أولى

الضغط الاقتصادي الأميركي على محور المقاومة يتصاعد فهل الردّ بتدفيع «إسرائيل» ثمناً ام «ندماً»؟

 د. عصام نعمان*

 

تضرب الولايات المتحدة حصاراً وعقوبات اقتصادية على سورية منذ أكثر من عشرين عاماً. ارتفعت بها ذروةً جديدةً منتصفَ الشهر الحالي بمباشرتها تنفيذ «قانون قيصر» الذي لا تقتصر عقوباته عليها بل تمتدّ الى كلّ من يتعاون ويتعامل معها من دول وكيانات وافراد.

سورية اعتادت التصدي للعقوبات الأميركية والتخفيف من وطأتها. اعتمدت خطة للاكتفاء الذاتي محورها تنمية الإنتاج الزراعي والصناعي. إلى ذلك، بادر حلفاؤها، لا سيما إيران، إلى دعمها بخطوط ائتمان مصرفية ساعدتها على توفير مقادير من العملات الصعبة لتأمين مستورداتها من الخارج.

لبنان الغارق في حروب أهلية واضطرابات سياسية وأمنية منذ أكثر من ثلاثين سنة لم يتمكّن من مواجهة التحديات الاقتصادية والمالية المتزايدة خلال هذه الحقبة ما اضطره الى اللجوء لصندوق النقد الدولي بغية الحصول على دعم مالي وفير. إدارة ترامب صعّدت ضغوطها على لبنان. هدّدت مراراً بلسان وزير الخارجية مايك بومبيو ومساعده دايفيد شينكر وسفيرته في بيروت دوروثي شيا بأن لا سبيل الى حصوله على دعم من صندوق النقد الدولي ما لم يُقصِ حزب الله عن حكومته ويسحب سلاح المقاومة التي تعتبرها واشنطن تنظيماً إرهابياً. بل هي ضغطت على فرنسا لتعطيل محاولتها مساعدة لبنان بتهديد استثماراتها، رافعةً شعاراً فاجراً: «لا نفط وأموال للبنان في عهد ميشال عون وطالما حزب الله في الحكومة»!

لبنان يتخبّط حالياً في أزمة اقتصادية خانقة وفي منازعات ومماحكات زعماء أحزابه وطوائفه التي لا تنتهي. نُسب الى وزير داخليته محمد فهمي توافر معلومات حول قيام دوائر استخبارية أجنبية بتمويل وتسليح جماعات وأفراد لإشعال اضطرابات أمنية بغية شلّ البلاد. وعليه، جرى توقيف 40 شخصاً بتهمة المشاركة في أعمال تخريب وقطع طرقات.

إذا كان مرتكز الضغط الأميركي على سورية ولبنان اقتصادياً بالدرجة الأولى، فإنّ مرتكزه في العراق يبدو أمنياً. فقد داهمت قوة عسكرية تابعة لـ ِ»جهاز مكافحة الإرهاب» مقراً لفصيل «كتائب حزب الله» المنخرط في محور المقاومة واعتقلت بعض أعضائه. أمين عام «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي اتهم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بإثارة «فوضى عارمة»، وانّ الأميركيين هم وراء اتهام فصائل الحشد الشعبي بقصف مقار السفارات في المنطقة الخضراء لتبرير اعتقال كوادرها.

كلّ ما جرى ويجري في هذه الآونة لا يمكن فصله عمّا يجري في فلسطين المحتلة، لا سيما ما يتعلق بتهديدات بنيامين نتنياهو بضمّ أجزاء من الضفة الغربية الى «إسرائيل». غير أنّ قناة التلفزة الإسرائيلية «كان» نسبت الى وزير الخارجية غابي اشكنازي انّ «إسرائيل» لن تُقدِم على ضمّ منطقة غور الأردن بل ستقوم بعملية ضمّ تدريجي بدءاً بفرض سيادتها على عدة مستوطنات قريبة من القدس.

إذ يعتقد مراقبون في عمّان ورام الله أنّ العاهل الأردني، وإنْ بدا محرجاً لاحتمال قيام نتنياهو بضمّ غور الأردن وربما غيره من مناطق الضفة، إلاّ انّ ردّة فعله لن تتعدّى سحب السفير الأردني من تل أبيب لبعض الوقت.

المشهد في غزة يبدو مغايراً. نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» صالح العاروري قال في مؤتمر شعبي كبير: «اذا اقتضى الأمر نموت في سبيل حرية وحياة شعبنا ولا نتردّد (…) فما قيمة الحياة إذا يُراد لك أن تعيش عبداً، وهذا ما يريده الإحتلال». ناطق بإسم كتائب القسام هدّد بردّ قاسٍ يجعل «إسرائيل تندم على فعلتها».

 في ضوء تصعيد الضغط الاقتصادي الأميركي وتهديدات نتنياهو بضمّ أجزاء من الضفة الغربية، كيف تراه يكون الردّ؟ فلسطينياً فحسب أم موسّعاً بمشاركةٍ لبنانية وسورية؟ أم يكون سياسياً فاتراً كما اعتاد قادة العرب، غالباً، في مرحلة ما بعد جمال عبد الناصر؟ ام يكون عسكرياً محدوداً؟

كثير من المراقبين يميل الى الإعتقاد بأنّ إدارة ترامب من جهة، وقادة وأجهزة الأمن الإسرائيلية من جهة أخرى سيضغطون على نتنياهو ليكتفي بضمّ عددٍ محدود من المستوطنات القريبة من القدس، مؤمّلين بأن يؤدّي ذلك الى تنفيس ردود الفعل الفلسطينية والعربية.

بعض المراقبين يرى انّ ضمّ أيّ جزء من الضفة الغربية في هذه الآونة سيشجع حكومة الاحتلال اليمينية على ضمّ المزيد من الأراضي المحتلة لاحقاً، كما يعزز عزيمة إدارة ترامب على التمادي في تصعيد حصارها وعقوباتها الاقتصادية على سورية ولبنان ومحاولة النيل من قوى المقاومة فيهما.

لنفترض أنّ أهل القرار في سورية ولبنان وقطاع غزة والضفة الغربية اعتمدوا الرأي الداعي الى عدم التهاون والردّ بقوة على العدو الصهيوأميركي، فكيف تراه يكون حجم الردّ وزمانه ومكانه؟

قبل الجواب، ثمة سؤال يُطرح على حركة حماس» التي قال ناطق بإسم جناحها العسكري إنّ الردّ سيحمل «إسرائيل» على الندم، فهل انّ ردّ فصائل المقاومة سيكون بعيار متوسط، مثلاً، بقصد إكراه «إسرائيل» على الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين لديها لجعلها تندم على فعلتها العدوانية، أم انّ فصائل المقاومة ستغتنم قلق «إسرائيل» الواضح من ميل كفة ميزان القوة الرادعة لصالح أطراف محور المقاومة، لا سيما حزب الله في لبنان، فتُقدم وفق خطة مشتركة ومتكاملة على توجيه ضربة قوية لها تُضطرها على دفع ثمن وازن كرفع الحصار عن قطاع غزة ناهيك عن إطلاق الأسرى جميعاً؟

ثمة سؤال آخر يُطرح على قادة المقاومة السياسية والعسكرية في لبنان، كما على أهل القرار في سورية: هل تظلّون مكتوفي الأيدي بينما تصعّد إدارة ترامب حصارها وعقوباتها الاقتصادية على بلديكما، وتستأنف تمويل وتسليح تنظيميّ «النصرة» و»داعش» لمضاعفة نشاطهما الإرهابي في سورية، وتفعل الأمر نفسه مع جماعات وأفراد في لبنان لإفتعال فوضى عارمة تشلّ البلد برمّته؟

ثمة فريقٌ بين المراقبين في بيروت ودمشق يدعو قيادة المقاومة اللبنانية كما أهل القرار في سورية الى اغتنام فرصة شيوع مناخ عام من القلق والخوف في «إسرائيل» (مردّه وجود قناعة راسخة بين القادة الأمنيين وحتى لدى وزير الأمن السابق أفيغدور ليبرمان بأنّ لدى حزب الله نحو 150 الف صاروخ ذات قدرة تصويب دقيقة وانّ ميزان قوة الردع مال نحوه بالتأكيد) لتوجيه ضربة قوية لـِ «إسرائيل» استباقاً لقيامها بإعتداءات تمسّ الأمن القومي للبنان وسورية كما لفصائل المقاومة الفلسطينية، وانّ من شأن هذه الضربة الاستباقية القضاء على «صفقة القرن» كما على ايّ تهديد استراتيجي إسرائيلي في قابل الأيام.

لنفترض انّ خيار الضربة الاستباقية الرادعة أصبح خياراً مقبولاً لدى قادة المقاومة في لبنان وسورية وفلسطين المحتلة، فأين تراه يكون هدف الضربة ومتى يكون توقيتها؟

من المعروف انّ «إسرائيل» تقوم باعتداءات شبه يومية في عمق الأقطار الثلاثة: اختراقات جوية في سماء لبنان، واستخدامها منصة لضرب مواقع ومنشآت مدنية وعسكرية في سورية، ومحاولات متكرّرة لتعديل ترسيم خط وقف إطلاق النار البري والبحري بين لبنان و»إسرائيل»، وترسيخ الحصار على قطاع غزة وضرب مواقع داخل المناطق الآهلة فيه.

يمكن اختيار هدف الضربة الإستباقية في خاصرة «إسرائيل» الرخوة: الجبهة الداخلية، لا سيما في «غوش دان» (المنطقة الساحلية الضيقة بين حيفا ويافا) حيث تكتظ مرافق الصناعة والنقل ومعامل الكهرباء والمصانع الحربية والسكان) أو في البحر حيث تقوم منشآت استخراج النفط وتصديره.

الأرجح ان تكون الضربة الإستباقية قوية ومحسوبة ومحدودة وذلك تفادياً لقيام «إسرائيل» بتوسيع رقعة الحرب. الأرجح أيضاً أنها لن تنزلق الى توسيع رقعة الحرب لأنّ الأضرار التي ستلحق بها ستكون أكبر بكثير من الأضرار الممكن أن تلحق بسورية، المدمّرة مرافقها أصلاً بفعل الحرب الكونية التي شُنت عليها طيلة السنوات التسع الماضية، او الأضرار التي يمكن ان تلحق بلبنان.

خيار الضربة الإستباقية ليس سهلاً بطبيعة الحال. لكن قادة المقاومة وأهل القرار في لبنان وسورية وفلسطين المحتلة مدعوّون الى التفكير فيه بعمق وتؤدّة، خصوصاً إذا ما أدركوا أنّ قادة «إسرائيل» قد يلجأون قبلهم الى ضربة استباقية ظنّاً منهم بأنّ حرباً يخوضونها اليوم وانتصارهم فيها محتمل قد يضطرون الى خوضها غداً وهزيمتهم فيها مؤكدة.

 

* وزير سابق

 

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى