هزيمة أميركيّة في مجلس الأمن… وقمة افتراضيّة لبوتين وأردوغان وروحانيّ حول إدلب / استقالة مازح تكشف تدخُّل وزيرة العدل… وترسم أسئلة حول مَن يحمي السيادة؟ / رئيس الحكومة يجمّد قراراً تفجيريّاً لوزير الاقتصاد برفع سعر الخبز يحرّك الشارع /
كتب المحرّر السياسيّ
بعد الصفعة التي تلقّاها الأميركيون في رهانهم العراقي على وضع الجيش بوجه الحشد الشعبي، ونجاح فصائل المقاومة بإثبات تماسكها وإمساكها بزمام المبادرة في الميدان، صفعة دبلوماسية وقانونية في مناقشات مجلس الأمن الدولي الذي طلبت واشنطن انعقاده لبحث تجديد حظر السلاح على إيران، قبل حلول موعد رفع الحظر التلقائي الذي ينصّ عليه الاتفاق النوويّ بعد خمس سنوات من توقيعه وتصديقه من مجلس الأمن الدولي، الذي يستحقّ في شهر تشرين الأول، حيث أفضت المناقشات إلى كشف عزلة أميركيّة ظهرت بمواقف حلفاء واشنطن، بما في ذلك الأوروبيّين الذين أكدوا التمسك بالاتفاق النووي وموجباته، وسجلوا انتقاداتهم للانسحاب الأميركي منه، بينما ذهب مندوب جنوب أفريقيا على اعتبار الانسحاب الأميركي والعقوبات الأميركية تعبيراً عن انتهاكات لمعايير القانون الدولي واستهتاراً بقرار مجلس الأمن. ورأت الصين أن واشنطن بعد انسحابها من الاتفاق لا تملك مشروعيّة التحدّث عن مخالفات إيرانية لبنوده لتبرير طلبها، فيما أكدت موسكو حق إيران بالتسلح، والإفادة من رفع الحظر وامتلاك قدرات دفاعية، يبررها التهديد الأميركي المتصاعد ضدها.
بموازاة فقدان واشنطن لقدرة المبادرة العسكرية والسياسية تتقدّم موسكو وطهران في الميدانين، حيث ستكون القمة الثلاثية التي تضمّ الرؤساء الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب أردوغان والإيراني الشيخ حسن روحاني، محطة فاصلة حول وضع إدلب ومسار أستانة السياسي والعسكري. وقالت مصادر متابعة للملف إن تركيا ستكون على المحك في القمة بين خياري تسهيل عملية عسكرية سورية بدعم الحلفاء لحسم الوضع شمال غرب سورية، أو بتقديم ترتيبات عملياتيّة لانسحاب المسلحين وتوفير فرص الحل الأمني سلمياً.
لبنانياً، بدا المشهد السياسي مرتبكاً تحت ضربات ثقيلة، تمثلت بالارتباك الناجم عن عقود التدقيق المالي في مصرف لبنان بعدما كشفت التقارير ارتباط إحدى هذه الشركات بكيان الاحتلال، والعجز عن البتّ بالأمر في مجلس الوزراء ما استدعى التأجيل، ومثله العجز عن البت باستقالة مدير عام المالية آلان بيفاني، في ظل تساؤلات عن تمسك الحكومة بمقاربتها للخسائر المالية وأرقامها، وموقفها من ضغوط جمعية المصارف، التي رحّبت باستقالة بيفاني، بينما أكد رئيسها ترحيبه بالتعاون مع الحكومة، التي عاد رئيسها لتأكيد تمسك الحكومة بأرقامها الواردة في الخطة ورؤيتها لتوزيع الخسائر، لكن الضربات الثقيلة تمثلت بالصورة الهشّة التي ظهر عليها الموقف السيادي اللبناني في تعامل وزيرة العدل التي طلبت من مجلس القضاء الأعلى إحالة القاضي محمد مازح إلى التفتيش القضائي، كما فهم من تصريحها، وهو ما نجم عنه استقالة مازح الذي كان تبلغ دعوة لمناقشة حيثيات حكمه الخاص بنشر وسائل الإعلام لتصريحات السفيرة الأميركية، وفوجئ بقرار إحالته للتفتيش، وجاء التعبير عن هشاشة الموقف الحكومي والقضائي تصديقاً لما سبق وقالته السفيرة عن تلقيها اعتذاراً حكومياً ولما نقلته عن لقائها بوزير الخارجية ناصيف حتي، حيث تحدّثت مصادر متابعة للملف عن تبلغ السفيرة بإحالة القاضي مازح إلى التفتيش. وهذا بذاته أكثر من اعتذار. وقالت المصادر إن خطورة ما جرى أن لبنان يمرّ في توقيت يرافق الضغوط الأميركية المعلوم استهدافها فرض ترسيم للحدود البحرية يلائم مصالح كيان الاحتلال بالتزامن مع إطلاق وزارة الطاقة في حكومة الكيان لمناقصة تلزيم التنقيب عن النفط والغاز في المناطق المحاذية للمياه الإقليميّة اللبنانيّة، بصورة تُضعف قيمة المواقف الصادرة عن رئيسي الجمهورية والحكومة حول التمسك بالثروات السيادية.
الضربة الثقيلة الأخرى جاءت من وزير الاقتصاد الذي أصدر قراراً وصفته مصادر اقتصادية بالطائش والتفجيريّ، فرفعُ سعر الخبز في ظروف طبيعية يشعل ثورة، فكيف في ظروف الجوع الذي يواجه شرائح لبنانية واسعة، تتحدّث عنها تقارير الحكومة، وتشير إلى الحاجة لخطط لمواجهة تداعياتها، وفيما جمّد رئيس الحكومة قرار وزير الاقتصاد، شهد الشارع عودة تصعيدية للتحركات شملت احتجاجات سلميّة وأعمال شغب وقطع طرق في العديد من المناطق.
وما أشبه الأمس باليوم، رغم أن الشارع اليوم لم يتحرّك بالشكل المطلوب، فبينما شكل قرار وزير الاتصالات السابق محمد شقير في الحكومة السابقة بفرض رسم 6 دولارات على الواتساب الفتيل الذي أشعل الاحتجاجات أو ما عرف بانتفاضة 17 تشرين، يكاد وزير الاقتصاد الحالي راوول نعمة أن يسلك الطريق نفسه تجاه لقمة عيش المواطن، فهو أعلن بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء أنه سيصدر قراراً اليوم يرفع فيه ثمن ربطة الخبز 900 غرام الى 2000 ليرة لبنانية؛ الأمر الذي دفع عدداً من المواطنين الى قطع الطرقات في مناطق مختلفة توزّعت بين المشرفية، الحمرا، كورنيش المزرعة – المدينة الرياضيّة، فردان والناعمة فضلاً عن طرقات أخرى في الشمال والبقاع، وسط هذه الأجواء بدا أمس أن قرار نعمة لن يمرّ مرور الكرام عند بعض الجهات السياسية، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة حسان دياب الى الطلب من نعمة الرجوع عن قراره.
ومساء أكد نقيب أصحاب الأفران أنه «سيتم توزيع الخبز على المحال كالمعتاد اليوم وسنسلّم ربطة الخبز لأصحاب المحال على سعر 1650 ليرة، بالتالي سنخسر أيضاً 350 ليرة». ونوّه بأن «سعر الـ 2000 ليرة لبنانية تم اتخاذه وفقاً لوصول سعر صرف الدولار إلى 8000 ليرة، ولكن اليوم ارتفع سعر الصرف إلى 8500 ليرة و9000».
إلى ذلك علمت «البناء» أن نقاشاً واسعاً حصل خلال جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، حيال الوضع المالي المتصل بالتدقيق المركز لحسابات مصرف لبنان، وأبدى كل وزير بوجهة نظره بيد أن وزير المال غازي وزني قال إن الجهة التي يمثلها في الحكومة لا توافق على إجراء التدقيق المركز عبر شركة كرول التي لها ارتباطات مع «اسرائيل». وأعلن وزير المال انه لم يعد موافقاً على إجراء التدقيق المركز لحسابات مصرف لبنان بحجة تسريب المعلومات الى جهات معادية عبر شركة كرول. وفيما اعترض عدد من الوزراء على أساس ان مجلس الوزراء كان ناقش الأمر في جلسات عدة واتخذ قراراً بالتدقيق المركز، أكد الوزير عباس مرتضى أنه يملك معلومات عن ارتباط الشركة بـ«إسرائيل» ليقترح وزير الصناعة عماد حب الله تأجيل الموضوع، وبعد أخذ ورد تقرر تأجيل البت بالموضوع الى الخميس المقبل لاستيفاء مزيد من المعلومات حول هذا الموضوع.
ولفتت المصادر إلى أن «رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كان أصرّ على تنفيذ قرار مجلس الوزراء بشكل كامل مميزاً بين التدقيق المحاسبي الذي ستجريه oliver wine وkpmg والتدقيق المركز الذي ستجريه «krol».
وقال عون في مستهلّ جلسة الحكومة إنّ «التدقيق المركز من شأنه تبيان الأسباب الفعلية التي أدّت بالوضعين المالي والنقدي إلى الحالة الراهنة، إضافة إلى تبيان الأرقام الدقيقة لميزانية المصرف المركزي وحساب الربح والخسارة ومستوى الاحتياطي المتوفر بالعملات الأجنبية».
وأعلن رئيس الحكومة حسان دياب في نهاية الجلسة الحكومية: «ملتزمون بالخطة المالية وبأرقام الخسائر الواردة فيها وقد تجاوزنا ذلك ونبحث الآن في كيفية توزيع الخسائر بالتواصل مع حاكم المركزي والقطاع المصرفي ووزير المال حتى نجد السيناريو المناسب». وقال: «ليس هدفنا تركيع القطاع المصرفي أو مصرف لبنان ولن يدفع المودعون الثمن».
وأرجأ مجلس الوزراء خلال جلسته برئاسة البتّ باستقالة المدير العام للمالية ألان بيفاني الى الاسبوع المقبل بعدما أبلغ وزني المجتمعين تسلّمه كتاب استقالة بيفاني. اما وزير الاتصالات طلال حواط عن محطات الإرسال وعن النقص بالمازوت، مشيراً إلى أنه سيجتمع بوزير المالية لتأمين المال اللازم.
وكانت اعترضت وزيرة الدفاع زينة عكر على «الأداء العام» في مجلس الوزراء، وطالبت باتخاذ إجراءات فورية وسريعة، تواكب الانهيار على كل المستويات المعيشية. وقالت عكر في مداخلة لها أمام مجلس الوزراء، إنّ «علينا واجبات يجب القيام بها، فصحيح أننا محاصَرون، ولكن هذا لا يعني أنّه علينا الوقوف أمام حائط مسدود. فنحن أعدّينا خطة مالية بعد خمسة أشهر من عملنا. لكنها تصطدم بمشاكل، فما هو البديل؟ يجب أن يكون لدينا خطة بديلة». وأضافت: «الدولار يرتفع والليرة تنهار. الحلول يجب أن لا تكون تقنية فقط. بل سياسية أيضاً. وعلينا تنفيذ الإصلاحات سواء كانت ستأتينا بمساعدات أم لا. فهي إصلاحات أساسية لبناء الدولة، ومن ضمنها يجب إنهاء ملف المباني الحكومية المستأجرة، وإنهاء ملف المجالس والهيئات والمؤسسات الحكومية، التي لم تعد لديها حاجة. وتجب تهيئة المدارس الحكومية لاستقبال آلاف الطلاب الذين لم يعد أهاليهم قادرين على وضعهم في مدارس خاصة».
وتابعت: «مع انخفاض أسعار النفط عالمياً كان علينا أيضاً شراء كميات من النفط بأسعار منخفضة جداً وتخزينها. وهذا ما لم يحصل رغم أننا ما زلنا قادرين على القيام بذلك اليوم». كما طالبت وزيرة الدفاع بإنهاء السلة الغذائية ودعم وزراء الصناعة والزراعة والاقتصاد للقيام بالإصلاحات التي طرحوها. وفي الشأن المالي قالت عكر: «علينا أن نمنع بكل قوتنا التنفيذية تحويل ودائع الناس في المصارف إلى أسهم».
وعلم أن وزيرتي العدل ماري كلود نجم والمهجرين غادة شريم، اللتين أيدتا كلام عكر، اعتبرتا أنه لا يمكن الاستمرار بهذا النهج، الذي أرسته المنظومة السابقة، ولا بدّ من التعاطي بفعالية أكبر في تطبيق مقررات مجلس الوزراء. وأبدت الوزيرتان تمسكاً بخطة الحكومة كمنطلق أساسي للتفاوض مع صندوق النقد الدولي.
أما على خط المازوت فأعلن وزير الطاقة والمياه، ريمون غجر في مؤتمر صحافي أن «هناك شحاً اليوم في المازوت، وبالأخص في منشآت النفط، التي أصبحت تؤمن اليوم أكثر من 40 في المئة من السوق المحلي»، موضحاً أن «آلية Spot Cargo لاستدراج عروض لشراء 60 ألف طن من الديزل أويل (المازوت) لمنشآت النفط في طرابلس والزهراني سوف تؤمن المشتقات النفطية بطريقة سريعة، لأنها تفتح المجال أمام شحنات الديزل أويل الجاهزة للتسليم في وقت قصير.
وبينما شدّدت نقابة تجار المواشي بأن «استيراد المواشي الحيّة واللحوم هو بالدولار الأميركي مئة في المئة وأن الدولار مفقود في المصارف، وشبه مفقود لدى الصرّافين. وأموال المواطنين والتجار محجوزة لدى المصارف. وقد أصبحت أرقاماً. ولا أحد يستطيع استعمالها لفتح اعتماد للاستيراد، توجهت للمعنيين بالقول «إما أن تفرجوا عن أموالنا في المصارف أو ادعموا قطاع اللحوم كباقي القطاعات المدعومة، وإلا لم يعُد لدينا سوى خيار وحيد، وهو الإقفال العام والتوقف عن العمل وعن الاستيراد».
في هذا السياق، ألغت المؤسسة العسكرية «بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة في لبنان، مادة اللحم كلياً من الوجبات التي تقدم للعسكريين أثناء وجودهم في الخدمة..
وحيث بقيت قضية منع السفيرة الأميركية دوروثي شيا من التصريح في الإعلام تتفاعل، برزت تطورات على المسلك القضائي فقدم قاضي الأمور المستعجلة في صور محمد مازح استقالته لمجلس القضاء الأعلى، بعد إحالته للتفتيش القضائي. ومثل مازح، أمس أمام مجلس القضاء الأعلى في قصر العدل.
وأعلنت وزيرة العدل ماري كلود نجم في بيان أنه واحتراماً منها لاستقلالية القضاء المكرسة بموجب الدستور، لا تخوض في تقييم القرارات القضائية، وتعتبر أن من يتضرّر من قرار قضائي يجب أن يسلك الطرق القانونية للطعن فيه. إلا أنها، وحرصاً على حرية التعبير عن الرأي وحرية النشر المكرسة دستوراً، والتي لطالما كانت في حماية القضاء، وبالنظر الى ما أثير حول قرار قاضي الأمور المستعجلة في صور تاريخ 27 حزيران 2020 ووضعاً للأمور في نصابها، وإيماناً منها بالشفافية في العمل العام وضماناً لحسن سير القضاء وحفاظاً على هيبته، طلبت أول أمس من المرجع المختص قانوناً، النظر في القضية وإجراء المقتضى وفقاً للأصول والقانون لمعالجة الأمر ضمن المؤسسات».
في المقابل ومن المجلس النيابي أكد عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن عز الدين في مؤتمر صحافي عقده أن وزير الخارجية أسمع السفيرة الأميركية ما يجب أن تستمع إليه، لافتاً الى أنها «تجاوزت وخالفت كل القواعد والضوابط والإجراءات لأي سفير في أي بلد من البلدان». ورأى أن قرار القاضي محمد مازح الذي طال السفيرة الأميركية لم يكن سياسياً.