الرفيق البطل الشهيد سمعان النكت المميّز في مسيرته النضالية
إعداد: لبيب ناصيف
الرفيق سمعان النكت من بين خيرة القوميين الاجتماعيين الذين عرفتهم وأحببتهم. كان مميّزاً في التزامه، في وعيه القومي الاجتماعي، في مناقبه وفي جرأته وتفانيه.
عنه يجب أن يُكتَب الكثير، وهو يستحق أن يصدر عنه كتاب يؤرّخ لمسيرته الغنيّة. إلى هذا ندعو شقيقه الأمين سايد النكت، وشقيقتيه الرفيقتين سهام وسلمى وقد عرفوا جيداً الرفيق الشهيد سمعان، وعقيلته الرفيقة جورجيت.
عرفت الرفيق سمعان منذ اواخر ستينات القرن الماضي، ورافقته طالباً في كلّ من الجامعة اللبنانية وجامعة بيروت العربية، وناظراً في كلّ من هيئتَي منفّذيّتي الغرب وزحلة، ومسؤولاً كان له الباع الأكبر في عمل قومي اجتماعي باهر ما زال يذكره رفقاؤنا في عرمون، الذين عرفوا جيداً الرفيق سمعان وأحبّوه.
عن الرفيق الشهيد سمعان النكت هذا القليل، نقلاً عن عدد جريدة البناء 352 تاريخ 15/5/1982. على ان ننشر لاحقاً في حلقة ثانية او اكثر ما يغني سيرته الشخصية اللافتة ومسيرته النضالية الغنية بالتفاني وبالمواقف البطولية.
* * *
« سقط بداية هذا الأسبوع، الرفيق سمعان عبدالله النكت، شهيداً برصاص الغدر. سقط برصاص لم يكن يتوقّع أن يرميه به مسلّحون كمنوا له على طريق عرمون – الفساقين، في قضاء عاليه. سقط سمعان شهيداً، لأنّ البنادق التي وُجّهت إلى صدره، والزناد التي أطلقت النار، لا تحمل شيئاً من الرسالة الوطنية التقدّمية، كما أنّها لا تعرف الأخلاق الثورية.
فقد أوقف حاجز مسلّح الرفيق سمعان نكت، بينما كان قاصداً عمله في جمارك المصنع، فأنزل المسلحون القتلة الشهيد سمعان من سيارته، وأمطروه بوابل من أسلحتهم الرشاشة فأردوه قتيلاً، وفرّ الجناة المجرمون. وقد نُقلت جثة الشهيد نكث إلى مستشفى الجامعة الأميركية، حيث عاينه الطبيب الشرعي أحمد الحاراتي، وأفاد أنّ الشهيد أُصيب بأكثر من 30 طلقة من أسلحة رشاشة، من مسافة قريبة جداً.
وقد سارع رئيس الحركة الوطنية، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، إلى إعطاء الأوامر لاعتقال القتلة وتمّ تسليمهم إلى قوات الردع العربية لاتخاذ العقوبات بحقّهم، قاطعاً الطريق على «مخطط الفتنة الذي يستهدف النَّيل من أمن الجبل الوطني».
نعي عمدة الإذاعة
وأصدرت عمدة الإذاعة في الحزب السوري القومي الاجتماعي بياناً حول الحادث، فذكرت أنّه «صباح يوم الإثنين الواقع فيه 10 أيار الجاري، وبينما كان الرفيق سمعان نكت يستقل سيارته على طريق عرمون – الفساقين متوجّهاً إلى مركز عمله، طاردته سيارة وقطعت عليه الطريق وأوقفته، وأنزله المسلحون من سيارته، وأمطروه بوابل من الرصاص من أسلحة رشاشة ممّا أدى إلى استشهاده على الفور».
أضاف البيان: «إنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي إذ ينعى الرفيق المناضل الشهيد سمعان نكت، يعلن أنّ اغتياله يشكّل محاولة لاغتيال الأمن الوطني في الجبل باستهداف نقل مخطط تفجير المناطق الوطنية إلى الجبل الوطني، كما يشكّل محاولة للنيل من النهج الديمقراطي العلماني الذي رسمته الحركة الوطنية اللبنانية كنموذج للبنان الجديد».
وأضاف البيان: «على أثر الجريمة النكراء، تداولت قيادة الحزب السوري القومي الاجتماعي مع الرفيق وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي والحركة الوطنية اللبنانية في الوضع الناتج، ومن أجل العمل لمواجهة ذيول هذه الجريمة ومضاعفاتها. وبادر الرفيق جنبلاط على الفور وأمر باعتقال القتَلة وتسليمهم إلى قوات الردع العربية، قاطعاً بذلك الطريق على مخطط الفتنة الذي يستهدف النَّيل من أمن الجبل الوطني، ومؤكّداً حرصه على وحدة الصف لمواجهة هذا المخطط الرهيب والدموي.
تشييع الشهيد
وشيّعت الكورة الشهيد البطل سمعان نكت يوم الأربعاء 12 أيار في موكب مهيب من الحزن على الإنسان والفرح بالاستشهاد. هذه الكورة أمّ الشهداء الذين سقطوا وما زالوا يسقطون في سبيل القضية القومية الاجتماعية منذ بداية أحداث لبنان في الكورة وفي خارجها. هذه الكورة الخضراء أبت إلّا أن تستقبل شهيدها العزيز سمعان محمولاً على الراحات في عرس الدم، الشهيد الذي جلّل إخضرارها بشهادة جديدة على طريق هذه القضية العظيمة وعلى طريق نصرها الأكيد. نصر آخر حقّقته هذه النهضة الجبارة، لأنّه كلّما سقط منّا شهداء كلما ازداد إيماننا ويقيننا وإصرارنا على أنّ ذلك اليوم العظيم، يوم النصر الأكيد، آتٍ وقريب.
والشهيد سمعان يجدّد الآن في نفوس رفقائه القوميين الاجتماعيين معنى الشهادة، أزكى الشهادات، بأن أثبت لهم بالقول: «أنتم تستطيعون قتل جسدي ولكنكم لا تستطيعون قتل كرامتي». قتلوا جسده غدراً، قتلوا جسده اغتيالاً لأنّهم أبعد ما يكون عن فهم الكرامة التي حدّثهم عنها سمعان وحاول دون كلل أن يخضعهم بالكرامة القومية الاجتماعية.
انطلاق الموكب
في الصباح الباكر تجمّعت السيارات الحزبية والحشود القومية الاجتماعية أمام مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، حيث أدّت مجموعة من عناصر منفذية بيروت التحية لجثمان الشهيد. وانطلق الموكب باتجاه الجبل مروراً بمنطقة الغرب، المنطقة التي استشهد فيها الرفيق سمعان نكث، ليهب أبناء عرمون حيث سقط مزيداً من الإيمان والتضحية.
في شتورة
وبوصول الموكب إلى شتورة، توقّف الموكب وأدّى له الرفقاء في منفذية زحلة التحية القومية الاجتماعية. هؤلاء الرفقاء الذين عرفوا سمعان ناظراً للعمل ومديراً لمديريّة بر الياس ومديراً لمديرية عميق. عرفوه مناضلاً عنيداً لا يكلّ ولا يملّ في سبيل تحقيق المهمات الحزبية المُلقاة عليه بصبر وإخلاص وإيمان.
ومن شتورة استأنف الموكب مسيرته وانضمّت إليه قافلة جديدة من المشيّعين، بعلبك، النبي عثمان فالهرمل. ومن الهرمل سار الموكب في طريق شاقة طولها عشرات الكيلومترات حتى وصل إلى منطقة الشمال.
في حلبا، مركز قضاء عكار، أدّى القوميون الاجتماعيون التحيّة للموكب، وانضمّت مجموعة جديدة إلى قافلة المشيّعين التي استأنفت طريقها عبر المنية إلى زغرتا، ومن منطقة زغرتا عبر الموكب طريقه إلى الكورة، من ضهر العين إلى البحصاص وصعوداً إلى جنان الكورة الفسيحة.
في دده
وبوصول الموكب إلى قرية دده، كانت تنتظره مجموعة عسكرية من ثكنة دده، حيث أدّت له التحية القومية الاجتماعية، وواكبت الوفد سيارات عسكرية إلى مشارف القرية، وهناك ترجّل القوميون الاجتماعيون من السيارات، وحملوا نعش الشهيد على الأكفّ، طائفين به الشارع الرئيسي في القرية، وارتفعت أصوات أهل القرية بالبكاء والنحيب، ووقفت النساء على الشرفات ترمين بالزهور على نعشه الطاهر مرحّبة ومودّعة، وفي أواخر الضيعة عاد المشيّعون إلى السيارات وأعادوا النعش إلى سيارته مستأنفين الطريق إلى فيع قرية الشهيد.
عرس الدم في فيع
وبوصول الموكب إلى مشارف فيع التي نشأ الشهيد في سهلها الأخضر وبين شعبها الذي تربّى على الأخلاق القومية الاجتماعية، لم يعد ممكناً التمييز هل الضيعة في عرس أم في مأتم.
إنّه عرس الدم، عرس الشهداء الذين رووا أرض فيع والكورة بدمائهم الطاهرة لتبقى كورتهم الخضراء، وليمنعوا عنها اليباس الذي حاول أن يقتل اخضرارها بالأقدام الهمجية التي عاثت في أرضها فساداً عندما مرّت بها في أحد الأيام، ورحلت كما رحل هولاكو من بغداد بعد أن تركها مدمّرة محروقة. وكما أعاد أبناء بغداد ودمشق الحياة إلى مدينتَيهم، أعاد أبناء الكورة ثوبها الأخضر إليها كما عهدهم بها وكما عهدها بهم.
وطاف القوميون الاجتماعيون بالنعش على الراحات القوية وسط تظاهرة شعبية كبيرة، أظهرت بعفوية إيمانها بالقضية السورية القومية الاجتماعية وباستشهاد المناضل سمعان نكث.
كان عرساً للدماء الشهيدة وسط الزغردات الفرحة بالاستشهاد، والباكية الناحبة على فقدان الأجساد التي تحمل هذه النفوس العظيمة المؤمنة بكلّ حق وخير وجمال. وفي بيت عائلة الشهيد سمعان الذي غصّ بالقوميين والمواطنين من فيع وقرى الكورة، استراح نعش الشهيد قليلاً لإلقاء النظرة الأخيرة عليه، حقاً إنّ سمعان ابن عائلة قومية اجتماعية، ودّعه الرفيق عبدالله والده بحنان الأب والرفيق في آن واحد، ودّعه بكبر قومي اجتماعي كان ملحمة في التربية والنضال ووداع الابن الشهيد… كلّ عائلته من الرفقاء أخوته والرفيقات أخواته وزوجته الرفيقة التي حملت منه الرسالة التي سلّمها إياها، ودّعوه بكبر قومي اجتماعي نادر.
ومن البيت، حمل القوميون النعش وسار المشيّعون إلى كنيسة البلدة، كنيسة مار سمعان، حيث صُلّي عليه. وبعد انتهاء الصلاة خرج المشيّعون إلى باحة الكنيسة، حيث أُلقيت كلمات عدّة في تأبين الشهيد، وبعد إلقاء الكلمات حملوا النعش وساروا به إلى مثواه الأخير في مقبرة العائلة، حيث أُطلقت 21 رصاصة تحية للشهيد، وأودعوه الثرى حيث رقد مطمئناً إلى أنّ هناك من سيكمل الطريق من بعده.
* * *
بكلمة مؤثرة افتتح الرفيق عيسى الأيوبي المهرجان وقدّم الخطباء، والكلمة الأولى كانت لمديرية فيع.
كلمة مديرية فيع
ألقى مفوّض الأشبال كلمة رفقاء فيع محيّياً الشهيد سمعان، ومحيّياً تاريخه الحزبي النضالي منذ نعومة أظفاره، حيث كان طليعياً في نضاله وتضحيته في سبيل القضية القومية الاجتماعية، وإحقاق مبدائها العظيمة. وركّز في كلمته على نشأة الشهيد والظروف التي أحاطت بنموّه الاجتماعي والحزبي الرائع، حيث كان القدوة باستمرار لرفقاء جيله في العطاء المستمر من التحصيل العلمي والعمل المعيشي والنضال الحزبي بشكل متواصل، موفّقاً بين كل هذه الأمور واصلاً الليل بالنهار دون كلل أو ملل.
كلمة منفذية الكورة
كلمة منفذية الكورة ألقاها ناظر إذاعة الكورة، حيّا فيها الشهيد وعائلته القومية الاجتماعية المناضلة، داعياً جميع أبناء الكورة إلى الاقتداء بالشهيد سمعان الذي لم يبتعد يوماً عن النضال، إن في الكورة أو في غير الكورة، حتى عمّد نضاله المرير هذا بدمه الزكي الطاهر.
كلمة منفذية زحلة
وألقى أحد رفقاء منفذية زحلة كلمة المنفذية، أعلن فيها أنّ المنفذية خسرت دعامة أساسية من دعائمها في منطقة زحلة، وقال إن الشهيد الذي كان ناظراً للعمل في هيئة المنفذية ومديراً لمديرية بر الياس ومديراً لمديرية عميق، كان يعلّمنا كيف يكون النضال بدون حساب، لأنّ هذا النضال هو الطريق السليم إلى الانتصار الأكيد.
كلمة المركز
وألقى عميد العمل الأمين نصري خوري كلمة المركز، حيث شدّد على ضرورة تخطي المصاعب التي يحاول أعداؤنا وضعها في طريقنا لإغراقنا في مطبات الصراعات الجانبية، وتفتيت صفوفنا الداخلية وإلهائنا عن القيام بدورنا القومي المتصدّي للإنعزاليين المتصهينين في الجبل، في صنين وفي الزعرور وفي الكورة وكل المواقع المتقدمة مع الإنعزاليين الذين باعوا لبنان بثلاثين من الفضة.
ودعا إلى إنشاء جبهة الإنقاذ الوطني التي هي الكفيلة بتخليص صفوفنا من النعرات التي يحاول المصطادون في الماء العكر إيقاعنا فيها عبر خردقة صفوفنا المتقدمة من الخلف في عمق مناطقنا الوطنية.
كلمة آل الشهيد
وألقى الرفيق سايد نكت كلمة آل الشهيد، مخاطباً: «يا أخي.. يا رفيقي.. لن أبكيك ولن أرثيك، لأنّك شهيد والشهيد لا نبكي عليه، بل نفرح به ونحتفل باستشهاده. وها نحن هنا لنحتفل ولنثبت للذين قتلوه أنّهم فشلوا في اغتيال القضية باغتيال جسد الشهيد سمعان». وأضاف: «لقد قتلوه لأنّه ضد الطائفية، قتلوه لأنّه ضدّ العنصرية، لأنّه ضدّ العشائرية والإقليمية».
وختم قائلاً: «لن نبكيك لأنّك شهيدنا وبطلنا، وقسماً بدمك يا رفيقي إنّ دمك لن يذهب هدراً».
وأبى والد الشهيد إلّا أن يخاطب ولده في كلمة برغم تقدّمه في السن وصحته المتردية، فزاد الناس صلابة بموقفه الرائع.
قال الرفيق عبدالله نكت(1) والد الشهيد: « يا بني أنا حزين لأنني أب، وفرح لأنني رفيقك، ثلاث دمعات طبعتها في عيني وفي وجداني، دمعة حزن لأنك ولدي الحبيب، أبكي عليك بكاء الأب الذي فقد حشيشة قلبه، ودمعة فرح لأنك سقطت شهيداً فختمت رسالتك بأزكى الشهادات وأصبحت من قافلة الشهداء. ودمعة ثالثة هي دمعة أنانيتي، فبرغم أنني سبقتك في النضال عشرات السنين، إلّا أنّك بعظمة نضالك وشراسته التي لا تلين سبقتني إلى هذه القمة، قمة الاستشهاد، وختمت رسالتك بالشهادة كما تمنيت أن أختم رسالتي بدمي. وداعاً يا شهيدي.. يا رفيقي يا حبيبي يا بني. أمك تنتظرك منذ زمن بعيد، وها أنت أول الراحلين إليها.
* * *
نبذة عن حياة الشهيد
وُلد الرفيق الشهيد سمعان نكت عام 1950 فيع – قضاء الكورة.
انتمى إلى الحزب عام 1969.
تولّى مسؤوليات عدّة في منفذيات بيروت والطلبة الجامعيين والغرب وزحلة.
هُجّر على يد عصابات الكتائب من عين الرمّانة عام 1975.
طالب دراسات عليا في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية.
هوامش:
(1) عبد الله النكت: من اوائل المنتمين في بلدة فيع. للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول الى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info