مثقفون لكننا نحتاج المزيد…
} مريانا أمين
الثقافة العربية تتدهور والاستبداد المستمرّ يجعل شعوباً بأكملها تؤخذُ بما يلمع ولا تهتمّ بالجوهر؛ إنه منبع من منابع الجهل ومصدر من مصادر الأوبئة الاجتماعية.
منذ نصف قرن كانت بلدتي كغيرها من قرى لبنان مشغولة بالزراعة وأهمّها زراعة التبغ؛ وهذا العمل والجُهد بحاجة للأيدِي العاملة، فالعائلة من كبيرها لصغيرها كانت تعمل ليل نهار، والإناث كانت عاملات في حقول التبغ؛ ولن ننسى ما قيل عند البعض من مفاهيم خاطئة بأنّ الفتاة عليها أن لا تتعلم القراءة ولا الكتابة كي لا تكتب رسالة حب لعشيقها عندما تصبح في سنّ المراهقة أو الزواج؛ فبقيت الإناث كالعظم المكسور لا حول لهن ولا قوة، فاقتصر التعليم على الذكور فقط، لكن شيئاً فشيئاً بدأت فكرة جديدة تتسرّب إلى العقول، كيف الشعوب بالعلم تنتصر وبالجهل تنهزم؛ وبات الجميع يدخلون المدارس الرسمية من الجنسين وبالأخص الفقراء لأنها قليلة التكلفة.
ونمت المدرسة الرسمية في القرى في بداية الستينات من القرن الماضي وبدأ الوعي ينمو في عقول البشر وباشر العلم يأخذ مكانه ليشعشع في عقولهم.
وأصبحت المذلّة لكلّ أب لا يعلّم أولاده أو لا يدخلهم المدرسة.
وكان عقد الستينيات بداية التطور التعليمي؛ هذا شأن أولاد الفقراء، وأما الأغنياء فكانوا يرسلون أولادهم للتعلم في المدارس الخاصة.
وبدأت الأندية والجمعيات الثقافية تزداد في الستينيات والسبعينيات حيث تحمّلت بعض المسؤولية في المجتمع الأهلي وفتشت عن مكامن الضعف؛ وكان في مقدّمتها فتح دورات لمَحوّ الأمية وتعليم المهن الحرة، فشعارهم (مَن بيده مهنة لا يجوع ولا يفقر)؛ وبدأ العلم ينمو شيئاً فشيئاً بفضل الفكر التقدّمي والوطني والقومي الذي أخذ يغزو عقول الشباب الذين كافحوا لمحو مكامن الجهل وكانوا مثالاً يقتدي به في المجتمع.
هذا في لبنان، الذي كان سبّاقاً في الثقافة نسبة للدول العربية الأخرى، بفضل الأدباء والشعراء الذين أخذوا يحثون على تزويد النشئ الجديد بالعلم؛ ولمعت صورة المتعلم على أنه ناجح في كلّ أموره، وله الحق بالوظيفة والجلوس وراء المكاتب أما من لم يحمل الشهادة فعملهُ جسدي يعتمد على عرق الجبين.
أما اليوم فلبنان رغم كلّ المشاكل الاقتصادية التي يمرُّ بها نراه الأفضل بين الدول العربية من حيث محوّ الأميّة ففي الإحصائيات الأخيرة التي تدمي القلب قبل العين تتخطى تسعين مليون أمياً عند العرب، أيّ أكثر من ربع سكان الدول العربية لا يعرفون القراءة والكتابة.
فالشعوب العربية ومفكروها وعلماؤها ومثقفوها الذين أبدعوا في مجالات شتى، لكننا ما زلنا نطلب المزيد؛ فأرضنا خصبة معطاء فعلى السلطات تبني هؤلاء وفسح المجال لهم بالعمل والعطاء؛ كي لا يغرق الباقون في الجهل والتخلف، وتجعل لقمة عيشهم مغمسة بالدم كي لا يخرجوا من مشكلتهم الأساس!؟
فجميعنا يعرف كيف بات كثير من العرب يستعملون الانترنت بدلاً من الكلمة والكتابة؛ حيث تصطادهم بسهولة مواقع الانحراف الجنسي والأخلاقي والتعصب الطائفي والإرهاب.
فهل الجميع على علم بالكارثة التي تحصل!؟
هل الجميع يعرف أنّ القراءة هي غذاء العقل والروح والقلب وسبيل أساسي في تقدّم المجتمعات وتطوّرها!؟
متى ستتزيّن حياة العربي بالزاد الفكري الذي يُسمّى المعرفة لينمو فكرهُ في مختلف نواحي الحياة، ومتى يسمح له بقراءة كل الكتب؛ ومتى تصبح المطالعة نشاطاً إعتيادياً تنير طريقه وترشده الى الحضارة!؟
المسؤولية على الجميع شعوب وسياسيين وملوك ورؤساء وكلّ من يتحكم بالبلاد والعباد؛ ورجال الدين ليسوا من هذا ببراء…
فالأمية فرضت فرضاً على المجتمعات العربية، وما ينمي التخلف هو عدم تدارك الشعوب لتدخلات سياسية كبرى تغرق أوطاننا بالجهل والضياع وعدم التقدّم.
فمتى يحين أدراك الجميع بأنّ عظمة الشعوب وتقدّمها هي بمدى معرفتهم وقدرتهم على الفهم وكسب المعرفة ودراسة مختلف الحضارات وأخذ ما يتناسب مع ثقافة الشعوب العربية وعاداتها وهذا يبدأ بمحوّ الأميّة.
فبالعلم نبني وبالجهل نهدم!