «حزب إرهابي»، وتحريضها على الفتنة بين اللبنانيين.
وأسف الصايغ أن ينبري بعض عملاء أميركا ليدافعوا عن السفيرة، من دون أيّ اعتبار لمصلحة لبنان وسيادته واستقلاله، وأيضاً لقيام بعض وسائل الإعلام، لا سيما قناة «أم. تي. في»، قناة الفتنة والتخابر غير الشرعي.
ونوّه الصايغ بكلام وزيرة الإعلام الدكتورة منال عبد الصمد التي نفت أن تكون الحكومة اللبنانية قد اعتذرت من السفيرة الأميركية، مؤكدة احترام الحكومة للقضاء، ليتبيّن أن السفيرة الأميركية تكذب وتدّعي زوراً بأنّ أحداً ما قد وجه لها اعتذاراً باسم الحكومة اللبنانية»!
في المقابل برزت حملة دفاع من قبل بعض النواب اللبنانيين عن شيا، وقالت عضو كتلة المستقبل النائبة رولا الطبش إنّ «قرار القاضي مازح مفاجئ ويدحض كلّ البيانات التي تطالب بصون حرية الرأي والتعبير، وفيه الكثير من الشوائب على الصعيدين القانوني والدبلوماسي»، معتبرة أنّ «القضاء المسيّس في لبنان يهدّد الجميع من دون استثناء حتى أصحاب الحصانات والوسائل الإعلامية».
وزعمت الطبش أنّ «المواقف الأميركية التي صدرت في الفترة الأخيرة تأتي من باب الحرص على لبنان ومستقبله الاقتصادي»، مشيرة في الوقت نفسه الى رفض أيّ مسّ بالسيادة اللبنانية.
اما عضو كتلة الجمهورية القوية النائب ماجد أدي أبي اللمع فغرّد عبر حسابه على تويتر قائلا لا تكيل العدالة بمكيالين، فإما أن يتحرك القضاء لوقف التصريحات التي تمسّ بالشؤون الداخلية والتهجمات على الدول الصديقة أو لا معنى لقرار قاضي صور».