في رحيل فارس الومضة أمين الذيب
} رنا محمد صادق
رحل الشاعر والناقد والزميل أمين الذيب وبرحيله ترك لديّ حفنة أملٍ بيوم جديد، وآفاقاً حديثة في المجال الأدبي والشعري.
إن أردت أن أرثيك شعراً وأدباً سأقول لك، هنيئاً ما صنعت يداك من أدبٍ وجيزٍ وجمعة من الشعراء الكرام، الذين هم من بعدك أهل لحمل الشعلة الشعرية التي تركتها لهم.
وإن أردت أن أودّعك شخصاً سأردّد، كم كنت طيباً، وسعيداً في أصعب أوقاتك.
غالبت الظروف وصنعت من اللا شيء ملتقىً، ورغم عقبات الرحلة الشعرية اجتزتها واجتزت معها الكثير من الانتقادات.
أمين الذيب سيفتقدك زملاؤك في ملتقى الأدب الوجيز، وستفتقدك الصفحة الثقافية في جريدة «البناء» التي كنت ترفدها أسبوعية بإضاءة وازنة من قلمك او من أقلام زملائك في الملتقى. وفي الفترة الأخيرة كنت تفيض علينا بأكثر من إضاءة أسبوعياً. زميلي العزيز. خانك قلبك إثر ليل قاتم. لكن رحلت بهدوء رغم صخب الموت وألمه، بعد جائحة كورونا. في تلك «الليلة التقى السائد بالمتلقي»، كما كتبت قبيل رحيلك وقبيل أن تفقد القدرة على الكتابة فيسقط من يدك قلم أتعبته كثيراً. لم أرَ في هذا الغياب سوى فقدان زميل كان قد زيّن الصفحة بجمال قلمه وبعثر المكان بحضوره البهيّ، من حيث لا يدري سعى دائماً للأفضل وثابر بعزم على النجاح في طريقه.
ويسعدني أن أذكر في هذا الرثاء كلمات للراحل أمين الذيب في حديث خاص مع «شباب مصر» عن رمزية الأدب الوجيز، حيث قال: ما كان يلفتني دائماً، هو تراجع النقد الأدبيّ، ليس بمدارسه القديمة فقط إنما بقصوره عن التطور، وخلو الساحة النقدية من إرادة التجديد، ولكوننا حركة فكرية تجاوزية نقدية، كانت مشكلتنا الأولى مع النقد، الذي ساهمتُ وبعض المهتمين بتوجيه الانتباه إلى ابتكار مدارس نقدية محدثة، لكون أن أهم مآخذنا على المدارس النقدية، أكانت بنيوية أو واقعية، أنها لم تستطع محاكاة الظواهر الفنية والاجتماعية، فوقعت في مطابقة النص مع الواقع، من دون أن تستنبط الاستحالة بين الإبداع المتفجّر من الواقع والواقع نفسه، كما أنها من ناحية استتبابها بالنمطية لم تلحظ ولم تعنَ بتفجر الأشكال أو بالدلالة لظاهرة تجدّد الشكل. كما أغفلت لقناعتها باستتباب القيم النواحي الروحية في الشعر، كالغوص بالمكبوت عند الشاعر وتجلياته الرمزية خاصة في ملامحه الدينية والنفسية، كما لم تُعنَ بنسبية الاستقلاليّة الشعريّة عن المعايير المجتمعية السائدة وتغيراتها الضرورية، كما أهمل حركيّة النص باعتباره حيوية منتهية حين الفروغ من كتابته، ولم ينظر إليه قط بأنه مشروع مستقبليّ، وهذا لعدم قدرة النقد السائد على الانفتاح على القارئ المقبل، هذا هو المعنى الذي نسعى نحن كملتقى أدب وجيز أن نصقله ونبعثه كحالة تجاوزية نقدية».
بهذه البعثرة البهيّة رحل أمين الذيب وترك وراءه مجهود سنين على الأدب الوجيز ومدركاته البحثية والعملية، لحياة الفكرة وتوازن الحداثة.