واشنطن تخسر الجولة الحاسمة حول الاتفاق النوويّ
ناصر قنديل
– خلال لقاء جمعني خلال زيارتي لطهران، بوزير الخارجية الإيرانية الدكتور محمد جواد ظريف في مطلع شهر شباط الماضي، وفي لحظة تأزم حول الملف النووي، والتهديدات الأوروبية بنقل الأمر إلى مجلس الأمن الدولي، وفقاً لبنود الاتفاق بمنح الأطراف الموقعة على الاتفاق هذا الحق إذا وقعت مخالفات متمادية في تطبيقه من جانب أحد الموقعين. وكان مفوّض السياسة الخارجية الجديد الأوروبية جوزيب بوريل يغادر طهران بعد جولة محادثات، قال ظريف، إيران لن تخرج من الاتفاق مهما كانت الضغوط والاستفزازات، فسوف نجد ردوداً من ضمن الاتفاق لأن أحد أكبر المكاسب القانونية والسياسية لإيران من الاتفاق يستحق في شهر تشرين الأول، وهو رفع الحظر عن استيراد وتصدير السلاح منها وإليها، وهو أمر تلقائيّ وفقاً لنصوص الاتفاق ولا يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن الدولي الذي صادق على الاتفاق، بل إن تجديد الحظر هو الذي يحتاج إلى قرار، تثق إيران ويعلم الأميركيون والأوروبيون أنه مستحيل في ظل فيتو روسي صيني، بالتمسك بمندرجات الاتفاق كنموذج لحل الخلافات الدولية بالطرق الدبلوماسية، وهو ما يعرفه الأوروبيون، ويعترفون به، لكنهم يجسّون نبض إيران، ويبحثون عن مخارج لا تضعهم في مواجهة مع أميركا من دون التفريط بالاتفاق النووي كمدخل لفرص اقتصادية واعدة، ولاستقرار سياسي وأمني موعود، ولذلك يسعى الأميركيون عبر الاستفزازات لإيصالنا إلى لحظة ضيق نخرج فيها من الاتفاق فنخسر هذا المكسب الكبير، لكننا لن نفعل مهما قلنا في سياق التصعيد إن خيار الخروج من الاتفاق وارد، والكلام يومها لم يكن للنشر طبعاً، لكنه اليوم بات من المفيد وضعه في التداول، فكل شيء قد بلغ النهايات.
– بالأمس كان الموعد في مناقشات مجلس الأمن الدولي حول الطلب الأميركي بتجديد حظر السلاح على إيران، وكانت المواقف واضحة بتحميل واشنطن مسؤولية زعزعة مسار تطبيق الاتفاق عبر الانسحاب الأحادي. ولم يكن الأمر محصوراً بما قاله مندوبا روسيا والصين، بل أظهرت مواقف غالبية الأعضاء تقديراً للالتزام الإيراني بالاتفاق وموجباته، رغم الانسحاب الأميركي وتشديد العقوبات على إيران، وبدت المواقف الأوروبية الرافضة لتجديد الحظر بصفته إعلان سقوط للاتفاق، أقرب لموقف كل من روسيا والصين ولو بلهجة أخرى. والحصيلة خسارة أميركية مدوّية، وانتصار دبلوماسي نوعي لصالح إيران، التي سيكون بمستطاعها عقد صفقات شراء وبيع الأسلحة من دون تعقيدات قانونية أممية، والكلام الأميركي كان واضحاً لجهة وجود تفاهمات إيرانية مع كل من روسيا والصين على صفقات سلاح كبيرة، في ظل امتلاك إيران لبرامج تطوير صاروخي يحظى بدعم دبلوماسي صيني وروسي، وسيحظى وفق الاتهامات الأميركية بالمزيد من الدعم التقني واللوجستي بعد رفع حظر السلاح، وتحوّل الحركة الأميركية إلى طلقة طائشة في الهواء، رغم الحشد الإعلامي الذي قامت به حكومات الخليج وحكومة كيان الاحتلال لصالح تظهير خطورة رفع الحظر عن إيران.
– بعد تشرين الأول إيران ستمضي سريعاً في تنمية مقدراتها العسكرية، وستصبح أشد منعة، وأكثر قدرة على توجيه التهديدات، وستفرض حضوراً عسكرياً كقوة أولى في المنطقة، لا يمكن تحدّيها، وما هي إلا شهور قليلة وتمضي، فكيف ستتصرّف إدارة الرئيس دونالد ترامب مع دروس هذه الجولة، في ظل انسداد الخيارات العسكرية، وانعدام فرص تحقيق أي تراجع لإيران وقوى المقاومة مهما بلغ الحصار وتمادت سياسات التجويع عبر تشديد العقوبات، وفي ظل تراجع فرص الرئيس دونالد ترامب في الفوز بولاية رئاسية ثانية بعد تقدّم منافسه جو بايدن عليه بـ 14% من أصوات الناخبين وفقاً لاستطلاعات الرأي؟
– المنطقة وفي قلبها لبنان على موعد مع الكثير من المفاجآت، خلال المئة يوم المقبلة، وكل حدث قابل للتحوّل إلى باب للتصعيد أو إلى باب للتفاوض، وإمكانيات الانزلاق للمواجهة شديدة السيولة بلا ضوابط، وإمكانيات فتح الأبواب لتفاهمات قائمة، وصمود محور المقاومة وقواه ومجتمعات الدول التي يتحرّك على ساحاتها ستزداد مؤشراته في الاقتصاد كما استعداداته في الميدان، رغم الضجيج والتهويل والحديث عن الانهيار، وربما يحمل شهر أيلول الإشارات الأهم في الدلالة على وجهة الأحداث في اللعب على حافة الهاوية.