لا خيار عن مأرب والدهان ليس بعجيب…
} د. أسماء عبد الوهاب الشهاري
مهما حدثوكم وقالوا لكم، ومهما سمعتم أو قرأتُم، ومهما تفنّن الأدباء والباحثون في صياغة الكلمات وتنميق العبارات وصياغة الجملات، إلا أنّ وحدها دموع أمهات الشهداء تستطيع أن تصف لكم ماذا يعني قصف مملكة الشر، وهن يتبادلن التهاني، الحمدلله لم تذهب دماء ابني هدراً لتردّ عليها الأخرى: إنها دموع الفرحة.
وأيُّ فرحة في الدنيا تُضاهي فرحة المظلوم وهو يرى جبروت الطغاة يتهاوى أمام عينيه، وكبرهم وصلفهم تنكس رايته بتأييد الله على يديه.
إنّ المتأمّل في أتون سير المعركة، والمدقق في التفاصيل لن يمرّ عليه تسمية الصواريخ والطائرات المُسيّرة اليمانية بأسماء مثل «صماد 3»، وكأنّه يقول للعالم المتغطرس، إنّ من يقاتلكم هي أرواح شهدائنا وليست مجرد صواريخ وطائرات عادية، وهذه هي حقيقة ما يعتقده اليمانيون، فأرواح الشهداء ترتقي إلى السماء وتظلّ تحلّق فوق المجرمين لتنصبّ حمماً وبراكين على رؤوسهم، ولا تغادر أبداً حتى النصر وبعد النصر.
وفي هذه الحالة كيف سيكون الحال لمن يقاتل أرواحاً، فهي ليست بالشيء المادي الذي يمكن للرادارات أن ترصده، ولا للصواريخ أن تسقطه ولا للباتريوتات وأحدث أجهزة العالم أن تعترضه أو تحول بينه وبين هدفه، وحتى الدهان السحري العجيب لن يموّه على هذه الأرواح هدفها ولا هي ستلتصق به، قد لا يكون هذا تفسيراً علمياً، لكن أيّ علم وأيّ منطق في الدنيا يستطيع أن يفسّر حقيقة ما يحدث أو أن يتنبّأ بكنهه؟ وكيف لدولة مستضعفة مُعتدى عليها ومحاصرة لما يزيد عن خمس سنوات بدأت في تطوير قدراتها من اللا شيء أن تصل إلى التحليق فوق رؤوس قاتليها بكلّ هذا الاقتدار وأن تحدث ضجة على مستوى العالم وتغييرات على مستوى الإقليم إلا أنها أصبحت قوة إقليمية لا يُستهان بها، بينما يصل الحال بالأخرى إلى هذا المستوى من العجز والضعف وهي من تمتلك من الإمكانيات الهائلة ما جعلها تشتري العالم بضمائره ومواقفه وأسلحته وكلّ ترساناته، وتبقى الكلمة التي يردّدها اليمنيون هي من تختزل كلّ هذا المشهد، والتي لم يعِ العالم الأخرس المؤمن بالماديات فحسب حقيقة سرها ومعناها حتى الآن «هو الله».
وعلى الرغم من شدّة هذه الحرب ولظى سعيرها المتقدّة، إلا أنّ فيها من الطرائف ما يتوقف عنده اليمنيون ويعتبرونه متنزّهاً لهم يروحون فيه عن أنفسهم بين الفينة والأخرى، ويتبادلون الابتسامات في ما بينهم ليس أولها «سروال المؤسس» وربما لن يكون آخرها «الدهان العجيب» الذي يستخدم في اعتراض الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيّرة اليمانية بعد فشل منظومات العالم الدفاعية التي اشتراها النظام السعودي من جميع بلدان العالم بمئات الدولارات، فلربما تنجح تعويذات مشايخهم في ما لم تنفع فيه ريالاتهم.
وإنْ عدنا لـ «عملية توازن الردع الرابعة» على لسان المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع التي أحدثت كلّ هذه الضجة والتخبط والذعر لدى النظام المتهالك برموزه وشعبه وجميع حلفائه، ويظهر ذلك من بياناته المتضاربة، وبيان أميركا لرعاياها هناك، فكيف إن توالت العمليات وازدادت وجعاً كما يتعهّد بذلك المارد اليماني الذي أثبت مصداقيته وأوفى بعهوده، وإن كانت الأهداف المرصودة لديه ثلاثمائة وازدادت تسعاً وكانت وزارة دفاع العدو ومبنى استخباراته وقاعدة سلمانه الجوية، وهي بهذه الأهمية والحساسية في مقدّمة الأهداف، فما هي بقية الأهداف الأكثر عُمقاً وإيلاماً ووجعاً، وما الذي ينتظرهم في الآتي من الأيام؟
إنّ الأشدّ وجعاً من وقع هذه العملية على بني سعود وحلفائهم هو أبعادها ودلائلها التي لها أول وليس لها آخر، وفي هذا البحر يمكن لكلّ الكتّاب والباحثين أن يدلوا بدلوهم وأن يعبّروا عن وجهة نظرهم، فالباب مفتوح أمام جميع وجهات النظر، لأنّ القيادة اليمنية وقواتها المسلحة دائماً ما تضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، وتوجه عشرات الرسائل بعملية واحدة.
ومن وجهة نظري انه إلى جانب الجرائم والانتهاكات اليومية الكثيرة من قبل تحالف العدو والتي طال صبر المارد اليمني عليها كثيراً وبعد انتظاره الطويل لمقابلة مبادرات السلام التي يطلقها بين الفينة والأخرى أن تلقى أذناً واعية، فهناك معركة على الأرض يجب حسمها تُدعى «مأرب» ولحساسية هذه المعركة وأهميتها لدى الطرفين بما في ذلك مرتزقة العدو الذين اعتادوا هم وأربابهم من دون الله على نهب المليارات من قوت أبناء الشعب ونفطه وغازه بشكل يومي، وهم محرومون حتى من رواتبهم وأبسط حقوقهم، فإنّ القيادة الثورية وأبناء الجيش واللجان الشعبية يرون ضرورة الحسم، ولعلمهم المسبق بضراوة القصف والاستهداف الذي ستطاله منشآت النفط والغاز إن هم وصلوا إليها وهم قاب قوسين أو أدنى من ذلك، فإنّ عليهم إيصال الرسائل القوية والموجعة والقابلة للتصعيد إلى أبعد المستويات من خلال العملية الأخيرة، إلى أنّ أيّ تهوّر واستهداف من قبل العدو على خيرات الشعب المحاصر الجائع والتي نهبت طويلاً وكثيراً سيقابل بما هو أعنف منه وأشدّ، ولا مجال للمساومة بين مأرب أو احتجاز سفن المشتقات النفطية أو تقديم تنازلات سياسية لأنّ «المفوض» وهي الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيّرة تستطيع أن تقول كلمة الفصل في كلّ ذلك وهي قوة صاعدة ومتنامية وتستطيع أن تفرض معادلاتها على أرض الواقع، لذلك لا يرى اليمنيون أنفسهم في ضرورة لتقديم أي تنازلات بعد كلّ الصبر والتضحيات وبما يمتلكون من أوراق رابحة من وجهة نظرهم، والجدير بالذكر أنّ كلّ الشعب يدعم القوة الصاروخية والطيران المسيّر حتى من قوت يومه وهو ملتف حول قيادته وقواته المسلحة وأبناء الجيش واللجان الشعبية، لعلمه يقينا أنّ العالم المنافق الذي اشترى البترودولار مواقفه وعلى رأسه الأمم المتحدة ومجلس الأمن قد تُسقط قاتلي أطفاله من قائمة العار، لكن «المفوض» سيأخذ بحقه وبكلّ قطرة دم رغماً عن الجميع وله كلّ الحق والشرعية والمشروعية في ذلك ولن يستطيع أحد منعه من أخذ حقه بيده.
ومن كان يعتقد أنّ من واجه أرتال الغزاة ومرتزقتهم في عشرات الجبهات يمكنه أن يغفل عن الوضع الكارثي في الجنوب وما آلت إليه الأمور، فهو واهم، وإنْ كان الأعداء والعملاء الذين يقومون بتفتيت النسيج الاجتماعي ويظنون أنهم في مرحلة تقاسم الكعكة، فإنّ «المفوض» يقول لهم أيضا «نحن هنا» فلا تسرحوا بخيالكم بعيداً.
وعلى صعيد آخر وهو الأكثر أهمية في ما يتعلق بـ «محور المقاومة»، وأمام وقاحة النظام السعودي وهرولته هو والإماراتي في التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب على الملأ، فإنّ الروح الصمادية والصاروخ اليمني المبجّل الذي بإمكانه أن يجوب الساعات الطويلة في سماء المهلكة وقتما شاء وأينما شاء وأن يصل أينما يريد وكيفما يريد، يقول لهم إنّ سماءكم باتت مفتوحة لطائراتنا تسرح وتمرح فيها كيفما تشاء، فبإمكانها أن تتنقل من جيزان إلى نجران ومنها إلى العاصمة الرياض على بعد 1600 كم وإلى ما هو أبعد من ذلك، فلا وزارة دفاع تستطيع أن تدفع عن نفسها شراً، ولا قاعدة عسكرية تملك لنفسها نفعاً ولا ضراً، ولا استخبارات تستطيع أن تتنبّأ بموعد الضربة وميقاتها.
إذن فعلى ما تراهن «إسرائيل» وإنْ كانت الأدوات التي تستخدمها متهاوية وهالكة إلى هذه الدرجة، فما الذي يتوقع أن تكون عليه «إسرائيل» نفسها؟
ومن الأهداف الاستراتيجية العميقة أنه لا يخفى على أحد المسؤول الفعلي سواء في وزارة الدفاع أو الاستخبارات وغيرها، ومن غير رأس الشر أميركا.
كما يجب ألا ننسى في هذا المقام أن نذكر مستوى الذلّ والهوان والضعف والضعة التي صارت إليه مملكة بني سعود جراء كلّ ذلك أمام شعبها وجمهورها الذي شهد على عجزها بأم عينيه وتناقله في مواقع التواصل الاجتماعي رغم كلّ صور الاستكبار والكبت الذي تمارسه على مواطنيها إلا أنها لم تتمكّن من منعهم من تصوير ونشر وتداول فضائحها المدوية لشدّتها واستمرار مشهد الحريق من الليل حتى مطلع الفجر، فهي فضيحة أمام المضطهدين وصفعة بوجه المطبّعين وعلماء السلاطين، هذا وهي ثالث دولة في شراء الأسلحة على مستوى العالم، والأفظع ذلها وانكسارها وتهاوي هيبتها على مستوى الإقليم والعالم ككلّ، والأشنع أنّ إلهها من دون الله – أميركا – لم تأذن بالنهاية بعد، ولا يعلم سوى الله إلى أين تريد أن توصلها؟
لكن ما نعلمه يقيناً أنّ من يدخل في مغامرات ليس أهلاً لها، فسيصل به الحال إلى الهروب من كلّ التداعيات والعيش في أوهامه ليخفف عن نفسه وطأة كلّ شيء، ولو كان الدهان العجيب.