حسين شعيب ..«المفتّش» الذي فضح المستور.. معاناته مع اللعبة عوّضها إنجازات في أميركا
} ابراهيم وزنه
هو من أسرع لاعبي الكرة في لبنان، تميّز بحلاوة معشره، وابتسامة لا تفارق محيّاه، من الشياح انطلق لاعباً متسلحاً بتسديدات يسارية «طرشا»، مع الوفاء الغبيري كانت بدايته الرسمية وفي صفوف الصفاء عاش أجمل مواسمه، وعندما التحق بالتضامن غدرته الظروف وعانى من سوء تصرف المسؤولين، ولما وقعت الحرب وتقطّعت أوصال الوطن، أمضى بضع سنوات مفتشاً في الأمن العام ثم غادر إلى اميركا … انه حسين شعيب (مواليد 1953) ابن بلدة الشرقية المقيم في أميركا منذ العام 1981 ، اليكم سيرته الكروية.
البداية من الحرش
استهل حسين شعيب مسيرته مع كرة القدم وهو في الثامنة من عمره في ملعب صغير يقع داخل الحرش المواجه لبيته في الغبيري (حرش روضة الشهيدين حالياً)، كان يتابع المباريات الودية التي كانت تجمع من يكبرونه سنّاً ومن ضمنهم خاله أحمد سعد، لاعب سابق في نادي الراسينغ، ويخبر عن تلك الحقبة: «كنت أتابعهم بشغف، وأراقبهم بكل تحركاتهم، وألمّ الكرات، وكلما علقت الكرة في أعلى الشجرة كنت أصعد وأعمل على إرجاعها للملعب مع مكافأة خمسة قروش، وفي أوقات الاستراحة وقبل إحتدام وطيس المباريات كنت أسدد تارة وأحرس المرمى طوراً، ومع الوقت برزت ضمن فريق المدرسة ثمّ التحقت في عمر 12 سنة برفاق الحي في فريق الأنوار، وكان ملعبنا بورة رملية تقع غرب الحرش (حيث محطة سليم حالياً) … في تلك الأثناء ونظراً لتواضع مستوى عائلتنا المعيشي، فوالدي يعمل في سباق الخيل، كانت والدتي تحرص على تشجيعي عبر تأمين أسبدرين أبيض صيني ثمنه ليرتين، كنت «دلوع البيت» بين سبع بنات … والحمدلله لاحقاً أنعم الله على العائلة بشقيقيّ حسن ومحمد (توفي الأخير في العام 2017)، واللافت في تلك الفترة أن «فردات» أحذيتي اليسرى كانت تتلف بأقل من أسبوعين فيما «اليمنى» تبقى جديدة على حالها، لكوني «عسراوياً» بامتياز … ولطالما كنت أضحك متحسّراً على تلك «الفردات» الجديدة التي يزيد عددها عن العشرين ولا حاجة لي بها … تمنيّت لو وجدت من هو على عكس حالتي لنجري عمليات التبادل فلم أوفّق».
مع الوفاء … فالصفاء
عندما أصبح حسين شعيب في السادسة عشرة من عمره، ومع بروز مواهبه الكروية في التسديد والسرعة اللافتة واللياقة البدنية العالية، انضم إلى صفوف نادي الوفاء الغبيري (1967) حيث سبقه الى صفوفه بعض لاعبي الأنوار، في تلك الفترة أطلت الضاحية على المواسم الرسمية عبر مجموعة أندية، وأكثر مباريات الوفاء إثارة وندّية كانت بمواجهة الجار اللدود شباب الساحل، فالفريقان يضمّان عدداً لايستهان به من اللاعبين المميزين، وتمّ تصنيفهما «درجة أولى ـ فئة ب»، وإلى جانب ارتدائه لقميص الوفاء بقي حسين شعيب يتردد إلى ملعب الجوار (ملعب النصر لاحقاً) برفقة صديقه مصباح رميتي الذي تزوج فيما بعد من شقيقته انتصار، ويعلّق حسين حول ذلك: «كنت أسعد بخوض المباريات الودية إلى جانب مجموعة من اللاعبين المميزين في الأندية كحبيب كمونه وأحمد عبد الكريم «التكي» ومصباح رميتي وعلي غندور ومحمد جواد وهاني وزنه وبسام همدر … ولأني أصغرهم كنت أشاركهم اللعب بحياء وطاعة … كنا ننتقل من فريق إلى فريق من دون ضوابط وكانت حياتنا خالية من التعقيدات ومن دون حساسيات ، لعبنا دون مقابل ، كانت السعادة تغمرنا سواء ربحنا أو خسرنا ولا زلت أعتز بصداقاتي مع جميع اللاعبين الذين عرفتهم ولعبت معهم او ضدهم وكثيرون أحرص لغاية اليوم على التواصل معهم … في العام 1970 انتقلت العائلة للسكن في الشياح، ولعبت مع فريق الانتصار ـ عين الرمانة مع مجموعة من لاعبي الشياح، والانتصار فريق شعبي غير مرخّص، المهم وعلى وقع حلّ التواقيع في ذلك العام ترك الوفاء مجموعة من اللاعبين كعدنان حمود إلى الصفاء ووفيق حمدان إلى الراسينغ، أما أنا فوجدت نفسي منجذباً إلى صفوف الصفاء».
وقبل حديثه عن كيفية وصوله إلى وطى المصيطبة، يتذكر: «أول حذاء كروي لبسته كان هدية من الراحل اسماعيل الحركة (اداري نادي الوفاء) أذكر قبل سفره إلى ألمانيا سألني عن مقاس قدمي، وخيّرني بالماركة التي تناسبني فقلت له «بوما» لأن بيليه يرتدي هذه الماركة».
وعن التحاقه بالصفاء، يقول: «في مطلع العام 1973 وفي ضوء العروض الطيبة التي قدّمتها مع الوفاء وخصوصاً في مباريات كأس لبنان بمواجهة فرق الدرجة الأولى ونقارعها الند للند … جاءني إلى مدرسة الثقافة في الشياح حيث باشرت التعليم حديثاً، وفد نجماوي مؤلّف من الحاج عمر غندور وسمير العدو وبهيج حمدان، عرض العدو رغبته بضمّي إلى صفوف النجمة، قلت له «عندكم في مركز الجناح الأيسر حسن شاتيلا في نفس المركز الذي أشغله» … فأجابني بشطارته المعهودة «بكرا بيتعوّر» فقلت له «تريدني أن أنتظر اصابته لألعب!» … ثمّ أعتذرت منهم … وبعد أقل من ساعة على توديعي وفد النجمة جاءني الشيخ أمين حيدر ومعه الشيخ أسد علامة والمدرب المصري فهمي رزق، والأخير كان يرصدني ويراقبني ويريد أن يشركني بدلاً من عبد الكريم حسون كما بيّن لي، وعرض الشيخ أمين عليّ الانضمام إلى الصفاء، فوافقت ووقّعت بعد ساعتين في مقر الاتحاد»
لولا العقول المتحجّرة!
في معرض انتقاده للطريقة التي تدار فيها اللعبة في لبنان، يقول شعيب: «تصرفات اداريي الأندية بعيدة كل البعد عن المنطق والأصول والانسانية، هناك احتقار للاعبين، ففي الفترة الذهبية للكرة اللبنانية لجهة مستوى اللاعبين، كانت العقول خشبية عند غالبية الاداريين، ولذلك ضاعت عشرات الفرص على لاعبين كان بامكانهم الاحتراف في الخارج … أذكر ذات يوم (1970) تمّ اختياري ضمن منتخب الشباب لكن ادارة نادي الوفاء رفضت تسميتي لسوء علاقتي معها ولابعادي عن عيون كشّافي الأندية، للأسف النفس الاستبدادي كان طاغياً على غالبية عقول مسؤولي الأندية … ورغم معاناة اللاعبين كانوا يصرّون على مواصلة اللعب من منطلق حبّهم وتعلّقهم باللعبة».
دوافعه لقبول عرض الصفاء
بثقة وراحة ضمير، يؤكّد حسين شعيب بأن أجمل سنواته الكروية في لبنان أمضاها مع نادي الصفاء، لماذا وافق سريعاً على الانتقال اليه؟ يردّ:
«كانت تربطني علاقة طيبة مع عدد كبير من لاعبي الصفاء، وخصوصاً قاسم حمزة، الذي كنت أتدرّب معه في نادي المريميين ديك المحدي (ألعاب قوى ـ 400 و800 متر)، ويومها كنت أفكّر بوظيفة لائقة تؤمّن مستقبلي بعد نجاحي بالثانوية العامة، والشيخ أمين له ثقله في مؤسسة الأمن العام، وأثبتت الأيام ما توقّعته، لجهة احترام الادارة للاعبين، وخصوصاً الشيخ أسد «دينامو النادي» .. وكان يضمّ الفريق نخبة من اللاعبين الكبار، وهذا أمر مشجّع، كهاني عبد الفتاح وشبل هرموش وأسعد قلوط وابراهيم عيتاني ورامز ذبيان ووجدي عربيد ومحمود سعد ويزيد حليمة وقاسم حمزة، ومع الصفاء خضنا مباريات كبيرة وسجّلنا نتائج طيّبة وقدّمنا عروضاً لافتة استحقت التقدير والثناء على جميع المستويات».
مباراة في البال
يستعرض حسين شعيب من شريط مشاركاته الفاعلة مع الصفاء عدّة مباريات، عن أبرزها، يقول: «في العام 1973 فزنا على النجمة بنتيجة 3 ـ 2، وكنا قد خسرنا منه قبل أيام بنتيجة 4 ـ 0، وبطل الفوز هو الصديق شبل هرموش الذي سجّل ثلاثية … قبل خمس دقائق على نهاية المباراة اشتعلت المدرجات، وصلتني الكرة فتقدّمت حتى أصبحت بمواجهة حبيب كمونه وعمدت إلى تسديدها بأقدامه لترتد إلى خارج الملعب، وسرت ببطء ناحية الكرة لاضاعة الوقت خصوصاً وأن النجمة مسيطراً على المجريات … راح الجمهور يشتمني، وبينهم أقاربي وجيراني وأصحابي، وعند رجوعي الى البيت مساءً قالت لي والدتي: «الشيّاح نايمة عبوزها طب … لأنو خسرت النجمة .. وأنت مشارك بخسارتها» .. وأذكر في صباح تلك المباراة قبضنا المكافآت (200 ليرة لكل لاعب). مع الصفاء سافرت إلى موسكو وشاركني في الغرفة الصديق المصري محمود سعد، ونظراً لامكاناتي حوّلني فهمي رزق من جناح أيسر إلى وسط الملعب».
مفتّشاً في الأمن العام
مستنداً إلى واسطة لم يحتجها من الشيخ أمين حيدر، وإلى لياقة بدنية عالية وسرعة لافتة، وشهادة البكالوريا، تقدّم حسين شعيب إلى امتحانات الأمن العام (مفتّش ثانٍ) في العام 1975 ، ولحسن حظّه كان العقيد انطوان دحداح محبّاً للرياضيين، وهنا يتذكر: «قطعت الـ 800 متر بدقيقتين وثانيتين (رقم لم يكسر لغاية اليوم في الأمن العام) علماً أن من يقطع المسافة بدقيقتين وعشرين ثانية ينال العلامة الكاملة (100/100) .. ناداني العقيد دحداح وطلب مني عدم إكمال الامتحانات وتمّ تعييني عميداً لدورتي». ويكمل غير آسف: «لم تكن رحلتي الوظيفية طويلة في الأمن العام وذلك بسبب اندلاع الحرب الأهلية، ولاحقاً تقدّمت باستقالتي من وظيفتي وسافرت إلى أميركا في العام 1979 لفترة محددة ثم وبشكل نهائي في العام 1981 ولم أزل لغاية اليوم».
إلى التضامن بحذر!
بعدما ودّع الوفاء ليلتحق بالصفاء بسبب استيائه من الطريقة التي كان يدار بها النادي، عاد حسين شعيب بحذر ملتحقاً بنادي التضامن بيروت الذي حطّت رخصته في الغبيري، وهو في الواقع «الوفاء بحلّة جديدة ومنقحة»، سريعاً وقع الخلاف بينه وبين ادارة النادي، وهنا يعلّق: «التحقت بالتضامن بالرغم من علاقتي السيئة السابقة مع عفيف حمدان الذي خدم منطقته وناديه بطريقته الخاصة، فالأمضاء في قاموسه الكروي بمثابة حكم إعدام! وأذكر أن عدداً من اللاعبين سواء في الوفاء أو التضامن حصلوا على استغناءاتهم بالقوة والتهديد، للأسف كان يصعّب على اللاعبين سبل مغادرتهم النادي لخوض تجربة جديدة، فيما يسهّل الطريق لشقيقه وفيق إلى الراسينغ!».
وعن أهم مباراة لعبها مع التضامن يقول: «كانت في العام 1975 على ملعب برج حمود، بمواجهة فريقي السابق الصفاء، والصراع على أشدّه، من سيحلّ خامساً في الترتيب؟ التعادل لمصلحة التضامن والصفاء بحاجة إلى الفوز … افتتح هاني عبد الفتاح التسجيل في الشوط الأول، وفي الشوط الثاني هطلت الأمطار بغزارة، فمرر لي الحاج محمود قماطي الكرة إلى وسط الملعب، تقدّمت خطوتين وسددت من 40 متراً باتجاه المرمى حيث كان ابراهيم عيتاني متقدّماً لأسجّل هدف التعادل، يومها حزّ في قلبي أن أسجّل في مرمى الفريق الذي عاملني أحسن معاملة، لكنني أؤمن بالاخلاص للقميص الذي ارتديه، فكتبت الصحف «صاروخ أرض جو يفجّره حسين شعيب في مرمى الصفاء»، وخلال تلك المباراة لطالما صرخ عيتاني لمدافعيه «ما تتركوه يشوط» وغالبية حرّاس المرمى كانوا يطلبون من لاعبيهم منعي من التسديد، كانت قدمي اليسرى طرشا».
لعب ربع ساعة وودّع اللعبة!
عن آخر مباراة رسمية لعبها مع التضامن، يخبر شعيب: «كانت بمواجهة النجمة على ملعب المدينة الرياضية، وقبل اللقاء أقمنا في أحد الفنادق، فبعد دقائق معدودة على صافرة البداية تقدّم النجمة، وبعد الهدف بدقيقتين طلب عفيف حمدان اخراجي من الملعب، وقال لي رئيس النادي عادل عواد «قديش دافعينلك النجمة» .. عند ذلك وبناء على ما سمعته من كلام سخيف خلعت حذائي ورميته باتجاه الاداريين، ولم أعد إلى التضامن أبداً، صرت أتمرّن مع فريق الأمن العام وشباب النصر وشباب الساحل على ملاعبهم وأحياناً مع الأصدقاء في النجمة والأنصار، وأدركت أن قراري باللعب مع التضامن كان خاطئاً، فمتى يدرك العاملون بالرياضة أن الفوتبول أخلاق قبل كل شيىء، لا تكفي المهارات والسرعة والنجومية في حال انعدام الاخلاق».
40 سنة في أميركا
في العام 1979 هاجر شعيب إلى اميركا لعدّة أشهر، ثم عاد وسافر بشكل نهائي في العام 1981 ، وهناك التحق بفريق محلي وتزوج من فتاة أميركية انجبت له ابنتين (نيكول وناتالي)، ولاحقاً انضم إلى فريق الكرة في سيرك عالمي، جال معه على أكثر من 30 ولاية أميركية، لعب خلالها بمواجهة عدد كبير من النجوم العالميين أبرزهم جورج بست، ثم طلّق زوجته الأميركية في العام 1982، لينتقل إلى ديربورن حيث التقى بالصدفة بالنجماوي الذي كان يتابعه في الملاعب أيام التضامن، رجل الأعمال اللبناني علي جواد، وبعد فترة أمضياها معاً استقر الرأي على إنشاء نادٍ رياضي (النادي اللبناني الأميركي)، وهنا يوضّح شعيب: «تركت كاليفورنيا بشكل نهائي، وشبكت القلب واليد مع علي جواد، رجل الأعمال النشيط والمعروف، فبقيت في ديربورن وجمعنا خيرة اللاعبين اللبنانيين، وخصوصاً المقيمين في كندا، فحققنا نتائج جيدة، وقمنا بزيارات خارجية إلى رومانيا ولبنان واستعنا بلاعبين من لبنان، وفي العام 1995 تفرّغت لتطوير نفسي في عالم التدريب، إلى أن حصلت على أعلى شهادة تدريب (دبلوم) ودرّبت العديد من الأندية وخرّجت عشرات اللاعبين المميزين من الفتيات والشبان ونلت في العام 2016 شهادة مدرب العام، ولم أزل حتى اليوم أدرب، والكل يعرفني باسم سام شعيب».
شجع حسين شعيب ولده علي (مواليد 1995) على لعب الكرة، فبرز الأخير ونال منحة جامعية طيلة سنواته الدراسية، مع الاشارة إلى أن الكابتن حسين رُزق من زوجته الثانية زينب شعيب وهي من بلدته الشرقية بابنتين (جنال وفيروز) وصبي (علي). وهو من مشجعي الكرة الالمانية منذ أن حضر نهائي مونديال العام 1974 حين فازت المانيا على هولندا 2 ـ 1.