هل تساهم السعوديّة في المصالحة الوطنيّة في اليمن؟
د. علي أحمد الديلمي*
في ظلّ الصراع الدائم في اليمن تبرز أهمية المصالحة الوطنية الشاملة المرتبطة بتفاهم استراتيجي مع المملكة العربية السعودية، حيث أنّها طرف أساسي في الصراع، كما كانت حاضرة في كلّ الصراعات التي حدثت بين الأطراف اليمنية عبر التاريخ لأسباب وخلفيات عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية. فهل يمكن أن يكون للسعودية دور في إتمام المصالحة الوطنية بين اليمنيين؟
إنّ أي مصالحة شاملة لا بدّ أن ترتكز على حل سياسي شامل يُنهي الحرب ويوقف سفك دماء الأبرياء ويضع حدّاً للمعاناة الإنسانية للشعب اليمني.
إذاً، وقف الحرب هو مفتاح أي حلّ سياسي، وبما أنّ السعودية هي طرف أساسي في هذا الصراع المستعر منذ ست سنوات ولها وجود عسكري مباشر في البلاد من خلال قيادتها ما يُسمّى “التحالف العربي”، يمكن أن يكون لها الدور الأساسي في إيقاف الحرب العسكرية، إضافة إلى أنّها يمكن أن تُساهم في إعادة الإعمار وتنفيذ مشاريع من شأنها التخفيف من وطأة المأساة التي خلّفتها الحرب. فالمهم في هذه الفترة الحرجة والصعبة من تاريخ اليمن هو معالجة نتائج الصراعات السياسية والحرب المستمرة للعام السادس والعنف والانقسام السياسي والمجتمعي والفرز الطائفي والمناطقي والحزبي والعوامل الأخرى التي ظهرت بشكل أكبر مع استمرار الحرب وغياب سلطة الدولة الشاملة على كلّ التراب اليمني.
تحتاج المصالحة إلى تغيير عدد من المفاهيم والسلوكيات، وهي تعني في جوهرها التفاهم والتواصل بين الأطراف المختلفة والتوفيق في ما بينها، والهدف منها عودة العلاقة السياسية بين جميع الأطراف وتشجيعها على التفاهم والتسامح والعفو، مع التشديد على أهمية العيش المشترك من خلال معالجة جروح الماضي وآثاره وتحقيق العدالة المطلوبة للجميع وتجريم الطائفية والتمييز العرقي والمذهبي والمناطقي، بما يضمن التحول السليم نحو بناء الدولة المدنية المرتكزة على الثوابت الوطنية المتوافق عليها من الجميع، وفقاً للدستور.
في سبيل ذلك ينبغي على كلّ الأطراف والقوى السياسية معالجة المظالم والانتهاكات والأخطاء التي ارتكبت في حقّ الشعب اليمني ومعالجة رواسب الماضي من استغلال السلطة ونهب المال العام والفساد في الوظيفة العامة.
هناك الكثير من المبادرات التي تُطرح من قبل العديد من الشخصيات اليمنية السياسية والفكرية والثقافية وقادة الرأي والإعلام والمجتمع المدني وغيرهم، وتلقى قبولاً ومعارضة بسبب اختلاف المواقف السياسية منها، فبعض هذة المبادرات تقوم على استبعاد بعض الأطراف من المصالحة، بل من المشهد السياسي المقبل لليمن برمّته، وبعضها الآخر يطرح أفكاراً مغايرة لا تتوافق مع أهداف المصالحة الوطنية الشاملة، وإنما تؤسّس لاستمرار الصراع وهيمنة طرف معيّن على باقي المكونات السياسة والاجتماعية، بينما اليمن أحوج ما يكون اليوم إلى تحقيق مصالحة تتناسب مع واقعه وواقع شعبه، لذلك فإنّ تحقيق العدالة يكون من خلال تشكيل لجنة وطنية متوافق عليها تعمل على تحقيق العدالة الانتقالية المرتكزة على المساواة والمتجاوزة للثأر والانتقام والداعمة إلى العفو، والداعية إلى التسامح وجبر الضرر والتعويض العادل وعدم ضياع حقوق من تضرّروا في السابق ومحاسبة كلّ المجرمين، من كلّ الأطراف، الذي ارتكبوا أعمالاً خلّفت أضراراً جسيمة بالوطن وبأبنائه وعقابهم وفقاً للقانون ومبدأ العدالة.
إنّ تحقيق المصالحة الوطنية يحتاج إلى إرادة صادقة من الجميع والاعتراف بحق اليمنيين جميعاً في العيش في هذا الوطن متساوين تحت سقف القانون، وإشراك جميع اليمنيين بمختلف تكويناتهم في صياغة رؤية للمستقبل، ويمكن تحقيق ذلك من خلال اعتماد تجربة الحوار الوطني ومخرجاته التي أوجدت صيغاً مقبولة في كثير من القضايا الخلافية اليمنية ـ اليمنية.
من المهم العمل لتحقيق المصالحة الوطنية والتأكيد على أهميتها اليوم وغداً وكلّ يوم، لأنّ الحرب مهما استمرت سيأتي يوم تضع فيه أوزراها ويجلس الجميع إلى طاولة واحدة، ورغم التشاؤم السائد حول نتائج الصراعات في اليمن، إلا أنه يمكن القول إنّ اليمنيين من أكثر الشعوب تسامحاً وقدرة على العفو والتعايش إذا توفرت الظروف الملائمة لذلك.
إنها مسؤولية وطنية كبرى تتحمّلها جميع الأحزاب السياسة والمكونات المختلفة وقادة الرأي والإعلام والمجتمع المدني، وعلى هؤلاء الترفُّع عن مصالحهم الشخصية الضيقة والتفكير في المصلحة الوطنية لجميع اليمنيين.
وفي الختام أتساءل: هل مساعدة السعودية لليمنيين على إتمام المصالحة الوطنيه ممكنة؟
هي مجرد أفكار أطرحها على الجميع وحالما تسنح الفرصة يمكن أن نساهم في بعض الدراسات المقارنة عن تجارب المصالحات الوطنية في دول أخرى، ومنها التجربة الرائدة للمصالحة الوطنية في دولة جنوب أفريقيا والتي يمكن الاستفادة منها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*دبلوماسيّ يمنيّ.