لا لإيران! نكاية بالفقر والجوع…!
د. عدنان منصور _
لن يكون العرض الذي تتقدّم به إيران، لتزويد لبنان بالنفط ومشتقاته، هو الأول والأخير. فعلى مدار خمسة وعشرين عاماً، كانت العروض الإيرانية، تنهال على لبنان، من دون قيد أو شرط، من أجل المشاركة في عملية تطوير بناه التحتية، وما يحتاجه لتفعيل قطاعاته الإنتاجية والخدمية والصحية، في مختلف المجالات.
رغم كلّ العروض، وما تحمله من تسهيلات للجانب اللبناني، ومن مزايا وحوافز تسيل لعاب كلّ من بحاجة اليها، ويحرص على مصلحة بلده.
منذ عام 1997 وحتى اليوم، تمّ توقيع أكثر من 32 اتفاقية، وبروتوكولاً، ومذكرة تفاهم، بين المسؤولين اللبنانيين والإيرانيين، نتجت بعد سلسلة من الزيارات الرسمية المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين، تناولت مختلف القطاعات، الصناعية، والزراعية والمالية، والتجارية، والعلمية، والصحية، والبحوثية، والنقل البري والبحري والجوي، والطاقة والمياه، والكهرباء، والنفط وغيرها من المواضيع ذات الاهتمام المشترك.
من أجل تطبيق هذه الاتفاقيات والبروتوكولات ومذكرات التفاهم، كان لا بدّ من إنشاء لجنة اقتصادية مشتركة بين البلدين على مستوى الوزراء، لمتابعة تنفيذ ما يوقع، على أن تعقد اللجنة المشتركة دورياً كلّ عام في عاصمة بلد المضيف.
لكن وللأسف، منذ ربع قرن، لم يبدِ الجانب اللبناني اهتماماً ملحوظاً بالاتفاقيات، ولا جدية في متابعتها، وتنفيذها على الأرض كما هو مطلوب، رغم المراجعات المتكرّرة من الجانب الإيراني في هذا الشأن. مع العلم أنّ الجانب اللبناني لم يحترم موعد الاجتماعات الدورية السنوية، التي نصّ عليها الاتفاق الذي حدّد أهداف وعمل اللجنة الاقتصادية المشتركة، لأسباب معروفة غير خافية على أحد، وإنْ أراد البعض أن يتذاكى، مبرّراً التقصير المتعمّد بحجج تافهة واهية.
كيف يمكن لإيران التي ترتبط بلجان اقتصادية مشتركة مع دول الجوار، ومع العديد من دول العالم، أن تعقد اجتماعاتها الدورية كلّ عام معها بصورة منتظمة، وعندما نصل الى لبنان، لعقد الاجتماعات المحدّدة في مواعيدها، نجد التلكّؤ والتباطؤ من الجانب اللبناني، وتعمُّد المسؤولين اللبنانيين، أصحاب العلاقة المباشرة على تجاهلها، وتجاوزها. وهنا نتساءل: إذا كانت لدى الجانب الرسمي اللبناني عدم الرغبة في تطبيق واحترام الاتفاقيات والبروتوكولات، ومذكرات التفاهم الموقعة مع إيران، فلماذا هذا التوقيع، إن لم يكن لدينا النيات السليمة المسبقة، والجدية، والرغبة الأكيدة في احترامها وتنفيذها، وإثبات صدقية الدولة اللبنانية وهي تتعاطى مع دول العالم.
حقائق صادمة عايشتُها، ومعلومات كثيرة تزوّدت بها، على مدار ثماني سنوات من عملي كسفير للبنان في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث كنت نائباً لرئيس اللجنة الاقتصادية عن الجانب اللبناني وألمس عن قرب، وعن كثب، عدم جدية المسؤولين اللبنانيين في التعاطي مع الملفات المشتركة بين البلدين، وعدم الرغبة الأكيدة في تعزيز أطر العلاقات الثنائية على مختلف المستويات الاقتصادية، والتجارية، والسياحية، والصناعية والخدمية، والطاقوية وغيرها.
ولعلّ أبلغ دليل على ذلك، أنه رغم إلحاح وإصرار الإيرانيين على عقد اجتماعات اللجان الاقتصادية المشتركة، بصورة دورية، وفي مواعيدها المحدّدة، فإنّ عدد اجتماعات اللجنة، منذ عام 1997 وحتى عام 2020، لم يتجاوز ستة اجتماعات، كانت على التوالي: عام 1997، 1998، 2000، 2001، 2009، 2016.
موقف إيران لجهة دعم لبنان على مختلف الصعد، كان واضحاً وثابتاً. ففي عام 2001، قام وزير الاقتصاد اللبناني الراحل باسل فليحان بزيارة رسمية الى طهران، للمشاركة في اجتماعات اللجنة الاقتصادية المشتركة. وقد جرى أثناءها، لقاء مع نائب رئيس الجمهورية الإيرانية، الدكتور حسن حبيبي، وكنت حاضراً الاجتماع، أكد خلاله حسن حبيبي، على تصميم القادة الإيرانيين، على تعميق وتطوير العلاقات مع لبنان. وقال إنّ هناك إمكانات كبيرة جداً لتطوير التعاون بين البلدين. من جانبه أكد الوزير فليحان على استعداد لبنان لتطوير علاقاته مع طهران في مجالات الاقتصاد والتجارة والنقل.
قبل انتهاء عام 2003، والدخول في عام 2004، ليكون قد مرّ ثلاث سنوات على عدم انعقاد اللجنة الاقتصادية المشتركة، التي يرأس الجانب اللبناني منها وزير الاقتصاد، اجتمعت أثناء إجازتي في بيروت، بالوزير فليحان، ولفتّ نظره إلى ضرورة عقد اجتماع اللجنة، وذلك بناء على رغبة الإيرانيين، والتزاماً أيضاً، بنصوص الاتفاقات الموقعة بين الجانبين. كان جواب الوزير الراحل مفاجئاً لي عندما قال: ليس لدينا شيء لنبحثه. على التوّ استأذنت من الوزير ممتعضاً من جوابه، وقلت له: معالي الوزير عندما يكون لديكم شيء لبحثه، رجاء أبلغونا عنه! ثم انصرفت.
عشرات الوفود الرسميّة اللبنانيّة التي زارت إيران، من رئيس الجمهورية، ورئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة في ذلك الحين الراحل رفيق الحريري، إلى الوزراء وكبار المسؤولين، كانوا يسمعون من القادة الإيرانيين، توجيهات قائد الثورة لهم ـ وأنا الشاهد على ذلك ـ كلاماً واضحاً، صريحاً لا لبس فيه، مفاده: ما يحتاجه لبنان فنحن بجانبه، من دون قيد أو شرط. لكن للأسف، على من تقرعي مزاميرك يا إيران؟! على دولة فاشلة بكلّ المقاييس، لا همّ لطبقتها السياسية الفاجرة، الفاسدة، المفسدة، إلا الصفقات، والعمولات، والسمسرات، والمكرمات، والنهب المنظم لأموال الناس، وسرقة جنى عمرهم، والتي أوصلت البلد والشعب إلى الحضيض، ليصبح لبنان على لسان العالم كله، يتندّر بأحطّ وأسوأ طبقة سياسية، وأفسد وأوقح مسؤولين لا مثيل لهم شوّهوا وطناً عزيزاً، وذلّوا شعباً كريماً…!
نقول لكلّ الذين يقفون اليوم، عائقاً في وجه العروض الإيرانية، أياً كانت حججهم الواهية والمراوغة والمنافقة: كفى… كفى… أنتم لا تريدون مصلحة بلدكم وشعبكم! أنتم تتمادون في غيّكم، وحقدكم، وخبثكم، وفسادكم. لم يعد يتحمّل البلد المزيد من الانهيار، إكراماً لإهمالكم، وخنوعكم، وحساباتكم الضيّقة وارتهانكم لأسيادكم…
هناك عرض إيرانيّ مغرٍ، يجب الدفاع عنه والأخذ به، وإذا كان هناك من عرض مماثل، يأتي أيضاً من غير إيران، وبالمزايا نفسها، فأهلاً وسهلاً به.
العرض الإيراني هو اليوم، برسم كلّ مَن يدّعي حرصه على معيشة وحاجات اللبنانيين وخدماتهم. وعليه حسم الأمر الآن قبل الغد. فإما ان نكون في دولة محترمة، تحترم نفسها، وتحترم اتفاقياتها، وإما أن نكون في جمهورية، كسائر جمهوريات الموز، التي شهدتها دول القارّة الأميركية، لا حول ولا قوة لها، تنتظر ما يمليه عليها اليانكي.
المطلوب اليوم من كلّ الحريصين على معيشة وحياة الناس، وقفة حاسمة، وإنْ أدّى ذلك الى قلب الطاولة على رؤوس البغاة، أياً كانت التداعيات المرّة. فما الذي يبقى بعد ذلك لوطن، تمارس فيه الطبقة السائدة هذه السياسات الوقحة، وعندما يجوع الشعب، ويحتضر المواطن!
نكاية بإيران، تصرّون على إذلال اللبنانيين، كلّ اللبنانيين، نزولاً وخضوعاً لما يطلبه منكم أسيادكم، حفاظاً على عمالتكم، وتمسكاً بكراسيكم ومناصبكم، وصفقاتكم .
لإيران ستقولون بكلّ وقاحة، لا لعروضك، وإنْ كانت منزلة من السماء. فلا غرابة منكم، وأنتم الذين أدمنتم بكلّ وقاحة على إذلال وطن، وقهر شعب!
*وزير الخارجية الأسبق