ليلة القبض على قمر الفقراء…
} علي بدر الدين
اكتمل عقد الحرمان واشتدّ الطوق على رقاب معظم اللبنانيين وانفتحت أمامهم أبواب الذلّ والهوان بعد ليلة إلقاء القبض على رغيف خبز الفقراء وقمرهم وحلمهم وأنشودة صباحاتهم والزائر الأول لما تيسّر من طعام لأنه المعوّل عليه لسدّ الجوع وانتفاخ البطن والإيحاء بالشبع والاكتفاء. ويصحّ فيه ما قاله الشاعر الراحل موسى شعيب في قصيدة بعنوان: رسالة إلى رغيف: مولاي باسم الشعب أقرئك السلام
أين ارتحلت فما يراك الناس إلا في المنام؟
وماذا بعد في جعبة الطبقة السياسية لم تفرغه على كاهل هذا الشعب الذي يتلقى الضربات القاتلة المتتالية من الذين ادّعوا وتمادوا في دعوته الى عدم الهلع من تدهور العملة الوطنية وارتفاع سعر صرف الدولار، والى أنّ الطحين والخبز متوفران، وأنّ الدواء والمحروقات على أنواعها موجودة بوفرة، وأن الكهرباء لن يطول انقطاعها ولن يستمرّ تقنينها القاسي، وأنّ اللجان التي تشكلها الحكومة وتجاوز عددها عدد الوزراء الذين معظمهم عاطل من العمل فضلاً عن حجم المستشارين تطوّعاً أو بمقابل مادي لا فرق والمثل يقول كثرة الطباخين المستشارين يفسد الطبخة كما تفسد القرارات التي تبقى حبراً ووعوداً ورغبات لا جدوى منها.
أين الحاكم والحكومة من كلّ ما حصل وما سيأتي الذي سيكون أسوأ وأشدّ أيلاماً وقهراً حيث سيطفو الفقر ويعمّم الجوع وتتفشى الأمراض لكلفة العلاجات وفقدان الأدوية وغلاء أسعارها إذا وجدت والتلاعب بسعر الرغيف وتهديد الأفران بالإقفال؟ وهل يتجرّأ مسؤول أو وزير أو نائب أو أيّ موظف في موقع المسؤولية النزول الى الشارع لتفقد الرعية – القطيع ويطلع على احوالها وكيف تعيش ويرى طوابير الإذلال على أبواب المصارف والصرافين والأفران ومحطات المحروقات؟ ليس فقط لأنه خائف من ردة فعل المقهورين بل لأنه لم يعتد يوماً على السؤال عن أحوال وأوضاع أقله بيئاته الحاضنة ولأنه لا يزور مفاتيحها الانتخابية إلا قبل موعد الانتخابات حيث يضخها بالمعنويات الفارغة وبالوعود الكاذبة وبالنفاق لأنه عاجز ومنافق ولا تعنيه سوى مصلحته وبطيخ الشعب يكسر بعضه هذا الشعب الذي يغرق اليوم ويحتضر ببطء ويفقر ويجوع ويقهر يدفع ثمن خياراته الخاطئة في اختيار من يمثله وثمن ولاءاته العمياء وارتهانه وتبعيته لهذا المسؤول أو ذاك والأخطر أنه يدفع أثماناً مضاعفة لسكوته المريب على جلاديه ومصاصي دمه وسارقي لقمة أطفاله وكأنّ الطير على رؤوسهم أو تجرّعوا مخدّراً أو منوّماً وفقدوا القوة والإرادة والمواجهة من أجل انتزاع حقوقهم من فم تنين الطبقة السياسية التي لا تزال ممعنة في سياسة الفساد والمحاصصة وإلهاء الناس بما لا يعنيهم والذين ما زالوا يراهنون على هذه الطبقة السياسية الحاكمة التي تستكثر حتى إلقاء مجرد قشة يتمسّكون بها على أمل إنقاذهم وهذا ما لم يحصل.
ماذا ينتظر الشعب الجائع والمقهور لقول كلمته والارتقاء الى مستوى معاناته ومآسيه وقد خسر كلّ شيء حتى أنه فقد الأمل بالدولة والطبقة السياسية والحكومة والنواب والمسؤولين في أيّ موقع كانوا، حتى أنه فقد الحرية والعدالة والكرامة رغم صرخات الوجع من الأفواه الجائعة ومن تفاقم أعداد الفقراء وانهيار ما يسمّى بالطبقة الوسطى ومن الموظفين والمتقاعدين الذين فقدت رواتبهم أكثر من ٧٠ بالمئة من قيمتها، فكيف يكون الحال لدى عشرات الآلاف من العاطلين من العمل؟
كلّ هذا الواقع المأساوي الذي يرزح تحته الشعب لم يحرك المسؤولون والسياسيون والوزراء والنواب ساكناً ولم ينطقوا بكلمة واحدة أو موقف لجبر خواطر الناس وتهدئتها ولم يتجرّأ أحد منهم على تقديم استقالته من منصبه أو حتى التلويح بها احتجاجاً على ما يتعرّض له اللبنانيون من إفقار وتجويع وإذلال لم يشهد لبنان مثيلاً سوى إبان الاحتلال العثماني قبل الحرب العالمية الاولى ١٩١٤ وما عرف بسفربرلك.
والسؤال الكبير ماذا بعد مصادرة الرغيف وفقدان الدواء ومواجهة كورونا بالوقوف طوابير أمام الأفران من دون خوف من هذا الوباء المميت ويبدو عند الناس أهون من الموت جوعاً لعائلة باكملها. إنه انتحار بكلتا الحالتين والحلّ بمواجهة الطبقة السياسية التي تعاقبت على الحكم منذ الطائف حتى اليوم وهم معروفون بالأسماء والمناصب، ومنهم من قضى نحبه ومنهم من بقي على قيد الحياة ويمارس سياسته المعتمدة التي كانت ولا تزال سبباً لما يعاني اللبنانيون منه.
لا يعتقدنّ أحد من الذين يتباهون اليوم بتوزيع الخبز او كرتونة غذائية أنهم ساعدوا الشعب وأنقذوه، على العكس تماماً انهم يبرطلونه ويخدّرونه في محاولة لشرائه وضمان سكوته وإلهائه لتضييع بوصلته والرهان على الوقت عله يكون في المقبل من الأيام لصالح هؤلاء الذين قوّضوا أسس الوطن ومؤسساته وجوّعوا شعبه، أو انهم باتوا على دراية بكيفية إخضاع هذا الشعب وتدجينه وضمان سكوته عنها بثمن بخس، وهنا السقطة الكبرى وضياع الأمل بالتغيير والإصلاح، وضياع الوطن…