الإنقاذ على وقع نبض الناس
} أحمد بهجة*
كان وزير الاقتصاد والتجارة السابق منصور بطيش يخوض معارك يومية لإبقاء سعر ربطة الخبز بـ 1500 ليرة ووزنها 1000 غرام، وقد نجح في ذلك رغم ما واجهه من ضغوط وصعوبات وإضرابات…
اليوم جاءنا وزير آخر اسمه راوول نعمة، يمثل في الحكومة الفريق السياسي نفسه الذي كان يمثّله بطيش، لكنه لم يتورّع عن اتخاذ قرار بخفض وزن الربطة إلى 900 غرام ثم الموافقة على رفع سعرها إلى 2000 ليرة.
الوزير السابق كان يجيب من يسأله عن موقفه المتشدّد بأنّ الفقير لا يملك إلا ربطة الخبز الكبيرة البيضاء ورغيفها الذي يسمّيه البعض «قمر الفقراء»، بينما يملك أصحاب الأفران أصنافاً كثيرة أخرى من الخبز والكعك والحلويات التي يحققون فيها أرباحاً تفوق نسبتها المئة في المئة.
أما الوزير الحالي فتراه يجلس وراء مكتبه غارقاً بين الأوراق والدراسات البعيدة كلّ البعد عن الناس وحاجاتهم وظروف معيشتهم اليومية التي تزداد قسوة وظلماً وظلاماً، بينما نرى أنّ مَن يعيشون نبض الناس ويبقون على تماس مباشر ويومي معهم، يرفضون قرار وزارة الاقتصاد بزيادة سعر ربطة الخبز، وهذا ما فعله وزير الصناعة الصديق الدكتور عماد حب الله.
لذلك نقول إنه لا يزال لدينا في لبنان أبواب كثيرة يأتينا منها الضوء الذي نأمل أن يشعّ أكثر فأكثر لينير دروب الجميع ويهديهم سواء السبيل، ليصحّحوا الأخطاء، وقديماً قيل «إنّ العودة عن الخطأ فضيلة».
ولعلّ أحد أبرز أبواب الضوء يتمثل حالياً بما يتمّ إنجازه في وزارتي الصناعة والزراعة، وهما الوزارتان اللتان يُعوّل عليهما كثيراً في إطار السعي لإنقاذ لبنان واللبنانيين من أسْر الاقتصاد الريعي والانتقال إلى رحاب الاقتصاد الإنتاجي الذي لا أمل بالإنقاذ إلا من خلاله.
يزداد شعورنا بالأمل حين نستمع إلى حديث وزير الزراعة الأستاذ عباس مرتضى، لجريدة «البناء»، خاصة حين يشرح بالتفصيل المشاريع الكثيرة الجاري العمل عليها لدعم الإنتاج المحلي في القطاع الزراعي، من كلّ النواحي، سواء بدعم المصدّرين وتسهيل معاملاتهم، أو بدعم المزارعين وتسهيل حصولهم على البذور والشتول، وأيضاً الاهتمام بالبيوت البلاستيكية، وبضرورة التركيز على الصناعات الغذائية كقطاع توأم للقطاع الزراعي، إضافة إلى الاهتمام بإيجاد الأسواق الجديدة لتصريف الإنتاج، وإعادة النظر بالاتفاقيات التجارية الموقعة منذ سنوات مع عدد من الدول والمجحفة بحق لبنان واقتصاده.
يترافق هذا العمل الدؤوب مع اهتمام استثنائي بالثروة الحيوانية وأولوية دعم الإنتاج المحلي وما يعنيه هذا الأمر على صعيد خفض فاتورة الاستيراد وتأمين حاجة السوق من المنتجات اللبنانية، تماماً كما فعل الوزير مرتضى حين قرّر وقف استيراد الدجاج المثلج، وما يعنيه هذا القرار ـ الذي وُصف بأنه «قرار ثوري» ـ بالنسبة لقطاع تربية الدواجن ونموّه المتوقّع والمأمول.
يمكن التوسّع كثيراً في هذا المجال، لكن الخلاصة التي نريد الوصول إليها هي أنّ لبنان يتمتع بقدرات اقتصادية كبيرة جداً تمكّنه من النهوض ومواجهة كلّ التحديات والصعوبات والعقوبات التي تُفرَض عليه من الخارج في محاولة للتأثير على موقفه المقاوم، لكن كلّ ذلك لن يقدّم ولن يؤخر في زمن الانتصارات، وما كُتب قد كُتب…
*ناشط سياسي، خبير اقتصادي ومالي